الغموض الذي يلّف سياسة أغلب الزعماء العرب تجاه القضية الفلسطينية كان له أثر كبير في زعزعة الموقف العربي الموحّد تجاه هذ القضية التي أصبحت ثانوية عند البعض وبشكل علني، وقالها ولي العهد السعودي مؤخراً بالفم الملآن بأنّ القضية الفلسطينية لم تعد أولوية لبلاده.
في الحقيقة تهميش القضية الفلسطينية ليس جديداً على العرب، ومن المضحك المبكي أن يتمكن كيان صغير من اختراق أمة بأكملها ويحدث شرخاً في هذه الأمة التي تجمعها "جامعة عربية" واحدة لم تجدِ نفعاً لا من قريب ولا من بعيد، لطالما كانت بعيدة عن الشعوب العربية وكأنها في جزر المالديف وليست في دول عربية، فأغلب بياناتها كانت تأتي هشّة لا ترتقي إلى مستوى تطلعات الشعوب العربية، ولذلك حدثت هوة كبيرة بينها وبين الشعب، وإذا أردت اليوم أن تسأل أي مواطن عربي عن هذه الجامعة سيضحك ملء فمه.
هذه الجامعة الموقّرة انتفضت اليوم لنصرة الشعب الفلسطيني على مستوى المندوبين الدائمين، لتجتمع في الغد على مستوى وزراء الخارجية العرب، بناء على دعوة السعودية المصعوقة مما يحدث في القدس، وكأن "عملية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس" والتي حدثت منذ ايام "14 مايو 2017" كانت سرّاً لا يعلم به إلا ايفانكا ترامب ونتنياهو.
مسرحية هزلية
دعوة السعودية إلى هذا الاجتماع الطارئ يمكن تسميتها "مسرحية هزلية" هزيلة أو "شيزوفرينيا عربية" مخجلة، وإن كانت الدعوة إليها هي لحفظ ماء الوجه السعودي، ولا نعلم إن كان لذلك الماء علاقة بماء زمزم الذي تغيّرت طعمته بحسب قول الملك سلمان بن عبد العزيز، فهل حقاً تغيّرت طعمة ماء زمزم أم السياسة السعودية تغيّر مجراها، الذي أصبح يصبّ في تل أبيب عوضاً عن فلسطين؟!.
وما يدعو لاستغراب هذا الاجتماع أن القرار الأمريكي بنقل السفارة حصل قبل 3 أشهر، وكان للسعودية والإمارات ومصر يدٌ في تمريره بحسب عدة صحف عالمية أمريكية وغربية، حتى أن مراسل القناة العبرية كشف أن كلّاً من السعودية ومصر "أعطتا ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ قراره ونقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، تمهيداً للقرار الكبير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل"، وفق تقارير إعلامية.
كنا سندافع عن هؤلاء القادة العرب لولا مجموعة التصريحات التي أدلوا بها هم بأنفسهم وتنصلوا بها من القضية الفلسطينية مقابل تقرّبهم من كيان الاحتلال، وهنا نخصص بالتحديد كلّاً من "الإمارات، السعودية، البحرين ومصر".
فبعد صدور قرار ترامب خرجت فضائح بالجملة عن تواطؤ زعماء هذه الدول الآنفة الذكر بتمرير هذا القرار، وشيزوفرينا القادة العرب جسّدها وزير خارجية السعودية عادل الجبير بعد نحو 10 أيام من القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للاحتلال، حيث أطلق الوزير تصريحات جاءت وسط عاصفة هجومية غير مسبوقة على المستويين العربي والإسلامي شعبياً ورسمياً ضد القرار، لكن الوزير تطوّع للدفاع عنه بقوله: إن "إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جادّةٌ بشأن إحلال السلام بين الإسرائيليين والعرب".
السلام الذي تحدّث عنه الجبير كانت حصيلته في الأمس استشهاد نحو 63 فلسطينياً حتى اللحظة ومئات الجرحى في حصيلة متزايدة.
حالة العشق بين السعودية وأمريكا تحوّلت إلى هيام بالعدو الصهيوني الذي لم يبخل عليه ابن سلمان بالثناء، فقد عمد "محمد بن سلمان" على مدار الأشهر الماضية، إلى إثارة الجدل حول القضية الفلسطينية، بتصريحاته المثيرة للجدل، عن حق اليهود في أرض فلسطين تارة، وعن ضرورة التعاون والتطبيع مع "إسرائيل" تارة أخرى.
وشاركه الغزل كيان الاحتلال واصفاً إياه بأنه "رجل إسرائيل في السعودية" بحسب تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في نوفمبر الماضي، وقالت إن "ابن سلمان" عنصر "يمكن الاعتماد عليه في مشروع أمريكي إسرائيلي طويل الأمد لخلق شرق أوسط جديد".
التقارب السعودي مع "إسرائيل" لم يكن وحيداً بل شاطرتهم الإمارات نفس الاندفاع نحو الصهيوني بنسب أكبر وبتزكية من حكام دولة الإمارات (محمد بن راشد ولي عهد دبي - نائب رئيس الدولة وحاكم دبي) و(محمد بن زايد - ولي عهد أبو ظبي)، اللذان يتحمّلان مسؤولية كبيرة في موضوع نقل السفارة، فجميعنا يعلم تأثير هاتين الشخصيتين على ترامب، خاصةً أنهما موّلا الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية، وربما المعلومات المسرّبة عبر بريد سفيرهم في واشنطن يوسف العتيبة أعلم بما نقول.
أما البحرين فهي أكثر المتعاطفين مع الصهاينة، وظهر ذلك جلياً مع التأييد العلني الأخير لوزير خارجية البحرين "خالد بن أحمد آل خليفة" للضربات الإسرائيلية الأخيرة ضدّ مواقع إيرانية بسوريا، واعتبارها حقًّاً من حقوق "إسرائيل" للدفاع عن نفسها، طبعاً هذا عدا عن اللقاءات المستمرة بين المسؤولين الصهاينة وقادة البحرين، وقبل أيام من افتتاح السفارة الإسرائيلية بالقدس الشريف، كشفت وكالة "أسو شيتد برس" الأمريكية، عن لقاء جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وكل من السفير الإماراتي في واشنطن "يوسف العتيبة"، والبحريني "عبدالله بن راشد آل خليفة"، في مارس الماضي.
ختاماً.. لا يمكن للفلسطينيين أن يعتمدوا على الزعماء العرب في قضيتهم بحسب ما أثبتت الوقائع والأيام لذلك لن يكون أمامهم سوى استرداد حقهم عن طريق تفعيل المقاومة الشعبية، و"حزب الله" مثال يحتذى به عن كيفية استرجاع الحق وردع العدو.
المصدر: الوقت