الآية الشريفة"الذين يؤمنون بالغيب..." تعني غيبة الامام المهدي(عج)؟!

الأربعاء 2 مايو 2018 - 13:34 بتوقيت غرينتش
الآية الشريفة"الذين يؤمنون بالغيب..." تعني غيبة الامام المهدي(عج)؟!

والقصّة في ذلك مشهورة، فليس بعجيب أن يستطيل الجهّال من هذه الأمّة مدّة غيبة صاحب زماننا(ع)، ويرجع كثير منهم عمّا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة...

للجواب عن هذا السؤال اقتبسنا كلاما للشيخ الصدوق(ره) من كتابه" كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة" حيث قال :

ولقد كلّمني رجل بمدينة السّلام، فقال لي: إنّ الغيبة قد طالت، والحيرة قد اشتدّت، وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد، فكيف هذا؟ فقلت له: إنّ سنّة الأوّلين في هذه الأمّة جارية حذو النعل بالنعل، كما روي عن رسول الله(ص) في غير خبر، وأنّ موسى(ع) ذهب إلى ميقات ربّه، على أن يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة، فأتمّها الله عزّ وجلّ بعشرة، فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة، ولتأخّره عنهم، فضل عشرة أيّام على ما واعدهم، استطالوا المدّة القصيرة، وقست قلوبهم، وفسقوا عن أمر ربهم عزّ وجلّ، وعن أمر موسى(ع)، وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وعبدوا عجلاً جسداً له خوار من دون الله عزّ وجلّ، وقال السامريّ لهم: {هَذَا إِلَهُكُمْ وإِلَهُ مُوسى}، وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل، ويقول: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ اَلرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي* قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسى}، {ولَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وأَلْقَى اَلْأَلْوَاحَ وأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}.

والقصّة في ذلك مشهورة، فليس بعجيب أن يستطيل الجهّال من هذه الأمّة مدّة غيبة صاحب زماننا(ع)، ويرجع كثير منهم عمّا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة، ثمّ لا يعتبرون بقول الله تعالى ذكره، حيث يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اَللهِ ومَا نَزَلَ مِنَ اَلْحَقِّ ولاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ اَلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. فقال [الرجل ]: وما أنزل الله عزّ وجلّ في كتابه في هذا المعنى؟ قلت: قوله عزَّ وجلّ: {ألم ذَلِكَ اَلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} يعني بالقائم(ع) وغيبته...

الإيمان بغيبة المهديّ(عج)

وقد كلّمني بعض المخالفين في هذه الآية، فقال: معنى قوله عزّ وجلّ:{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}، أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة؛ فقلت له: لقد جهلت في تأويلك وضللت في قولك، فإنَّ اليهود والنصارى وكثيراً من فرق المشركين والمخالفين لدين الإسلام، يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثّواب والعقاب، فلم يكن الله تبارك وتعالى ليمدح المؤمنين بمدحة قد شركهم فيها فرق الكفر والجحود، بل وصفهم الله عزّ وجلّ ومدحهم بما هو لهم خاصّة، لم يشركهم فيه أحد غيرهم.

ولا يكون الإيمان صحيحاً من مؤمن، إلّا من بعد علمه بحال من يؤمن به، كما قال الله تبارك وتعالى: {إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ}، فلم يوجب لهم صحّة ما يشهدون به إلّا من بعد علمهم، ثمّ كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهديّ القائم(ع) حتّى يكون عارفاً بشأنه في حال غيبته، وذلك أنَّ الأئمة قد أخبروا بغيبته، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصّحف، ودوّن في الكتب المؤلّفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمّة(ع)، إلّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته، ودوّنه في مصنّفاته. وهي الكتب الّتي تعرف بالأصول، مدوّنة عند شيعة آل محمّد(ع) من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلّفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألّفوا ذلك في كتبهم، ودوّنوه في مصنّفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللّبّ والتحصيل، أو أن يكونوا قد أسّسوا في كتبهم الكذب، فاتّفق الأمر لهم كما ذكروا، وتحقّق كما وضعوا من كذبه بهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا أيضاً محال كسبيل الوجه الأوّل، فلم يبق في ذلك إلّا أنّهم حفظوا عن أئمّتهم المستحفظين للوصيّة، عن رسول الله(ص) من ذكر الغيبة، وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات، ما دوّنوه في كتبهم، وألّفوه في أصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً...

حكمة الله في الغيبة

إنّ الغيبة الّتي وقعت لصاحب زماننا(ع) قد لزمت حكمتها، وبان حقّها، وفلجت حكمتها، للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله عزّ وجلّ واستقامة تدبيره في حججه المتقدّمة في الأعصار السالفة، مع أئمّة الضّلال وتظاهر الطواغيت، واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية، وما نحن بسبيله في زماننا هذا، من تظاهر أئمّة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان.

وذلك أنّ خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا(ع) كوجود من تقدّمه من الأئمّة، فقالوا: إنّه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبيّنا أحد عشر إماماً، كلّ منهم كان موجوداً معروفاً باسمه وشخصه بين الخاصّ والعامّ، فإن لم يوجد كذلك، فقد فسد عليكم أمر من تقدّم من أئمّتكم، كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذّر وجوده.

فأقول  وبالله التوفيق:

إنّ خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى، وأغفلوا مواقع الحقّ ومناهج السّبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمّة الضلال في دول الباطل في كلّ عصر وزمان، إذ قد ثبت أنّ ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتّدبير لأهل الزمان، فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاصّ والعامّ، كان ظهور الحجّة كذلك، وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجّة بين الخاصّ والعامّ، وكان استتاره ممّا توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير، حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله، كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدّمة من عصر وفاة آدم(ع) إلى حين زماننا هذا، منهم المستخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاءت الآثار ونطق الكتاب...

المصدر:  كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة

إقرأ أيضا : متى خرج آخر توقيع للإمام الحجة(ع)؟