تروي الفتاة اليمنية "كنتُ في الوادي الرابعة عصراً يوم الخميس أجمع الحطب، وسألني الجندي السوداني إلى أين ذاهبة؟ قلت له أحمل الحطب".
وواصلت السّرد بأنها حين أرادت الابتعاد عنه أمسكَ بها من ورائها وخنقها بواسطة يديه، وقام بأخذها إلى وسط الأشجار كي لا يراه أحد مُستغلاً تأخّرها عن باقي النساء، قبل أن تُكمل إنها قاومت الجندي السوداني لكنه وجّه إليها ضربة بقبضة يده على رأسها حتى سالت الدماء من أذنيها.
وتبدو التفاصيل الصادِرة عن الفتاة التي تمكَّن أحد النُشطاء المعروفين في اليمن من التواصل مع ذويها ثم معها شخصياً "شافية ووافية"، وتدحض كل تلك الحملات الصادرة عن الإعلام التابع لما يُسمَّى "التحالف العربي" الذي يواصل "استعراض" الأسباب الحقيقية التي أنشئ من أجلها وأهمها التنكيل بهذا البلد وأهله.
هذه "الجريمة الشنعاء" لا يجب أن تمرّ مرور الكِرام رغم كل "الحصار الإعلامي" المُطبق على ما يحدث في اليمن، وهنا نستغرب ونتساءل: أين الإعلام الأجنبي الناطق باللغة العربية من هذا الملف لطالما أنه "الوحيد" (طبعا نستثني مُتعمّدين القنوات صاحبة المواقف المُشرِّفة منذ اليوم الأول على غِرار الميادين والمنار والعالم وأخرى تدور في نفس الفلك) القادِرة على مناقشة هذه المواضيع من دون أن يقابَل بتلك "التهم" التي تُلاحق كل مَن يتجرّأ على فتح جراح اليمن واليمنيين؟.
أتذكّر أنني شخصياً سبق وخصّصت بعض المقالات لدور الجنود السودانيين في اليمن، وعلى أي أساس يأتون من خلال "الصفقة" المعروفة بين النظامين السوداني والسعودي، رغم أن النتيجة المعلومة للعِيان جاءت مُخيّبة "للزول" بعد أن اكتشف أنه "ضحيّة مقلب" ولا شيء من الوعود تحقّق، والدليل يمكن استنتاجه من خلال خطوة "جزيرة سواكن" ومن آلت إليه في النهاية كنوعٍ من الانتقام، عموماً ليس هذا الوقت المُناسب لاستعراض التفاصيل لكن ما أودّ التوقّف عنده مليّاً يهمّ مقاطع فيديو سُرِّبت قبل فترة تهم كيفية "شحن" هؤلاء الجنود من لدن "دُعاة سعوديين" قَصْدَ "إيهامهم "بأنهم في "مهمّة مُقدَّسة"، وأنهم يحملون "راية الإسلام والجهاد" وغيرها من المُصطلحات الرنّانة التي نجحت في "غَسْل دماغهم"، حتى إنني تساءلت وقتها: ماذا ترك هؤلاء لفلسطين وقضيتها وهي الأحق والأَولى؟
المقصود أننا أمام "آلة إعلامية ودينية جبّارة" هدفها تزييف الحقائق والتلاعُب بها، ولعلّ أول تلك الأكاذيب هي ذلك الشِعار الوهمي الذي جرى الاستناد إليه منذ اليوم الأول وهو "التحالف العربي"، وكأننا في حضرة ذلك "الحلم الأزلي" بوحدة عربية طال انتظارها وللأسف سقط الكثيرون في هذا "الفخّ"، مُستغلّين "التنسيق التام" وقتها بين "جحافل الإعلام السعودي والقطري"، قبل أن يستعرّ الخلاف وينفرط العقد ليبدأ مسلسل "نَشْر الغسيل الوسِخ"، لذلك يبدو صعباً تصديق "إنسانية الإعلام القطري المُتأخّرة" التي نشهدها ويتفاعل معها البعض عن "غباء"، مُصدّقين فعلاً أننا أمام "ملائكة" وهذا ملف آخر يستحقّ منا التدقيق والطرح.
الخُلاصة أن السكوت عن قضية هذه الفتاة اليمنية "جريمة أخرى" أشدّ إيلاماً وتفضح "نِفاق" هذا "العالم الحضاري" الذي يثور حينما يتعلّق الأمر بمواطنين "كلاس"، ولا يتحرّك أمام هذه الحرب التي أبادت شعباً (غير مُصنّف وِفق درجات الإنسانية المطلوبة دولياً)، ودمّرت بلداً عريقاً ووصلت الأمور إلى استهداف شرف وكرامة بناته، والكلُ يتذكّر ذلك "التحقيق الصحفي" الذي نشرته صحيفة الوطن قبل فترة، ويحمل إساءات كبيرة للمرأة اليمنية، وأثار آنذاك الكثير من الجدَل، فإلى متى ستظلّ مأساة اليمن وأهله مُغلّفة بالصمت والنسيان ؟
* عادل العوفي - الميادين