تعليقا على مسرحية نتنياهو الهزلية ، كتب وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف على صفحته في تويتر قائلا : “ان هذا الصبي لا يستطيع ان يكف عن الكذب على غرار الراعي الكذاب ، ويحاول من جديد ان يكرر عادته السابقة ، فهو لم يتعظ من فضيحة الرسم الذي عرضه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، وهو بامكانه فقط خداع بعض الناس مرات عديدة”.
المواقف الاولية التي صدرت عن قادة اوروبا ، ازاء “الكشف الاستخباراتي الخطير” لنتنياهو ، والذي غاب عن امريكا والغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية وعن جميع العالم ، لم تتسم بالجدية ، حيث مازالت مواقف هؤلاء القادة تؤكد على التمسك بالاتفاق النووي وضرورة ان تلتزم به امريكا.
الملفت ان وزير خارجية امريكا الجديد مايك بومبيو كان قد اعلن قبل فترة ان ايران ليست لديها خطة لانتاج قنبلة نووية وليست في وارد تحقيق هذا الهدف ، والرجل كما هو معروف كان يشغل منصب مدير الاستخبارات الامريكية “السي اي ايه” ، ومن صقور ادارة ترامب ، ولا ندري كيف خفي على بومبيو وثيقة واحدة من الوثائق ال55000 التي “عثر” عليها نتنياهو ، بينما المعروف ان وثيقة واحدة فقط تكفي لاثبات انتهاك ايران للاتفاق النووي.
نواب في الكونعرس الامريكي قالوا ان نتنياهو لم يأت بجديد ، الامر الذي يؤكد عدم اخذ المشرعين الامريكيين تصريحات نتنياهو على محمل الجد ، وكأن الرجل يهذي.
الملفت ان الاعلام “الاسرائيلي” الذي غطى مسرحية نتنياهو المضحكة ، لم يكن مقتنعا هو ايضا بما جاء فيها ، فقد ذكرت بعض وسائل الاعلام “الاسرائيلية” ان السبب الرئيس وراء تصريحات نتنياهو ، هو محاولة تبرير بقاءه في السلطة ، بعد الفضائح المالية التي تحاصره والتي تهدد مستقبله السياسي.
ليس هناك من شك من ان نتنياهو ما كان ليُقدم على هذه الفضيحة الجديدة ويعرض نفسه ، كما في عام 2012 لسخرية العالم ، لو كانت المعلومات القادمة من واشنطن بشأن الاتفاق النووي مشجعة بشكل كامل ، ويبدو ان الشك اخذ يساوره حول موقف ترامب من الاتفاق ، لاسيما بعد زيارة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل ، ومن قبل رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي ، الى واشنطن ، بالاضافة الى مواقف روسيا والصين المؤيدة للاتفاق النووي ، وقبل كل هذا وذاك رفض ايران المطلق المساس بالاتفاق الحالي ، وعدم تراجعها امام التهويل الامريكي والمواقف الاستعراضية لترامب وصقور ادارته.
من الواضح ان هناك شيئا يحول دون خروج ترامب من الاتفاق النووي ، او يصعب عليه عملية الخروج ، رغم مرور العام ونصف العام على دخوله البيت الابيض ، ورغم وصفه المتكرر للاتفاق بانه “سيىء” ، فهذا “الشيء” قد يكون واحدا من بين الاسباب التي سنذكرها او بعض منها او جميعا:
-موقف ترامب من الاتفاق النووي ، لا يعود لاسباب تقنية او امنية او سياسية كما يدعي هو ، بل يعود ل”عقدة اوباما” التي يعاني منها ترامب ، كما ذكرنا في مقال سابق ، فالرجل يكره اوباما كرها مرضيا ، ويريد ان يمسح كل بصمة لاوباما من التاريخ الامريكي.
-لا بديل للاتفاق النووي ، فهو افضل حل للبرنامج النووي الايراني السلمي ، ولن يكون بمقدور ادارة ترامب ان تتوصل لما هو افضل من هذا الاتفاق.
-العالم كله وعلى راسه حلفاء امريكا ، بريطانيا وفرنسا والمانيا ، يرفض المساس بالاتفاق النووي ويطالب ترامب وباصرار بعدم الخروج منه.
-التزام ايران الكامل بالاتفاق ، وبشهادة 10 تقارير مفصلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
-كل بدائل الاتفاق النووي ستكون مكلفة لترامب ، وفي مقدمتها البديل العسكري ، فايران ليست لقمة سائغة لامريكا ، فواشنطن تعلم علم اليقين انها ستخسر الكثير لو اختارت القوة العسكرية لمواجهة ايران ، كما اكد قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي.
-الاصرار الاوروبي على الابقاء على الاتفاق النووي كما هو وبحذافيره ، في مقابل التفاوض مع ايران في القضايا الخاصة بدورها الاقليمي ، وهو كلام يمكن ان يجد له في طهران اذانا صاغية ، اذا كان حقا يهدف الى محاربة الارهاب والتطرف في المنطقة والعالم.
-من الصعب جدا ان تدخل ايران مرة اخرى في مفاوضات جديدة مع امريكا حول اي قضية كانت ، وهو ما يطالب به ترامب ، في حال خرج من الاتفاق النووي.
-سيكون من الصعب على ترامب اقناع الزعيم الكوري الشمالي بجديته في التوصل الى اتفاق نووي معه ، اذا ما خرق الاتفاق النووي الذي تفاوضت امريكا حوله مع ايران على مدى 10 سنوات.
هذه الاسباب وغيرها هي التي دفعت نتنياهو الى ان يعود الى إدمان الكذب ، عادته القديمة ، لتصوره ان تغييرا ما قد طرأ على موقف ترامب من موضوع الخروج من الاتفاق النووي ، فلجأ الى كذبة لا نعتقد ان ترامب نفسه ، رغم كل نزقه ، سيبني عليها شيئا ، لذلك نراه يتحجج بمدة الاتفاق التي تنتهي عام 2025 ، او بدور ايران الاقليمي ، او بموضوع القوة الصاروخية لايران ، وهي قضايا لا يمكن ان تكون سببا منطقيا لانتهاك الاتفاق.
*ماجد حاتمي
المصدر: شفقنا
27/101