ترامب.. بندقية للإيجار

الأحد 15 إبريل 2018 - 09:40 بتوقيت غرينتش
ترامب.. بندقية للإيجار

مقالات - الكوثر: دخلت عبارة “العدوان الثلاثي” الى التاريخ، بعد العدوان الذي شنته بريطانيا وفرنسا و”اسرائيل” ضد مصر خلال حرب السويس عام 1956 ، واليوم تدخل هذه العبارة مرة اخرى الى التاريخ بعد العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا الى جانب امريكا على سوريا تحت ذريعة مسرحية “كيمياوي دوما”.

الملفت ان العدوان الثلاثي الجديد حصل في نفس اليوم الذي وصل فيه وفد خبراء الاسلحة الكيمياوية الى دمشق من اجل التحقيق في حقيقة الهجوم الكيمياوي على منطقة دوما في الغوطة الشرقية لدمشق، الامر الذي يكشف مدى استهتار الغرب وعلى راسه امريكا بالامم المتحدة والقانون الدولي، وعدم اكتراث واضح بمهمة الوفد الاممي ولا بنتائجها.

الفرق بين العدوان الثلاثي الاول والعدوان الثلاثي الثاني من ناحية القواعد التي انطلق منها العدوان، ففي العدوان الثلاثي الاول لم  يجد الغرب حينها قاعدة في المنطقة ينطلق منها للعدوان على مصر، اما اليوم فالحجم الاكبر للعدوان على سوريا انطلقت من قواعد عربية ، بل ان التكلفة المادية الباهضة للعدوان قد تم تغطيتها سلفا من قبل خزائن الانظمة الخليجية ، كما خرجت المدن العربية على بكرة ابيها الى الشوارع تنديدا بالعدوان الثلاثي على مصر ، اما في العدوان الثلاثي على سوريا فالطير على رؤوس هذه المدن وسكانها ، كما لم يُسمع في العدوان الثلاثي الاول اي صوت عربي حيادي فالجميع مع مصر ، اما في العدوان الثلاثي الثاني ، فهناك اصوات عربية عالية ومعروفة تأسف على عدم مشاركة “اسرائيل” “شرف قصف” سوريا!!.

الغرب الذي يرفع لواء حقوق الانسان والقانون ، شن عدوانه على دولة ذات سيادة ، ضاربا بالامم المتحدة ومجلس الامن والقانون الدولي بعرض الحائط ، هذه فرنسا اعتبرت ” الافلام التي تناقلتها وسائل الاعلام عن الهجوم الكيمياوي” ، كافية لتبرير مشاركتها بالعدوان ، اما بريطانيا وعلى لسان رئيسة وزرائها تيريزا ماي، فقد بررت مشاركتها بالعدوان، بالقول ان “النظام السوري هو الذي نفذ الهجوم لانه تم مشاهدة مروحية تحلق فوق دوما خلال الهجوم”! ، اما امريكا فقد حمل رئيسها النظام السوري فور سماعه بالهجوم ولم يكلف نفسه عناء التحقيق والتدقيق.

من الواضح ان لا هجوم ولا مواد كيمياوية استخدمت في دوما، وانه لم يكن الجيش السوري بحاجة لهذا الهجوم، فهو كان يتفاوض مع من تبقى من جماعة “جيش الاسلام” الارهابية للخروج من دوما الى شمال سوريا، الا ان العدوان كان سيحصل في جميع الاحوال انتقاما للانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في دوما، الا ان ترامب كعادته احرج قادته العسكريين عندما رفع من  حجم توقعات “اعداء سوريا” من العدوان، بتغريداته التي ارعد فيها وازبد، وهو ما يفسر الفجوة الزمنية بين تهديدات ترامب القوية وبين شن العدوان الفاشل ، حيث اخر القادة العسكريون موعد العدوان من اجل اشراك دول غربية فيه للتقليل من مسؤولية العدوان على امريكا، لاسيما انه جاء دون اي غطاء قانوني او دولي، وكذلك من اجل التنسيق مع روسيا، للحيلولة دون تعرض جنود روس او مستشارين ايرانيين للخطر، وهو ما كان سيفتح  ابواب جهنم على امريكا، لذلك لم يسقط ولا شهيد واحد في سوريا رغم انه تم استخدام 110 صواريخ في هذا العدوان.

ان التصريحات التي اطلقها قادة امريكا وبريطانيا وفرنسا وخاصة القادة العسكريين، والتي جاء بعض منها متزامنا مع العدوان، والتي اكدت جميعها وبشكل لافت على ان العدوان انتهى وان الهجمات تمت بدفعة واحدة، وان الهجمات استهدفت المنشات الكيمياوية، وان دول العدوان ليست بصدد تغيير النظام السوري.

العدوان جاء في جانب منه بهدف انزال ترامب من اعلى الشجرة التي صعد اليها بدوافع شخصية وداخلية، فالرجل تلاحقه التحقيقيات التي يجريها المحقق الخاص مولر، حول التدخل الروسي في حملته الانتخابية وقضايا الفساد الاخلاقية والمالية، كما جاء ايضا للانتقام لهزيمة مشروع الغرب في سوريا، وكذلك لارضاء الدافعين الخليجيين “الكرماء”.

العسكريون الامريكيون، وليس ترامب او وزير خارجيته بومبيو او مستشاره للامن القومي بولتون، يعرفون جيدا ان تحركهم في سوريا لم يعد سهلا بعد انتصارات محور المقاومة، وفي حال نفذ ترامب وفريقه مغامرة غير محسوبة هناك، فان الجنود الامريكيين في سوريا وهم بالالاف سيتحولون الى رهائن لدى الروس والايرانيين والجيش السوري وفصائل المقاومة، وهذا الامر بالذات هو الذي دفع جنرلات امريكا الى كبح جماح ترامب وفريقه السياسي المتطرف.

العدوان الثلاثي على سوريا، بحد ذاته يشكل اكبر ادانة للغرب، فالمعلن هو ان هدف العدوان هو تدمير القدرات الكيمياوية لسوريا، وهو ما صرح به وزير الدفاع الامريكي ماتيس عندما قال ان العدوان دمر البنية التحتية الكيمياوية لسوريا، فاذا كان الامر كذلك، فلماذا لم نشهد اي اثار للمواد الكيمياوية في الاهداف التي تم قصفها الطيران والصواريخ ؟ ، لذلك فان بامكان سوريا، ومن اجل فضح من وقف وراء العدوان ومن نفذه، ان تطالب الامم المتحدة بارسال خبراء في الاسلحة الكيمياوية للتحقيق في الاهداف التي استهدفها العدوان وهل كانت حقا تحتوي على اسلحة او مواد كيمياوية كما يدعي الغرب؟.

المضحك المبكي هو لجوء مندوبو امريكا وفرنسا وبريطانيا في مجلس الامن الى عذر هو اقبح من ذنب لتبرير عدوانهم الغاشم على سوريا، وذلك بعد ان اتهمهم مندوب روسيا في مجلس الامن بانهم “داسوا على ميثاق الامم المتحدة” ، فقد اعلنوا صراحة ان “الميثاق الدولي لا يحمي المجرمين” ، في اعتراف واضح بانتهاكم هذا الميثاق، ولم يخطر ببالهم ان الراي العام العالمي سيستحضر على الفور الاجرام الصهيوني المتواصل منذ 70 عاما بحق الشعب الفلسطيني، وهو اجرام لم يحرك شعرة واحدة من الجسد الغربي الميت، كما سيستحضر جرائم الطاغية صدام حسين بحق الشعبين العراقي والايراني ابان الحرب التي فرضها على الجمهورية الاسلامية، والتي استخدم فيها الاسلحة الكيمياوية وبشكل مكثف وواسع والتي اسفرت عن استشهاد الالاف من الابرياء، بدعم وتمويل وتغطية غربية واضحة وفاضحة.

العدوان على سوريا كشف ان قادة الغرب هم ارخص باكثير مما كنا نتصور، فترامب الذي يعتبر رئيس اكبر دولة غربية،  تبين انه  ليس سوى  “بندقية للايجار” ، تستخدمها بعض الدول الثرية في مقابل المال، وليس في هذا الوصف من اهانة او افتراء، فترامب نفسه وصف الجيش الامريكي بانه مجموعة من المرتزقة  وذلك عندما قال بعظمة لسانه: “اذا رغبت السعودية ان يبقى الجنود الامريكيين في سوريا عليها ان تدفع”.

شفقنا

24-101