بهروز دولت شاهي و هاجر بهلواني
إن الدين والتدين حقيقة عريقة ترقى في قدمها إلى قدم الإنسان نفسه، وأصبحت جزءاً من حياته، وإن الدين والمذهب يُشكل ركناً أساسياً من ثقافة الشعوب والمجتمعات، ويمنحها هويتها وانسجام أفرادها وارتباطهم ببعضهم. إن الشعائر الدينية من الأسباب المؤثرة في علاج الاختلالات النفسية والوقاية منها، وكذلك يمكن توظيفها للارتقاء بسلامة الأفراد على نحو مؤثر وبشكلٍ ملحوظ.(1)
إن الدين عبارة عن مجموعة من المعتقدات والأفكار التي تفرض على الأفراد سلوكيات خاصة.(2)
ويذهب الكثير من الباحثين في العلوم السلوكية والمعالجين النفسيين إلى أن لهذه المعتقدات والسلوكيات الدور الكبير في الوقاية من الأمراض الجسدية والنفسية وعلاجها أيضاً(3)، بحيث يذهب البعض إلى أن غياب هذه المعتقدات الدينية يؤدي إلى الأمراض النفسية، ونصح باللجوء إلى التعاليم الدينية لعلاج الاختلالات والاضطرابات النفسية. وقد أثبتت الكثير من الدراسات في هذا المجال الصلة الوثيقة بين هذه المعتقدات والرؤى والسلوكيات الدينية وبين ارتفاع مستوى السلامة النفسية، وحتى الجسدية.(4)
وقد توصل كوهين (Cohen) ومساعدوه (1995) في دراسته إلى وجود علاقة بين الكآبة والانحراف عن الدين، حيث أثبتت هذه الدارسات أن المتدينين قلما تظهر عليهم أعراض الكآبة، مثل: فقدان الرغبة والدافع، وإيثار العزلة، والشعور بالحزن والاضطراب والإحباط(5).
وقد توصل ويلتز وكرايدر في اختبار على 1650 شخص أن هناك صلة بين الرؤية الدينية والسلامة النفسية(6).
كما بحثت بعض الدراسات في الفلسفة بين الدين والطمأنينة، فوجدت أن المعتقدات والسلوكيات الدينية مرتبطة بالشعور الإيجابي.(7)وفي هذا السياق أظهر جانتر ومساعدوه (1996) في دراسةٍ وجود صلة بين التدين وممارسة الشعائر الدينية وبين الزواج وانخفاض نسبة الطلاق. كما أظهر ويتر ومساعدوه (1985) أن ما يتراوح بين 20 إلى 60% من متغيرات السلامة النفسية للبالغين يتضح من خلال المعتقدات الدينية(8).
وفي دراسة أخرى أظهر ويلتز وكرايدر (1989)، في اختبار أجرياه على 1650 شخصاً معدل أعمارهم خمسين عاماً، أن هناك علقة إيجابية بين الاعتقاد الديني والسلامة النفسية، وشاهدا أن ذلك يؤدي أيضاً إلى نجاح الزواج لدى كل من الرجل والمرأة، كما أنه يؤدي إلى رضا الرجل بالوظيفة التي يشغلها، والعمل الذي يؤديه.(9)
وقد توصل جامبربايناند (Chamberbinand) ومساعدوه (1987) في دراستهم إلى وجود ارتباط بين التدين وفلسفة الحياة والسلامة النفسية.(10)
كما أظهرت الدراسات الأخرى تأثير الممارسات في تخفيف الاضطراب وتحمل الضغوط النفسية بعد الامتثال للشفاء. فمثلاً: أظهرت نتائج دراستين أن المتمسكين بالتقاليد الدينية أقل ابتلاءً بالاضطرابات مقارنة بغيرهم(11).
إن المعتقدات والشعائر الدينية تؤدي إلى الاطمئنان وتخفيف الاضطراب من خلال هدفية الحياة، وتوسيع العلاقات الاجتماعية، وتوفير الأجواء للتعبير عن المشاعر الكامنة، ورغبة الفرد في الحياة، وما إلى ذلك(12).
وقد اعتبرت الزيارة من جملة المناسك الدينية والتجارب الفردية في الارتباط مع الله، وهي تحظى في الدين الإسلامي بمكانة مرموقة، يؤمن فيها الزائر بأن الله سيكون معه في قضاء حوائجه؛ فيشعر بطمأنينة نفسية، ويفرغ ما يختزنه في نفسه من مشاعر كامنة أثناء الزيارة، الأمر الذي يرفع من رصيد الفرد في ثقته بنفسه وسلامته النفسية.
أدرك (كراول وسوحيشان (Krol and Sohechan)، (1989)، وبارجامنت وماتون (Pargament and Maton) أن ممارسة الشعائر الدينية، كالزيارة والعبادة، تخفف من حدّة الغضب والاضطراب. وقد توصل نيس ووينتراب، (1995)، من خلال اختبار أجرياه على 400 شخص، إلى أن المشاركة في المراسم الدينية، مثل: الزيارة والعبادة، تقلل من الاختلالات النفسية(13).
درس موريس(1983) في تحقيق أَثَر الزيارة الدينية على الكآبة والاضطراب على 124 مريضاً جسدياً، وتوصل إلى انخفاض أعراض المرض بعد ذهابهم إلى الزيارة، وقد استمر هذا الانخفاض إلى عشرة أشهر في الأقل بعد العودة من تلك الزيارة.
الهوامش:
(1)داويديان، 1376.
(2)روبرت، 1992.
(3)نيلمان وبرسود (Nealman and Persaud)، 1995.
(4)والتس وكرايدر (Willits and Crider)، 1992، نقلاً عن (كوئينج (Koening) ومساعديه، 1992.
(5)نقلاً ًعن أبي القاسمي، وحجاران، 1376.
(6)نقلاً عن كوئينج ومساعديه، 1992.
(7)لورين وواند، 1998.
(8)نقلاً عن تيكس وفرايزر (Tix and Frazier)، 1998.
(9)نقلاً عن كوئينج ومساعديه، 1992.
(10)نقلاً عن روبرت، 1992.
(11) ليدنثال (Lindenthal) ومساعدوه 1979؛ استارك (Stark)، 1971، نقلاً عن غبارى، 1374 هـ ش.
(12)تيكس وفريز، 1998.
(13)نقلاً عن لورين وواندر (Levin and Vander)، 1998.
بهروز دولت شاهي و هاجر بهلواني/باحثان في علم الاجتماع
المصدر: مجلة نصوص معاصرة