الغرب ... غرور في المعرفة و انفصام في الأداء

الجمعة 27 إبريل 2018 - 13:41 بتوقيت غرينتش
الغرب ... غرور في المعرفة و انفصام في الأداء

قد يقول قائل إن أسباب التعامل الفوقي والفرضي وغير المنطقي أو غير الأخلاقي... تختلف بين حالة وأخرى، فلربما يكون الخوف من الإسلام هو السبب الأساس في بعضها ...

أ.د.محمد شقير

إن المتتبع لسياسة العديد من الدول الغربية وأدائها سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي وبالتحديد فيما يرتبط بالاخر الديني والفكري والثقافي والسياسي.. يلحظ أن فوقية ما تسم ذلك الأداء الغربي وهذا ما يظهر في موضوع الحجاب إلى موضوع التبشير بالديموقراطية والقيم الغربية في مختلف مجالات الحياة بل ربما تعمد إلى استخدام العنف في محاولة منها لفرض مفاهيمها على المجتمعات الأخرى حتى يصل المتابع إلى هذه النتيجة أن العديد من الأسس والمفاهيم التي يرتكز عليها الفكر الغربي لا تجد لها محلاً في تعامل تلك الدول مع الشعوب والمجتمعات الأخرى.

قد يقول قائل إن أسباب التعامل الفوقي والفرضي وغير المنطقي أو غير الأخلاقي... تختلف بين حالة وأخرى، فلربما يكون الخوف من الإسلام هو السبب الأساس  في بعضها في حين يكون الطمع في ثروات الشعوب هو السبب الأساس في حالات أخرى باعتبار أن الاستلحاق الثقافي يسهم في الاستلحاق السياسي والاقتصادي، لكن رغم صحة هذا القول يمكن أن نضيف أن عاملاً أساسياً قد يكون مشتركاً بين العديد من تلك الحالات ويرتبط هذا العامل بالبيئة النفسية التي تساعد على نوع من التعاطي الفوقي والاستعلائي الذي يستخف بالمجتمعات والشعوب الأخرى ولا يرى فيها كائناً يستحق التقدير والاحترام والعيش باستقلالية وكرامة.

وهذا العالم يدفع إلى بناء معايير تسمح بتقييم الدول والمجتمعات إلى دول عالم أول وثاني وثالث أو إلى دول متقدمة ونامية ومتخلفة أو غير ذلك من الأوصاف التي وإن كانت تعتمد على جملة من تلك المعايير التي تعد معايير علمية لكنها تستبعد الجانب الأخلاقي والثقافي والمعنوي في توصيفها لا لشي‏ء. إلا لأن البنية الثقافية الغربية  بشكل عام  لا ترى أهمية لذلك الجانب المعنوي والروحي لتلك الشعوب.

وبالتالي يطرح هذا السؤال حول ما إذا كان من دور للمناخ الثقافي  النفسي في دفع المجتمع الغربي أو بتعبير أدق بعض الإدارات الرسمية الغربية إلى هذا التعامل الفوقي مع الاخر الديني ومع المجتمعات والشعوب الشرقية بشكل عام.

بداية لا بد من القول أنه لا يمكن استبعاد دور البنية الفكرية والثقافية في الأداء السياسي والاجتماعي كون هذه البنية تترك أثرها على مجمل المفردات الثقافية والمفاهيم ذات المنحى التعاملي والسلوكي والتي تؤدي بالتالي إلى رسم أداء ما لتلك الجهة التي تحمل تلك المفاهيم والمفردات.

إن الغرب الذي استطاع أن يحقق قفزات نوعية على مستوى اكتشاف الطبيعة والوقوف على قوانين المادة مما ساعده على استثمار هذه المعرفة وتوظيفها لصالح رفاهه وتقدمه الدنيوي؛ إن هذا الغرب يعيش نشوة هذا التقدم الصناعي والتقني والتكنولوجي مما يولد لديه الشعور بتميزه بل وتفوقه على بقية الأعراق البشرية والمجتمعات التي لم تحصد تلك النتائج ولم تصل إلى تلك الاكتشافات.

لم يدرك الغرب أن العلم والمدنية ليسا ابنا ساعتهما بل إن الشعوب على مر العصور والدهور كانت كل منها يضيف انجازاً أو اكتشافاً على رصيد العلم وأن الحركة العلمية الحديثة في الغرب لم تبدأ من فراغ، سوى أن الغرب قد أخذ بأسباب العلم والمدنية فوصل إلى ما وصل إليه من تقدم علمي وصناعي ومدني.

يحق للغرب أن يفتن بانجازات وأن يعتد باكتشافات وهذا أمر يسجل له، لكن ما يجب أن يدركه الغرب بالإضافة إلى ما ذكرنا أن هذه المعرفة العلمية هي ملك للبشرية كل البشرية ويجب أن توظف في خدمة الإنسان وجميع شعوب الأرض لصالح رفاهها وتقدمها وسعادتها ورقيها من أجل مواجهة الفقر والمرض والجهل والتخلف والفساد؛ لا أن تصبح سبباً للتعالي على بقية الشعوب والمجتمعات والسيطرة عليها واستغلال ثرواتها.

ليست القيمة أن الغرب قد وصل إلى ما وصل إليه من معرفة علمية ، بل القيمة كيف يوظف الغرب هذه المعرفة وما هي الاثار التي تركتها هذه المعرفة على الأداء السياسي والاجتماعي والأخلاقي للغرب مع بقية الشعوب والمجتمعات. هل أصبحت هذه المعرفة أداة للتواصل الإنساني والأخلاقي مع سائر الشعوب أم أصبحت أداة لقمعها والسيطرة عليها وعلى ثرواتها وابتزازها وفرض المفاهيم والقيم الغربية عليها؟ هذا السؤال سوف أترك الاجابة عليه لكل قارئ: لكن ما أريد قوله أن الغرب قد صيب بما يمكن تسميته ب«غرور المعرفة» هذا الغرور هو الذي يدفع باتجاه أداء فوقي وتعامل استعلائي مع بقية المجتمعات والشعوب، ولعل هذا الأمر يرجع إلى عاملين أساسيين:

الأول أن الغرب في الوقت الذي كان يحصد فيه تلك الانجازات العلمية والمدنية كان ينظر إلى تلك الشعوب الأخرى وهي تغط في حالة من التأخر العلمي والمدني مقارنة مع ما وصل إليه.

والثاني أن الغرب  بشكل عام  في بنيته الفلسفية والفكرية يعلي من شأن المادة ويرفع من شأن الطبيعة بل هو إما رافض لما وراء المادة أو أنه يعطيه قيمة محدودة ودوراً جزئياً له ولكل مضامينه الروحية والمعنوية والخلقية...

 إن هذين العاملين ساهما بشكل كبير في انتاج حالة من الغرور المعرفي لدى الغرب الذي ولد مع مرور الزمن شعوراً بالتفوق والتميز عن الاخر الشرقي أو الديني أو الجغرافية... وهو ما قاد إلى شعور بالقيمومة على المستوى الصحي والمعرفي والسياسي والاجتماعي والثقافي بالنسبة إلى جميع شعوب الأرض؛ وبالتالي فإن هذا التعامل الفوقي والاستعلائي قد أصبح جزءاً من بنية ثقافية نفسية موجودة لديه ليس من السهل عليه أن يتجاوزها أو يعالجها.

 ومن هنا نجد أن قبول الغرب بالاخر يتوقف على مسخ هويته الثقافية والقبول بالقيمومة الثقافية والسياسية للغربي ومراعاة مصالحه. إن الديمقراطية قد أصبحت دين الغربيين الجديد وأصبح التبشير بالقيم والمفاهيم الغربية رسالة العصر وليس على الشعوب الأخرى إلا القبول بالمنتوج الغربي، ولذلك نجد في أداء العديد من الإدارات الغربية علامات فارقة مع بعض المفاهيم والقيم التي يدعون إليها؛ فهناك حرص على اندماج الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية لكن هذا الاندماج مشروط بتخلي تلك الأقليات عن جزء أساس من هويتها وثقافتها، كما يلحظ مثلاً أن تعامل السلطات الأميركية مع الأقليات الإسلامية يختلف عن تعاملها مع بقية المواطنين الأميركيين وهناك الكثير من الأمثلة والشواهد التي تؤكد وجود انفصام واضح بين ما يتفوه به الغربيون وبين ما يمارسونه ويتعاملون به مع الاخرين.

إن التجربة الغربية في هذا الاطار تؤكد أن العلم والمعرفة العلمية كما يمكن أن يكون لهما نتائج ايجابية لصالح رفاه البشرية يمكن أن يستخدمها في المقابل بطريقة تؤدي إلى القضاء على الإنسان وانحرافه في الفقر والجهل والتخلف . وهذا يرجع الى طبيعة توظيف العلم لصالح الإنسانية وسعادتها أم من أجل أهداف أخرى.

 إن التاريخ سوف يقرأ هذه المرحلة التي أخذ فيها الغرب بأسباب القوة وسوف يحكم على التجربة الغربية في هذا الاطار ونستطيع القول بشكل عام أن الغرب قد أساء استخدام قوته ولم يوظف بشكل كامل رصيده من التقدم العلمي في المجال الإنساني والأخلاقي السليم، بل هو  بشكل عام  لم يكن وفياً للمبادئ والقيم والشعارات التي رفعها فيما يرتبط بحرية الشعوب واستقلالها ورفاهها بل كانت كل هذه القيم والشعارات تقف عند حدوده الجغرافية لتحل محلها متطلبات المصلحة التي تعلو على أي مبادئ أو قيم.

إن عوامل عديدة قد ساهمت في بلورة ذلك التعامل المختلف، لكن يبقى أن تلك البنية النفسية والثقافية التي تولدت على إثر حالة غرور المعرفة قد ساهمت بشكل قوي وفاعل في انفصام الأداء الغربي مع الاخر الديني والثقافي عن القيم والمبادئ التي نادى بها الغرب والتصاقه بمصالحه الاقتصادية والسياسية وغيرها.