أهل البيت(ع)...و إحياء أمرهم

الخميس 12 إبريل 2018 - 09:50 بتوقيت غرينتش
أهل البيت(ع)...و إحياء أمرهم

يتفق المسلمون على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن، وأنها هي التي تبين معاني آيات القرآن...

الشيخ حسن الصفار

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق   أنه قال للفضيل بن يسار: يا فضيل « أتجلسون وتتحدثون؟ »قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق  :«إن تلك المجالس أحبها. فاحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا » (1)

مصادر التشريع:

يتفق المسلمون على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن، وأنها هي التي تبين معاني آيات القرآن، وهي التي تفصِّل المجملات الواردة في القران الكريم. وقد وكل الله تعالى هذه المهمة إلى نبيه(ص) حيث قال:

﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾(2)  فتبيين القران وتوضيح معالمه هذا من شؤون السنة؛ ولذلك تعتبر السنة المصدر الثاني في الاسلام بعد القران الكريم لتحصيل المفاهيم والأحكام والتشريعات. وقد اتفق المسلمون على أن قول رسول الله   وفعله وتقريره حجة شرعية، وهذا ما يصطلح عليه المسلمون بالسنة.

بعض العلماء المسلمين كالعلامة الشاطبي والعديد من علماء أهل السنة يرون أنها تتسع لسنة الصحابة، فليس كلام الرسول وفعله وتقريره حجة ومصدر تشريعي وإنما سنة الصحابة وأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم أيضا هي حجة ومصدر للتشريع.

نحن نعتقد أن السنة تشمل أيضا الأئمة المعصومين من أهل البيت، وأن أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم حجة ومصدر للتشريع كجدهم رسول الله(ص)؛ وذلك بعد ثبوت عصمتهم، وبعد ثبوت الإرجاع إليهم من قبل القران الكريم، ومن قبل رسول الله(ص). فمادام الرسول(ص)قد أرجعنا إليهم وأمرنا بالأخذ بأقوالهم وأمرنا باتباعهم ونهانا عن مخالفتهم فلابد أن تكون أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم حجة من الناحية الشرعية؛ وإلا فكيف يأمرنا الله ويأمرنا رسول الله بالرجوع إلى جهة لا يكون أوامرها حجة؟ "إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي."(3)

فجعل العترة إلى جانب الكتاب. مما يعني أن أقوال عترة النبي(ص)وأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم سنة وحجة شرعية.

ومما وردنا عن أهل البيت عليهم السلام وأخذناه وتعبدنا به إحياء ذكر أهل البيت، وإحياء مناسباتهم. وهذه ليست عادة بشرية أو تقليداً اجتماعياً ابتكره الناس، وإنما هي مستنبطة ومأخوذة ومستوحاة من كلام أهل البيت عليهم السلام. فإحياء ذكر أهل البيت ومناسباتهم يعتبر بالنسبة لنا عملاً شرعياً نقوم به بدافع تعبدي.

روايات وأحاديث كثيرة عن أهل البيت صلوات الله عليهم تأمر بإحياء ذكرهم كهذا الحديث الذى تبركنا بذكرة. وهو مروي عن الفضيل ابن يسار، وهو عالم من العلماء الثقاة من مدرسة أهل البيت، عاصر الإمام الباقر(ع) وتتلمذ على يديه، وعاصر الإمام الصادق وتتلمذ على يديه، وكان الإمام الصادق(ع) إذا رأى الفضيل قد أقبل يقول:«بخ بخ بشر المخبتين أن الأرض لتأنس بفضيل بن يسار» الامام اذا راى فضيل بن يسار أيضا كان يقول «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» إلى فضيل ابن يسار وحينما توفي رحمة الله واخبر الامام الصادق بوفاته وتغسيله قال: "رحم الله فضيلاً لقد كان من أهل البيت" لاحظ مكانة، وشاهد موقعية هذا الرجل. يروى هذا الحديث بعدة طرق وعدة أسانيد.

يسأل الإمام الصادق   يا فضيل: «أتجلسون وتتحدثون؟ "قال: نعم، جعلت فداك، قال الإمام الصادق: «إن تلك المجالس أحبها".

يقول الإمام علي بن موسى الرضا  : «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(4)  يعني يوم القيامة. وعندنا في هذا المجال روايات كثيرة وعديدة.

أولاً: ما هو أمر أهل البيت؟

لا نحتاج لاجتهاد حتى نفسر هذه الكلمة، فإن أهل البيت أنفسهم فسروا لنا هذة الكلمة. يقول الهروي سمعت الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا  يقول:"أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. قلت: يا بن رسول الله وكيف يحيا أمركم؟ قال: أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا»(5)، هذا أمر أهل البيت، ولم يكن أمرهم المناصب والمواقع والكراسي، كلا بل أمر أهل البيت عليهم السلام هو الإسلام والرسالة الإسلامية، وكانوا يريدون إيصال رسالة الإسلام إلى الناس، هذه الرسالة التي جاءت على يد جدهم الاعظم محمد(ص)، وهم كانوا يتحملون مسؤولية توضيحها وتبيينها؛ لأن الفترة التي عاشها الرسول(ص) لم تكن كافية لكي تتضح كل التفاصيل وكل المعالم، بالإضافة إلى الأشياء التي تستجد في حياة الأمة، وقد استجدت في حياة المسلمين أمور كانوا يحتاجون من يعلمهم ويوضح لهم رؤية الإسلام وموقفه تجاهها، وكانت وظيفة أهل البيت تبيين وتوضيح رؤية الإسلام ورسالته على حقيقتها.

صارت هناك انحرافات وتشويهات بسبب أناس لم يكونوا مؤهلين لفهم أحكام الدين ولمعرفة مفاهيمه ممن تصدوا لتبيين الأحكام والإفتاء، وبعضهم كانوا مغرضين، إضافة إلى أن السلطات الأموية والعباسية أرادت أن تكيف الدين حسب أغراضها ومصالحها، نتج عن كل ذلك تشويه وتحريف في الدين. وكانت مسؤولية أهل البيت عليهم السلام إزالة التزوير والتزييف والتحريف، وتبيين الإسلام على حقيقته وواقعة.

إذن أمر أهل البيت هو الرسالة الإسلامية الخالصة النقية السليمة دون تحريف أو تزييف أو تزوير. وسلوك أهل البيت انعكاس للإسلام؛ لذلك الحديث عن سلوكهم حديث عن الإسلام لأن سلوكهم تجسيد للإسلام. فهم معصومون لا ينفكون عن القرآن "لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"(6) ، يعني لا تفترق المواقف، ولا يفترق سلوكهم عن أوامر القرآن.

وأهل البيت يريدون من أتباعهم وشيعتهم إحياء أمرهم «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا» وهو كما يقول الإمام: «يتعلم علومنا ويعلمها الناس»، وخاصة إذا علمنا أن هناك عوامل وأسباباً عديدة ترمي إلى التعتيم والكتمان، وتريد إماتة أمر أهل البيت وذكرهم. فإن السلطات المناوئة إلى أهل البيت من الأمويين العباسيين قد بذلوا كل جهودهم من أجل أن يمنعوا الناس ويفصلوهم عن أهل البيت، ويمنعوا وصول كلام أهل البيت إلى الناس.

كانت الرواية عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تكلف الإنسان حياته، والمرسوم الذي أصدره معاوية بن أبي سفيان واضح، فمن يروي أحاديث عن أمير المؤمنين(ع) يهدم بيته، ويقطع رزقه، ويتعرض للقتل والتصفية.

وهكذا السلطات التي توالت على الحكم وكانت مناوئة لأهل البيت كانت تسعى بكل قوتها وجهدها لمنع ظهور فكر أهل البيت.

وأهل البيت يجدون أنفسهم مسؤولون عن تبليغ الرسالة، إلا أن السلطة والوسائل الإعلامية والإمكانات المادية لم تكن متاحة لهم، ووسائل التبليغ كمنابر الجمعة والإفتاء والتدريس غالباً كانت بيد الآخرين، وإلى جانب كل ذلك كانت السلطات تحارب أهل البيت وتقف حائلاً دون توجيهات أهل البيت. فحال أهل البيت عليهم السلام أن يشقوا لهم طريقاً مناسباً لكي يقوموا بمسؤوليتهم ويوصلوا هذه الرسالة إلى الناس.

ما هو هذا الطريق؟

حملوا كل إنسان مؤمن المسؤولية في مساعدة أهل البيت في هذا الدور «رحم الله من أحيا أمرنا» فهم عليهم السلام يريدون أن يقولوا لدينا مهمة لكن لا ينستطيع القيام بها إلا بمساعدتكم، إلا بدوركم أنتم معنا. كل إنسان لابد أن يقوم بدور حتى نستطيع أن نؤدي هذه المهمة "رحم الله من أحيا أمرنا".

كيف نحيي أمر أهل البيت؟

إحياء أمر أهل البيت يكون في ثلاث دوائر: الدائرة الأولى: دائرة أتباع أهل البيت عليهم السلام. الدائرة الثانية:دائرة الأمة الإسلامية. الدائرة الثالثة: دائرة الإنسانية العامة. وفي هذه الدوائر الثلاث يجب أن يحيا أمر أهل البيت عليهم السلام.

الدائرة الأولى: أتباع أهل البيت: كيف يحيا أمر أهل البيت في وسط أتباعهم وشيعتهم؟

يحيا أمرهم بتوضيح تعاليمهم والدفع والتشجيع للاقتداء والأخذ بتعاليمهم؛ حتى لا يكون الاتباع مجرد اسم وانتماء اجتماعي. بل ليكون المشايع لأهل البيت والموالي لهم ملتزماً بما التزم به أهل البيت عليهم السلام سائراً في طريقهم. وهذا هو التشيع الحقيقي. يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  : «ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به ويستضيء بنور علمه»(7)

المطلوب هو الاقتداء. وشيعة أهل البيت حينما يحضرون مجالس أهل البيت ويحيون أمر أهل البيت في وسطهم هذا يعني أنهم يتشجعون ويتعهدون بالسير في طريق أهل البيت عليهم السلام وبالأخذ بتعاليم أهل البيت. يقول الإمام الصادق  : "ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه"(8) .

ويقول أيضاً: "إنما أنا إمام من أطاعني"(9)

وعندنا روايات كثيرة تؤكد أن التشيع ليس مجرد الاعتقاد أو المحبة القلبية، وإنما هو الالتزام السلوكي أيضا.

يقول الإمام الصادق  :"ليس من شيعتنا من يكون في مصر وفيه آلاف ويكون في المصر أورع منه"(10)

بعض الناس يعتقد باعتباره أنه من شيعة أهل البيت سيتساهل معه يوم القيامة، بعض الروايات تدل على عكس ذلك.

يقول الإمام الصادق  : "يا مفضل: القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا". الإنسان الموالي والمشايع لأهل البيت عليهم السلام عليه أن يعرف أن انتسابه إلى أهل البيت يحمله مسؤولية سلوكياً.

وعندنا روايات مفادها أن إمامنا صاحب العصر والزمان (عج) يطلع على أعمال الناس وعلى أعمال شيعته في كل يوم. فأي عمل تعمله أو تصرف تقوم به دع في بالك أن الإمام يراك ويشاهد ما تعمل. وهذا يحمل الإنسان الشيعي مسؤولية أعظم في سلوكه وفي حياته. فإحياء أمر أهل البيت في وسط أتباعهم وشيعتهم يكون بمعنى المزيد من الاقتداء والالتزام والاتباع لأهل البيت. ولذلك هذه المجالس حينما تحيى ونجتمع في فيها في هذه المناسبات لابد تكون دافعاً لنا للالتزام والتقيد بالدين وبأوامر أهل البيت.

الدائرة الثانية: الدائرة الاسلامية:

أهل البيت ليسوا حكراً على قبيلة اسمها قبيلة الشيعة، المسألة ليست قبلية. فلدى أهل البيت رسالة لكل المسلمين، وهم هداة لكل المسلمين. ولذلك يجب أن يصل فكرهم إلى كل المسلمين. فيجب أن يحيى ذكر أهل البيت وأمرهم في الدائرة الإسلامية العامة. أبناء الأمة الإسلامية ينبغي أن يعرفوا فكر أهل البيت.

ولذلك أكد الإمام الرضا: «أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس». لماذا؟ «فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا».

فإذا اتضحت سيرة أهل البيت للناس، وإذا انتشر فكرهم بين الناس حتى من غير أتباعهم والموالين لهم؛ فإنه يكون لهذا أثر كبير في استقطاب الناس إلى خط أهل البيت وإلى منهجهم.

وهذه التوعية بفكر أهل البيت عليهم ونشر سيرتهم ينبغي أن تكون بالأسلوب المناسب: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾(12) . ولذلك يقول مدرك الهزهاز قال لي الإمام الصادق: "أقرئ أصحابنا السلام ورحمة الله وبركاته، وقل لهم: رحم الله امرأً اجتر مودة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون."(13) ، استقطبوا مودة الناس إلى أهل البيت، وتخاطبوا مع الناس على قدر عقولهم، على قدر تقبلهم. ليس من الصحيح أن تتحدث مع الناس عن أشياء حينما يسمعونها ينفرون منها، أو يواجهونها بردة فعل، هذا خطأ. لا تحدث الناس بما ينكرون، حدثهم بما يعرفون يعني بما يمكن أن يقبلوه ويستوعبوه.

وفي رواية جميلة عن جابر الجعفي رضي الله عنه يقول:"دخلت على أبي جعفر(ع) وأنا شاب، فقال: من أنت؟ قلت: من أهل الكوفة جئتك لطلب العلم، فدفع لي كتاباً وقال لي: إن أنت حدثت به حتى تهلك بنو أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي. وإن أنت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بني أمية فعليك لعنتي ولعنة آبائي»(4)

وهذا يعني أنه لابد أن ترى الظرف المناسب لما تقوله عن أهل البيت، ولما تحدث به من أحاديث أهل البيت، فالإمام هو بنفسه دفع له هذا الكتاب لكنه قاله له: إن الظرف غير مناسب لهذه الأحاديث. لذلك على الإنسان يراعي الظرف المناسب، والمحيط المناسب، والكلام المناسب. فقد اشتهرت روايات عن الرسول  : "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم."(15)

ومن الخطأ أن يتحدث الإنسان في أي شيء سواء كان مناسباً أم غير مناسب، يفهمه الطرف المقابل أم لا يفهمه. قال الإمام الصادق: "كونوا زينا لنا ولا تكونوا شيناً علينا".

فينبغي للخطاب الديني لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ان يأخذ بالاعتبار هذا الجانب، حتى يقوم بدوره تجاه أهل بإيصال رسالته إلى كل المسلمين، فمن المؤسف أن الكثير من المسلمين لم يصلهم شيء من مدرسة أهل البيت. أين روايات أهل البيت؟! أين كتب أهل البيت؟! فنهج البلاغة لابد أن يصل لكل مسلم، وكذا الصحيفة السجادية. وينبغي أن تكون سيرة أهل البيت وحياتهم واضحةً لكل مسلم.

من يتحمل هذه المسئولية؟

أتباع أهل البيت هم الذين يتحملون هذه المسؤولية؛ فإن الشيعة السابقون ضحوا بنفوسهم وحياتهم، بدمائهم أموالهم حتى يحفظوا تراث أهل البيت وينقلوه للناس، ونحن مؤتمنون على هذا التراث، وهذه الخزائن من الثروة الهائلة، لا لأجل أن ندخرها ونبقيها ونكتبها، بل علينا مسؤولية إظهارها ليعلمها بها الناس، "فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا".

الدائرة الثالثة: الدائرة الإنسانية العامة:

العالم اليوم تسوده حالة الوعي، مما يساعد على استيعاب القيم والمفاهيم والمبادئ الإنسانية التي تنسجم مع فطرة الإنسان ومصلحته. وهذا الوقت مناسب جداً لعرض سيرة أهل البيت ومفاهيمهم. عن ماذا يتحدث الناس في العالم من القيم والمبادئ؟ إنهم يتحدثون عن حقوق الإنسان. وفي سيرة أهل البيت تتجلى وثائق عظيمة ورائعة عن حقوق الإنسان.

فقد كتب جورج جرداق وهو كاتب مسيحي قرابة خمس وثلاثين سنة كتاباً عن واحد من أئمة أهل البيت هو علي بن أبي طالب(ع)، تحت عنوان (علي وحقوق الإنسان) تجد في هذا الكتاب شيئاً يسيراً من سيرة الإمام وليس كل سيرته أو كلامه   في هذا المجال. ولو أن كلام أهل البيت وسيرتهم فيما يرتبط بحقوق الإنسان يبرز للعالم ويطرح أمام البشرية العالم من هم أهل البيت، ولعرفوا قيمة أهل البيت العالم.

كما يتحدث العالم اليوم عن الحرية والديمقراطية. اقرأ في مدرسة أهل البيت عليهم السلام وكلامهم تجد أروع المفاهيم والضوابط والمواقف والممارسات لاحترام الحرية.

وكذا تتحدث البشرية عن الحفاظ عن البيئة. اقرأ في مدرسة أهل البيت لترى كيف يعرضون هذا الأمر بالتفاصيل.

وفي الجملة لا تجد قضية من القضايا التي يتحدث عنها الإنسان اليوم وتهم الإنسان في العصر الحديث إلا وترى في مدرسة أهل البيت حول هذا الشيء الكثير.

والسؤال: من يستنبط؟ من ينشر؟ من يعلن للعالم عن هذه الأفكار والمبادئ والقيم؟

هذه هي مسؤوليتنا شيعة أهل البيت. ليست مسؤوليتنا فقط البكاء على أهل البيت، ومن الخطأ أن نتحدث فيما بيننا عن أهل البيت، بل ينبغي أن ننقل سيرة أهل البيت بصورة مناسبة للعالم.

امرأة مثقفة وكاتبة من اليابان مستعربة ترجمت كتاب (سيدات بيت النبوة) للمؤلفة المصرية المعروفة عائشة بنت الشاطئ، التي توفيت هذا العام، فأسلمت بعد أن ترجمت الفصل الخاص بسيرة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقد كتبت بنفسها عن ذلك، وتناقلت ذلك صحف القاهرة. وقد ذكرت جريدة الحياة هذا الموضوع هذه السنة عند حديثها عن وفاة بنت الشاطئ.

ومما قالته هذه الكاتبة: حينما كنت أترجم الفصل الخاص بالزهراء عليها السلام لم أكن أستطيع مغالبة دموعي، فكنت ترجم وأنا أبكي، وكنت أرى أن عاطفتي وفطرتي وضميري يتناغم مع ما أقرأه عن حياة فاطمة الزهراء.. فدخلت إلى الإسلام.

أسلمت لأنها قرأت فصلاً من كتاب يتحدث عن فاطمة الزهراء. فما عسى أن يكون لو سيرة أهل البيت عليهم السلام تعرض للعالم، وتعد الأفلام الموثقة عن سيرتهم، كم سيكون التأثر مدهشا وعظيما. إذ لاشك أن سيرة أهل البيت ومواقفهم وتعاليمهم إذا وضحت للعالم الذي لا يعيش حالة التشنجات والتعصبات المذهبية فينظرون إلى الحقيقة كما هي؛ لاشك أنه يتأثرون بأهل البيت عليهم السلام.

فمن المسؤول عن إيصال فكر أهل البيت للعالم؟ وعن نشر حياتهم للعالم؟

إن آباءنا وأجدادنا -جزاهم الله كل خير- يكدحون طوال حياتهم وعندما يمتلك أحدهم قطعة أرض أو نخل أو بيت يجعله وقفاً لأهل البيت عليهم السلام. لماذا يجعله وقفاً لأهل البيت؟ إنما فعل ذلك لأنه يجد نفسه معنيا ومسؤولا عن إحياء أمر أهل البيت ليس فقط في حياته بل حتى بعد مماته يجعله صدقة جارية. يقف الأوقاف لإحياء أمر أهل البيت، فهم كانوا متحملين لمسؤوليتهم، وكانوا يعملون وفق الظروف المتاحة لهم.

أن يجلس مائة شخص أو مائتان، ألف أو ألفان في حسينية ونتحدث عن أهل البيت، فهذا كان يمكن أن يسقط عنا المسؤولية تجاه أمر أهل البيت قبل قرن من الزمن، أما في هذا الزمن فإنه لا يسقط عنا المسؤولية، فلا تكفي هذه الأعداد تتحدث عن اهل البيت(ع9ء، بل البشرية كلها ينبغي أن تعيش ذكرى أهل البيت(ع)  .وذلك ممكن، لأن الوسائل متاحة والظروف مناسبة والإمكانيات موجودة. فالفكر موجود عند أهل البيت وشيعتهم، والإمكانيات موجودة عند أهل البيت، لكن تحمل المسؤولية غير موجود.

ولا يظن أحد أن المسؤولية تجاه مناسبات اهل البيت(ع) هي أن يقيم من لديه وقف مأتما لا يحضره إلا القليل من الناس، أو أن يعد الطعام وإن لم يجد من يأكله، بل المسؤولية هي: «رحم الله من أحيا أمرنا» و «لو علم الناس محاسن كلامنا لتبعونا» فنحن مسئولون عن تقديم فكر أهل البيت وسيرتهم للعالم. هذا واجب شرعي، وهو الذي يسبب العزة والقوة لنا.

ومن العيب ونحن نستند إلى هذا الفكر النير المشرق وسمعتنا مشوهة بسبب الدعايات ضد مذهبنا. وليس اللوم في ذلك على المناوئين لنا؛ لأن ذلك هو ما يتوقع من المناوئ، بل اللوم يلقى علينا: لماذا نترك الساحة فارغة أمامه يبثون سمومهم وينشرون دعاياتهم ونحن عندنا هذا الفكر النير المشرق، والحقائق الواضحة.

وليس بوسعنا أن نتعذر بعدم القدرة على العمل أو ماذا يمكننا أن نعمل، فالعالم مفتوح والوسائل متعددة. وليس العمل محصور في بلد من البلدان، بل أمامنا العالم بأسره. يجب أن نتحمل مسئوليتنا وأن نشعر بالخجل أمام أئمتنا لأن من يأتمون وينتسبون إلى غير أهل البيت ينشرون من خيالاتهم فضائل ومعاجز وكرامات، ونحن عندنا حقائق لماذا لا ننشرها.

وأيام عاشوراء و المناسبات الأخرى مواسم لإحياء أمر أهل البيت، وهذه المراسيم لم نبتدعها بل أهل البيت وضعوا أسسها وكلامهم وفعلهم حجة عندنا، وقد أمرونا بإحياء هذه المناسبات، ونحن ملزمون بالامتثال. لماذا؟  لأنها تخدم إحياء أمرهم "رحم الله من أحيا أمرنا".

الهوامش :

(1)بحار الأنوار، ج44، ص282، الحديث رقم 14.

(2)سورة النحل، الآية 44.

(3)بحار الأنوار، ج23، ص147، الحديث رقم 111.

(4)بحار الأنوار، ج1، ص199، الحديث رقم 3.

(5)بحار الأنوار، ج2، ص30، الحديث رقم13.

(6)بحار الأنوار، ج2، ص100، الحديث رقم 59.

(7)شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، ج16، ص205.

(8)بحار الأنوار، ج67، ص97، الحديث رقم 4.

(9)بحار الأنوار، ج2، ص80، الحديث رقم 76.

(10)بحار الأنوار، ج65، ص164، الحديث رقم 13.

(11)سورة التوبة، الآية 105.

(12)سورة النحل، الآية 125.

(13)  بحار الأنوار، ج2، ص65، الحديث رقم 4.

(14)بحار الأنوار، ج2، ص70، الحديث رقم 28.

(15)بحار الأنوار، ج1، ص85، الحديث رقم 7.

المصدر: موقع الشيخ حسن الصفار (بتصرف)