تعددت القوائم شيعية وسنية وكردية وتركمانية ومدنية وعابرة للطائفية ـ على طريقة الصواريخ العابرة للقارات! ـ لكن مضمونها واحد.. شعارات وطنية ـ وأحياناً قومية عروبية وكردية ـ وتأكيد على اللحمة الوطنية ونبذ الطائفية، بالضبط هي نفسها التي تتكرر منذ 2005 تاريخ أول انتخابات برلمانية بعد سقوط حكم الدكتاتور.
شعار واحد يميزّ هذه الانتخابات ويعد بالقضاء على نظام المحاصصة الطائفي والحزبي، وهو الشعار الذي أطلقه زعيم إئتلاف دولة القانون نوري المالكي والذي سبب سقوطه في الدورة البرلمانية السابقة طبعاً إلى جانب أسباب أخرى، رغم أنه حصل على غالبية الأصوات، تحدث فيه عن "أغلبية سياسية" تحكم في مقابل أقلية تشكل معارضة كما هو الحال في جميع ديمقراطيات العالم.
لكن هذا الطرح يواجه رفضاً من قبل غالبية القيادات والزعامات السياسية في البلاد والتي تعتبره خطوة تحدّ من نفوذها السياسي والأمني وامتيازاتها المالية، طبعاً دون الإعلان عن ذلك!.
المالكي ينطلق في هذا المشروع من تجربة مريرة، كما قالها أكثر من مرة في لقاءاته الخاصة والعامة، عاشها لثمان سنوات في السلطة.. حكومة شارك فيها الجميع وأكل من خيراتها الكل ثم كسرت جرتها على رأسه!!.. لم يكن وزراء حكومته تحت إمرته، بل تشكل كتلهم البرلمانية وزعاماتهم السياسية والروحية معارضة له.
الإستطلاعات التي نشرت وأغلبها غير محايدة تشير إلى تقدم قائمة رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي (النصر) تليها قائمة الفتح التي يرأسها شيخ المجاهدين السيد هادي العامري أمين عام منظمة بدر والقائمة كما هو معروف تمثل غالبية فصائل الحشد الشعبي، ثم إئتلاف دولة القانون بزعامة المالكي وهكذا سائرون (تحالف التيار الصدري والحزب الشيوعي) والوطنية والحكمة والقرار وتمدن والأخوات الكردستانيات...إلخ.
القضية الأساسية التي سوف تربك معادلات هذه الدورة الإنتخابية والتي انتبهت لها بعض الزعامات مبكراً أو متأخرة، هي الشباب من مواليد تسعينيات القرن الماضي والذين يشكلون نسبة عالية من المجتمع العراقي اليوم ولهؤلاء سقف مطالبات يختلف عن الأجيال التي سبقتهم.. لأن معظم حياتهم عاشوها في مرحلة ما بعد الدكتاتور وحكومة البعث وفي أجواء إنفتاح لم يشهدها تاريخ العراق والمنطقة.
بصراحة، لن تُحدث الإنتخابات معجزة في الوضع العراقي، فالبلد يحتاج إلى سنوات طويلة من النزاهة والمثابرة والجدية لانقاذه مما هو عليه الآن من فساد سياسي واقتصادي واداري وتخلف على مستوى الخدمات والتنمية واستقلالية القرار... وهذه الحقيقة التي يجب أن يعيها الناس دون تدليس وشعارات خاوية، وهو ما سمعته من قيادات عراقية بعظمة لسانهم رغم أن كتلها وقوائمها "تحجي معلك!" كما يقول العراقيون.
ناهيك عن المخططات التي تتربص بالعراق من الخارج والتي تريد أن تجعل منه ورقة رابحة في سياساتها وعداواتها الدولية والاقليمية.. والتي تساومه بين الدمّ والتبعية!!
ومن هذا المنطلق سيبقى السيد العبادي الرقم الأهم لتولي حقيبة رئاسة الوزراء القادمة، لأن خيار الجميع ـ باستثناء قليل ـ هو الأضعف وليس الأقوى، ونقطة الضعف العبادية هذه تتحول هنا إلى أهم نقاط قوته، على عكس سابقه المالكي الذي شعر منه العديد بالقوة المفرطة، وهو ما جعله مرفوضاً من قبل كثيرين إلى حدّ وصفه بالدكتاتورية.
والعبادي كما يرى كثيرون مدعوم أميركياً وسعودياً ـ حسب تصريح أنور عشقي ـ ومقبول ايرانياً وتركياً، ويمكنه التفاهم مع الأكراد والتيار الصدري ويتحمله الحشد وتسكت عنه المرجعية.... وهؤلاء أكثرهم لا يقبلون بتكرار تجربة المالكي أو من يشابهه في التعامل الحاسم مع الملفات وخاصة هيبة الدولة وحصر السلاح والأمن بيدها.. إضافة إلى الإشكالات الأخرى التي يؤاخذ عليها المالكي ولم يثار مثلها على العبادي خلال السنوات الأربع الماضية.
ومن البساطة حصر الإنتخابات في سجال المالكي ـ العبادي، وحتى تكرار أسماء قديمة مثل إياد علاوي وعادل عبد المهدي وغيرهما.. لأن هناك أسماء جديدة يعول عليها كثيراً ولربما تكون عناوين تصالحية بسبب انتماءاتها المناطقية والعشائرية ونزاهتها ومهنيتها وأيضاً إنتماءها إلى كتل معروفة.. شخصياً أعتقد أن شخص مثل محمد شياع السوداني يمكن أن يشكل بديلاً لأكثر من قائمة وفي مقابله محمد توفيق علاوي بالنسبة لقائمة علاوي ومن يدعمها أو قريب من توجهاتها.. ولكم أن تبحثوا عن آخرين لربما يشكلون الإجابة عن سؤال: من هو رئيس وزراء العراق القادم؟!
بقلم: علاء الرضائي