السيد عبّاس نورالدين
إنّ انتظار الفرج ـ الذي عدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل أعمال أمّته ـ ولكي يبقى فينا، ينبغي أن ينبع من أمرين أساسيّين:
الأوّل، الوعي والبصيرة تجاه معنى وجود الإمام المعصوم في حياتنا.
والثاني، استمرار شعلة الشوق إليه في قلوبنا. فلا الشوق وحده يمكن أن يبقى ويستمر، ولا الوعي والبصيرة كافية بمفردها لنعيش انتظار الفرج الحقيقيّ.
الشوق إلى الإمام المهديّ هو شوقٌ لما سيحقّقه في حياتنا كأفراد ومجتمعات. وبمقدار ما ندرك هذه الإنجازات وندرك الواقع الذي نحن فيه، سوف تزداد شعلة شوقنا إليه استعارًا.
انتظار الإمام المهدي عليه السلام هو انتظار للعدل الشّامل. ولا يمكن أن يكون الإنسان مشتاقًا لهذا العدل ما لم يتعمّق ـ بشعوره ووعيه ـ في إدراك الظّلم المنتشر في العالم.
الإنجازات الاجتماعيّة والثقافيّة والمعنويّة والكونيّة التي ستتحقّق بفضل قيادة الإمام للعالم هي أعظم بكثير ممّا يمكن أن يتحقّق على يد أي قائد مصلح.
ولكن قد يبتلينا الله تعالى ببعض القدرة ويبسط أيدينا في أزمنةٍ ما، لكي يقرّبنا من إدراك حقيقة الظلم؛ وربما لا نخرج من هذا الامتحان بنجاح، حيث نظن أنّ المشكلة كلّها تنحصر في نقص الإمكانات. وقد شاهدت الكثير من الفاعلين في ساحاتنا المختلفة يختصرون مشكلة العالم بهذه النقطة بالتّحديد؛ حتى أنّ أحدهم ليعتقد أنّه لو أُعطي المزيد من الإمكانات لغيّر وجه العالم بأسره!
أسوأ شيء بالنسبة للعاملين أن يعتقدوا أنّ الإمام عبارة عن إمكانات إضافيّة من القدرة والسلاح والمال. ولا شك بأنّ هذا سيحصل نتيجة الجهاد الكبير، لكنّ الله تعالى لم يخفِ وليّه كل هذه القرون لنجهل قيمته وموقعيّته وحقيقة ما يمثّله في شخصيّته الكاملة؛ بل يمكن القول بأنّ السبب الأوّل لغيبة الإمام (والذي سيكون ضدّه العامل الأوّل في ظهوره وخروجه للنّاس) هو جهل الناس بحقيقته كإمام معصوم وارث للنبوّة وامتداد للرسالة.
لهذا، فإنّ الظّلم الحقيقيّ أو الظّلم الأساسيّ الذي ينبع منه كلّ ظلم في العالم هو الجهل بالإمام ومنزلته عند الله تعالى. فكل ما يجري اليوم من فجائع وفظائع على المسلمين ـ الذين يظهرون في واجهة مظالم العالم، نظرًا لحساسيّة دينهم وموقعيّتهم الجغرافيّة وإمكاناتهم المهمّة ـ إنّما يرجع إلى ذلك المسار التاريخيّ الذي بدأ منذ أربعة عشر قرنًا بالإعراض عن خليفة رسول الله الواقعيّ، والذي أصبح على مدى الأزمنة جهلًا مدقعًا بحقيقته ومقامه عند الله تعالى وما يمكن أن يحقّقه للبشريّة فيما لو بايعته على السّمع والطّاعة.
ومن مفارقات الدّهر أنّ تلك الفرق التي تأسّست على هذا الافتراق عن الإمام هي أوّل من أدرك فيما بعد أهمية الإمامة والبيعة والطّاعة والاجتماع على شخصٍ واحد؛ حتّى إنّك لتقرأ في أدبيّاتهم في هذا المجال، ما لا يختلف في العمق عن أدبيّات الموالين بشأن الولاية. لكن الذي حدث، وهو أمرٌ جوهريّ، أنّ هذه الفِرَق قد بنت عمارة فكرها ومذهبها على أساسٍ غير قيميّ، بل على أساس رفض القيم الكبرى التي يمثّلها الإمام المعصوم نفسه.
فما نفع أن تدعو إلى طاعة الأمير إن لم يكن فقيهًا عارفًا بأحكام الله؟ وهل سيولّد مثل هذا الأمر سوى المزيد من الفِرق والأمراء؟ وقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ(الكافي، ج1، ص 54. )
". فإن لم يكن وليّ الأمر عارفًا بأحكام الله ومتّصلًا بالمصدر الحقيقي للتّشريع وصادرًا عن منبع الدّين وروحه، فلا شك بأنّه سيلجأ إلى الرأي والهوى (وإن كان بصورة مصلحة المسلمين). وهكذا، يتشكّل بدل الدين الواحد أديان وبدل المذهب الأصل مذاهب، وتتشعّب الفرقة وتكثر الآراء ويضيع الصواب ويخفى الحقّ..
لكي تبقى شعلة الشوق متأجّجة في قلوبنا ولكي تكون وقودًا لأفضل الأعمال (وهو الانتظار الواقعيّ للفرج)، ينبغي أن ندرك ونستشعر الظلم الأكبر. وما عدا ذلك، فإنّه سرعان ما يختفي عند أوّل تمكين، كما حصل عبر التاريخ مع العديد من الرايات التي انطلقت للثّأر للمظلومين والمطالبة بحقوق المضطهدين. فبمجرّد أن انتصرت واستولت على قصر الإمارة حتى عاد باب الظلم وانفتح على مصراعيه، لنشاهد ظلمًا أعتى وأشد!
ما لم ندرك هول الظّلم النّاشئ من تغييب الإمام، وما لم نربط بين كل المظالم التي تقع في العالم وظلم استبعاد دور الإمام المعصوم، فسوف تخبو شعلة الشوق فينا، ونفقد بذلك عنصرًا أساسيًّا يفترض أن يحفظنا على طريق التمهيد الواقعيّ للإمام.
سَلامُ اللّهِ الْكامِلُ التّاَّمُّ الشّامِلُ الْعاَّمُّ وَصَلَواتُهُ الدّاَّئِمَةُ وَبَرَكاتُهُ الْقاَّئِمَةُ التّاَّمَّةُ عَلى حُجَّةِ اللّهِ وَوَلِيِّهِ فى اَرْضِهِ وَبِلادِهِ وَخَليفَتِهِ عَلى خَلْقِهِ وَعِبادِهِ وَسُلالَةِ النُّبُوَّةِ وَبَقِيَّةِ الْعِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ صاحِبِ الزَّمانِ وَمُظْهِرِ الاْ يمانِ وَمُلَقِّنِ اَحْكامِ الْقُرْآنِ وَمُطَهِّرِ الاْرْضِ وَناشِرِ الْعَدْلِ فِى الطُّولِ وَالْعَرْضِ.