تحاول الثقافة العملية، والإعلام الاستعماري، أن يبرز لشبابنا قدوات مزيّفة، يوجه بها اهتماماتهم نحو الميوعة واللعب والانحراف..
لذا نرى التركيز على تضخيم شخصيات الفن! وفرسان الرياضة! وأبطال المغامرات الجنسية!
من أجل أن يجعلوا منهم قدوات يعمل أبناؤنا على تقمّص شخصياتهم، والسير على خطاهم الملتوية..
وحتى إذا ما أراد هذا الإعلام الاستعماري، أو شاءت تلك الثقافة العملية أن تستعرض لشبابنا حياة بطل ثائر، أو مواقف شاب مناضل، أو سيرة عالم مفكر.. فإنها تحاول استيراد هذه الشخصيات من وراء البحار ومن خلف المحيطات!!
ونحن وإن كنا نحترم كل كفاءة علمية، ونكبر أي نضال إنساني، ولكنا في نفس الوقت نرفض الانفصال عن تاريخنا المجيد وتراثنا العظيم الذي يزخر بحياة الأبطال المجاهدين، ومواقف الثوار المخلصين ونشاط العلماء المبدعين.
وتناسي عظماء تاريخنا الإسلامي، وأبطال أمتنا الكريمة واستجداء شخصيات الأمم الأخرى، واستيراد أبطالها كقدوات لشبابنا يعني طمس أصالة هذه الأمة، وقطع الصلة بين أجيالها المعاصرة وماضيها العريق!!
مع ملاحظة أخرى: هي أن أبطال الآخرين وشخصياتهم قد لا ينطلقون في مواقفهم من المنطلقات المبدئية التي نؤمن بها، ولا يتحركون ضمن الرؤية التي نعتنقها ولا يلتزمون بالتعاليم التي نلتزم بها نحن.. وإذا ما أصبحوا قدوات لشبابنا كان هناك خطر الالتباس وتشويش الرؤية..
وبمراجعة سريعة لأرشيف تاريخنا المجيد نرى للشباب الرسالي دوراً أساسياً وفعالاً في إرساء دعائم الرسالة الإسلامية، وبناء الأمة المناضلة..
كان للشباب المؤمن القسط الكبير في صناعة الثورة الإسلامية واستمرار مسيرتها، وحماية مبادئها..
فقد كانوا في طليعة السابقين إلى الإيمان، والمبادرين إلى اعتناق الدعوة السماوية.. حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله:"أوصيكم بالشباب خيراً فإنهم أرق أفئدة إن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ"1.
وبجهودهم المخلصة، وتضحياتهم العظيمة، ودمائهم الزكية الطاهرة، اخضرَّ عود الإسلام، وأينعت ثماره.
ولنستعرض الآن بعض السطور من حياة علي الاكبر(ع) – في ذكرى ميلاده و يوم الشاب - ليكون قدوة لشبابنا المسلم المعاصر.
في الثامنة عشر من العمر حيث روعة الشباب وزهرة الحياة والجمال الساحر، والخلق النبيل، مما جعله أشبه الناس خلقاً وخُلقاً بجده رسول الله صلى الله عليه وآله، كما يقول أبوه الإمام الحسين عليه السلام.
إنه علي بن الحسين الأكبر، الذي رآه أحد الشعراء فانسابت قريحته يقول:
لم ترَ عين نظرت مثله
من محتف يمشي ومن ناعل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى
أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه
ولا يبيع الحق بالباطل
كان هذا الشاب العظيم مرافقاً لأبيه الحسين عليه السلام في ثورته ضد الظلم والطغيان الأموي..
ولم يكن خروجه مع أبيه نوعاً من التعلق العاطفي أو الارتباط العائلي، بل كان عن قناعة وإيمان بالهدف، واندفاع للتضحية في سبيل الله..
ففي أثناء الطريق إلى ساحة النضال والفداء، يذكر المؤرخون أن لحظات من النوم أغمضت عيني قائد الثورة الإمام الحسين عليه السلام في إحدى ساعات السير، ولما انتبه الإمام كان يردد: ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾.
وكان ولده علي الأكبر إلى جانبه فسأله قائلاً:
يا أبتِ لم استرجعت لا أراك الله سوءاً؟
أجابه الإمام: يا ولدي خفقت خفقة فرأيت فارساً وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم!
قال علي الأكبر: يا أبتِ ألسنا على الحق؟
وفوراً أجابه أبوه الإمام بلى نحن والله على الحق.
قال علي الأكبر: إذا والله لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا !!
فالمسألة عنده ليست مسألة أبيه وإنما هي قضية الحق، وفي سبيل الحق يهون تحمل الآلام واستقبال الموت.
وقد حاول المعسكر اجتذاب علي الأكبر إلى صفوفه، أو على الأقل فصله عن معسكر أبيه مستغلين وجود ارتباط نسبي بين علي الأكبر وبين يزيد بن معاوية الطاغية المتحكم في مصير الأمة بالباطل، فأم علي الأكبر هي ليلى بنت أبي مرة بن عروة ابن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان أخت حبيبة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله، إذن فجدة علي الأكبر أخت معاوية وعمة يزيد!!
فناداه بعض قادة جيش ابن سعد، أثناء المعركة وحين أصبح من الواضح أن مصير أصحاب الحسين وأهل بيته هو القتل والشهادة، قالوا لعلي الأكبر: إن لك رحما بأمير المؤمنين يزيد ولا نريد بك سوءاً فهلمّ إلينا!!
ولكن علياً الشاب الثائر ما كان لينخدع بمثل هذه الإغراءات أو يستجيب لنداءات السوء والخيانة، فرد عليهم فوراً بقوله: ويلكم لرحم رسول الله أولى بان تراعى من رحم ابن آكلة الأكباد!
إنه يذكرهم بالقيم الباطلة التي اتخذوها بديلاً عن قيم الحق والرشاد.. فأصبحوا يقدسون السلطة الظالمة ويحترمون ارتباطاتها بينما يضربون بكرامة النبي وبحقوق أُسرته عرض الحائط..
وخاض معركة الجهاد في سبيل الله، وأبدى شجاعة أذهل بها الأعداء، الذين انتدبوا أشجع فرسانهم لمجابهته.. وأخيراً سقط الشاب العظيم صريعاً على أرض الشهادة ليكتب بدمه وصية لشباب الأجيال المؤمنة، أن يقوموا بدورهم في خدمة الرسالة، والدفاع عن مصالح الأمة.. أن يكونوا شباباً ثائرين يبحثون عن الشهادة في سبيل الله.. ولا يبالون أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم..
المصدر: كتاب مسؤولية الشباب للشيخ ى حسن الصفار