السيّد عبّاس نورالدين
حين يغفل أي مسلم عن المهمّة الأولى لدينه، فلا يُتوقّع أن يدرك روح الإسلام في حياته. ولهذا، فإنّ استحضار الموضوع التربويّ في الإسلام والشّعور الدائم بوجود هدفٍ تكميليّ من وراء جميع أحكامه وفرائضه يمثّل الفرصة الكبرى لكلّ مسلم يريد أن يعيش روح الإسلام.
أجلى مظهر لتحقّق القرب والاتّصال بالله هو تحقّق التّكامل في شخصيّتنا. وأوضح عنوان للتّكامل هو خروجنا من رذائل الأخلاق ومذام الصّفات، كالحسد والعجب والتعلّق بالدّنيا الفانية وحبّ الشّهرة والاستعلاء و...
فما الذي يحدث اليوم حتى يتم استثناء المرأة من هذه القاعدة الكبرى؟
ولماذا يجري الحديث عن المرأة وكأنّها كائنٌ غير قابلٍ للتّكامل؟
ما الذي يعتقده هؤلاء حين يتعاملون مع النّساء باعتبار أنّهنّ غير قادرات على الخروج من الحسد ومن حبّ الجاه وأمثاله؟
ولكي يُعرف المقصود من الكلام لا بدّ أن أميّز بين فريقين من هذه الطّائفة. فهناك فريقٌ لا يعتقد بوجود شيء تحت عنوان تهذيب النّفس وتزكيتها؛ لا بل يرى في تلك الصّفات المذمومة قوّة إضافية للإنسان في عالمٍ تهيمن عليه شريعة الذّئاب. إنّه الفريق الداروينيّ الذي يرى الحياة عبارة عن صراع البقاء، وأنّه كلّما تسلّح الإنسان بأنانيّته يصبح أكثر قدرةً وفتكًا. فبالنسبة لهم، يكون الحسد أمرًا طبيعيًّا ومطلوبًا للحفاظ على الحقوق والدّفاع عن الذّات ويكون طلب الشّهرة أو السّعي لتثبيت المكانة الاجتماعيّة عاملًا مهمًّا لتقوية المرأة وتألّقها.
أمّا الفريق الثّاني ـ والذي يهمّني الحديث معه ومحاورته ـ فهو الذي يجتهد في النّصوص الحرفيّة بعيدًا عن روح الدّين الإسلاميّ، فلا يستحضر القاعدة الأولى فيه وهي تدلّ على أولويّة البناء المعنويّ والرّوحيّ للإنسان في كل حقّ أو فريضة. ويزداد خوفي من هذا الفريق حين يجعل اجتهاده في معرض الضّغوط الاجتماعيّة الموروثة والإملاءات الغربيّة التي تعصف بنا تحت عناوين مثل حقوق المرأة والدّفاع عنها.
وهنا نطالع بعض التّشريعات التي تحمل معها دلالة واضحة على أنّه يحقّ للمرأة أن تعيش الحسد لأنّه جزءٌ من تكوينها النّسويّ، وأنّه لا بأس بكونها تريد الحفاظ على مكانتها الاجتماعيّة وموقعيّتها لأنّها مخلوقٌ ضعيف!
ولا أظن أنّ هذا الفريق غريبٌ عن تعاليم الإسلام الأخلاقيّة، التي تؤكّد على قبح هذه الحالات وخطورتها على دين الإنسان (سواءٌ كان رجلًا أم امرأة). فالحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب، ولا يوجد إشارة إلى كونه إيمانًا ذكوريًّا! وطلب الجاه وحبّ الموقعيّة الاجتماعيّة أسرع في دين المؤمن من ذئبين ضاريين في غنم فُقد راعيها؛ ولا أظن أنّ التّعبير بالمؤمن في هذا الحديث الشّريف ينحصر في الرجل.
إنّ خوفنا من هذا الجوّ التشريعيّ، المنقطع عن قيم الإسلام وروحه الأصيلة، يتعاظم حين يتم تثبيت تلك الحالات السّلبيّة والصّفات المذمومة كجزءٍ أساسيّ من مكوّنات المرأة، باعتبار شياع هذه الصّفات بين النّساء؛ وكأنّ رسالة الإسلام الأخلاقيّة والمعنويّة جاءت لصناعة بضعة أفراد في المجتمع.
وما نحتاج إليه هنا، أكثر من أيّ شيءٍ آخر، هو إعادة الجهر بهذه الرّسالة الأخلاقيّة المعنويّة باعتبارها المنقذ الأوّل للإنسانيّة والوصفة العلاجيّة الشافية لكلّ مشاكلها وأمراضها وتعاستها.
أجل، تُخفق المرأة، ويخفق معها الإنسان، حين تفقد الدّليل والبوصلة التي تحتاجها للسّير في هذه الحياة، فتظن أنّها خُلقت لتحقيق ذاتها في صراعها مع الرّجل وفي سعيها لتأكيد أنانيّتها من خلال موقعيّة اجتماعيّة واهمة، وحين تفقد الهداية الأولى لمعنى الحياة على الأرض.
سيُخفق الإنسان حين ينسى أنّه جاء إلى هذا العالم من أجل أن يطهّر نفسه من حبّ الدّنيا وزينتها وطلبها والتعلّق بها، وحين يغفل عن أنّ الحياة الزوجيّة والحياة الاجتماعيّة هي فرصة هذا الخلاص.