ماذا تعرف عن مقام الإمام المهدي (عج) في وادي السلام ؟

الثلاثاء 10 إبريل 2018 - 07:42 بتوقيت غرينتش
ماذا تعرف عن مقام الإمام المهدي (عج) في وادي السلام ؟

من المعلوم أن المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه ، يقع في وادي السلام ، فمن المحتمل أنّ عبور القائم عليه السلام المشار إليه ، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر عليه السلام في وادي السلام ..

أحمد علي مجيد الحلي

في مدينة النجف الأشرف آثار ذات غور عميق ونور ساطع ، فمن جسد أبينا آدم عليه السلام إلى جسد نبي الله نوح عليه السلام ثم إلى جسد الإمام علي عليه السلام. ثمّ تكون مقرّاً لمعزّ الأولياء عليهم السلام. في قلب وادي السلام ، وفي الجانب الغربي من النجف. هذا الوادي العريق ، إختار طاووس أهل الجنّة موطئاً له. فزاد المحل شرفاً على شرف. هذا الوادي الذي رُفع عن أهله عذاب البرزخ. كأن إمامهم أراد أن يشعر أهلُه بالأمان. فلسان حاله يقول : نحن معكم أينما كنتم.

الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى وجود مقام للإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام :

روي عن علي عليه السلام : كأنّي بالقائم قد عَبر من وادي السلام إلى مسيل السهلة ، على فرس محجل ، له شمراخ يزهر ، يدعو ويقول في دعائه : ( لا إله إلاّ أنت حقاً حقاً ، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً ، لا إله الاّ الله تعبّداً ورقّاً ، اللهمّ معزّ كلّ مؤمن وحيد ، ومذلّ كلّ جبار عنيد ، أنت كهفي حين تُعييني المذاهب ، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت ، اللهمّ خلقتني وكنت غنيّاً عن خلقي ، ولولا نصرك إيّاي لكنتُ من المغلوبين ، يا منشر الرحمة من مواضعها ، ومخرج البركات من معادنها ، ويا من خصَّ نفسه بشموخ الرّفعة ، فأولياؤه بعزِّهِ يتعزّزون ، يا من وضعت لهُ الملوك نير المذلّة على أعناقها ، فهم من سطوته خائفون ، أسألك باسمك الذي فطرتَ به خلقك فكلٌ لك مُذعنون ، اسألك أن تُصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تنجز لي أمري ، وتعجّل لي في الفرج ، وتكفيني وتعافيني ، وتقضي حوائجي الساعة الساعة ، الليلة الليلة ، إنّك على كُل شيء قدير ).

أقول : من المعلوم أن المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه ، يقع في وادي السلام ، فمن المحتمل أنّ عبور القائم عليه السلام المشار إليه ، وقراءته الدعاء السالف الذكر إذا ظهر عليه السلام في وادي السلام ـ على قول أمير المؤمنين عليه السلام ـ يكون من هذا المقام الشريف ، لما سيأتي من أنّ هذا المقام هو موضع منبره عليه السلام.

الإمام الصادق عليه السلام يشير الى المقام :

يشير الإمام الصادق عليه السلام ( ت ١٤٨هـ ) إلى وجود مقام للإمام المهدي عليه السلام في أرض النجف ويسميه( موضع منبر القائم عليه السلام ).

الحديث الأول : عن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمرّ بظهر الكوفة ، فنزل فصلّى ركعتين ، ثمّ سار قليلاً فصلّى ركعتين ، ثم سار قليلاً فنزل فصلّى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام. قلت : جُعلت فداك والموضعان اللذين صلّيت بهما! قال : موضع رأس الحسين ، وموضع منبر القائم.

وجاء الحديث الثاني عن أبي الفرج السندي والثالث مروياً عن مبارك الخباز والرابع ذكره السيد حسين البراقي عن الكليني بنفس المضمون باختلاف بسيط في العبارة.

وإذا تأمّلنا في فقرات الحديث يتبيّن لنا ما يلي :

١ـ أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتنقّل من موضع لآخر ، فلا يظنّ المرء أنّ المكان كان واحداً.

٢ـ أن الإمام الصادق عليه السلام جاء راكباً وتنقّل بين المواضع راكباً مرّة وراجلاً أخرى ( ويدل على هذا القول على ما في الحديث من كلمات تدلّ على ركوبه ، كسار ، ونزل ).

وموضع منبر القائم عليه السلام من المواضع الثلاثة التي صلّى فيها الإمام الصادق عليه السلام وهو عين المقام الذي نحن بصدد البحث عن تأريخه. ومن الوجوه التي تعزّز القول بأنّ هذا المقام هو مقام صاحب العصر والزمان عليه السلام:

الوجه الأوّل : صلاة الإمام الصادق عليه السلام في هذا المكان ، وسوف نثبتها فيما بعد ، ويدلّ عليها وجود مقام منسوب للإمام الصادق عليه السلام في نفس تلك البقعة في وادي السلام ، وهذا أدلّ دليل على موضع منبر القائم عليه السلام ، إذ أن هذا الموضع نشأ بقول الإمام الصادق عليه السلام أثناء صلاتهِ في أرض النجف.

الوجه الثاني : أن موضع منبر القائم عليه السلام الذي صلّى فيه الإمام الصادق عليه السلام هو غير مقامه عليه السلام في مسجد السهلة ، ولقد اشتبه هذا الأمر على الشيخ يونس الجبعي العاملي في مزاره. إذ أن الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام في فضل الصلاة في مسجد السهلة وإتيانه أنه قال : يا أبا محمد ـ يشير إلى أبي بصير الراوي للحديث ـ كأنّي أرى نزول القائم في مسجد السهلة بأهله وعياله ، قلت : يكون منزله؟ قال : نعم.

وفي رواية أنهُ بيت ماله ومنه يُقسم فيء المسلمين إذا ظهر عليه السلام.

وبعد التمعّن في الأحاديث التي تخصّ الإمام المهدي عليه السلام ، لم يرد حديث واحد ينصّ على أن موضع منبر القائم عليه السلام في مسجد السهلة ، خصوصاً إذا ما عرفنا أن مقام الإمام المهدي عليه السلام في وادي السلام هو أقدم بكثير من مقامه عليه السلام الواقع في مسجد السهلة الذي تأسس على يد السيد محمد مهدي بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ هـ. ) ، إذ لم يُعهد قبل السيد بحر العلوم مقام للإمام المهدي عليه السلام في مسجد السهلة ، ومن الأمور التي لا بُد أن تُعرف أيضاً قُرب هذا المقام من موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، إذ يقرب عنه بحوالي ٦۰۰ متر أو أكثر بقليل ، ومسجد السهلة يبعد عن قبر أمير المؤمنين بحوالي ٩كم ، والإمام الصادق عليه السلام في الرواية سار قليلاً وصلّى في مكان قريب من قبر أمير المؤمنين عليه السلام.

الوجه الثالث : أننا لا نعرف مقاماً مشهوراً للإمام المهدي عليه السلام في بلدتنا النجف الأشرف سوى هذا المقام المنيف القديم المعتبر الذي يتوافد عليه أساطين علمائنا من كلّ حدبٍ وصوب دون مُنكِرٍ له ، والمقام قد ذُكر أيضاً في كتب علمائنا الإمامية دون مكذّبٍ لنسبته للإمام المهدي عليه السلام أو الإمام الصادق عليه السلام.

الوجه الرابع : إعتماد العلاّمة الحجة المتتبع الخبير السيد محمد مهدي بحر العلوم قدس سره ، فإنّه شاد في المحلّ نفسه عمارة فخمة وأقام عليها قبّة من الجص والحجارة.

الوجه الخامس : قال السيد محمد مهدي القزويني ت ١٣۰۰ هـ في كتابه <فلك النجاة> أن منبر الصاحب يقع في وادي السلام.

وإذا ثبت لدينا من خلال الوجوه الخمسة السابقة الذكر أنّ هذا المقام هو موضع منبر القائم عليه السلام ، ثبت لدينا صحّة نسبة هذا المقام للإمام الصادق عليه السلام بإعتبار أنّ مقام الإمام المهدي عليه السلام نشأ من صلاة جدّه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في هذا الموضع.

وقد رُوي عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام إنه قال : إذا دخل المهدي عليه السلام الكوفة قال الناس : يا ابن رسول الله إن الصلاة خلفك تضاهي الصلاة خلف رسول الله ، وهذا المسجد لا يسعنا ، فيخرج إلى الغرّي ، فيخطّ مسجداً له ألف باب يسع الناس.. ).

فيحتمل أن موضع منبره عليه السلام الواقع في وادي السلام ـ كما أثبتناه ـ يكون ضمن هذا المسجد الذي يبنيه في أرض الغري ( النجف ) إذا ظهر صلوات الله عليه وعلى آبائه أجمعين.

الوجه السادس : ماذكرهُ الشيخ كاظم الحلفي في كتابه ( أضواء على تاريخ النجف ).

قال : وفي عام ( ١٣٧ هـ ) جاء الإمام الصادق عليه السلام إلى الحيرة ، حيث طلبهُ المنصور ، فسكن النجف في وادي السلام ، ( وقال بهامش كتابه هذا : ولا يزال الموضع الذي سكنهُ معلوماً حتّى الآن يُزار ويتبرّك به ) وطلب من الشيعة الهجرة إلى جوار مشهد جدّه أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم تمضِ الاّ سنوات قليلة ، حتّى أصبحت حولهُ قرية يُشار إليها بالبنان ، كما جاء في تاريخ الطبري في حوادث ( ١٤٤هـ ) ، كما شاهدها عبد الله بن الحسن ومن معه عندما جيء بهم إلى سجن المنصور في الهاشميات عام١٤٥ هـ. وقد طلب عبد الله من أهلها نصرته وتخليصه من المنصور كما نصّ على ذلك الطبري وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين.

الوجه السابع : عمارة المقام الماثلة الآن ، وهي من سنة ١٣۰٨ هـ إلى عامنا هذا باقية لهذا التاريخ ( على ما وجدناه مكتوباً على القبّة ) ، وقد احتوت هذه العمارة على مقامين ، مقامٍ للإمام الصادق عليه السلام وبجواره وبنفس البقعة مقام الإمام المهدي عليه السلام. وبالتأكيد فإنّ طريقة بنائهما على هذا النحو ( أعني مقامين في بقعة واحدة ) على ما وُجد في العمارة السابقة ، وهي عمارة السيد بحر العلوم قدس سره ، والسيد بحر العلوم بنى عمارته لهذا المقام على نحو ما وجدهُ في العمارة السابقة لعمارته ، والتي وصفها العلاّمة المجلسي في بحاره ( بأنّ للمقام بيتاً ومحراباً وصحناً ) وهكذا وصلت إلينا عمارة المقام بنحو مقامين في بقعة واحدة ، يداً عن يد ، وصاغراً عن كابر.

الوجه الثامن : شدّة اعتناء الإمام المهدي عليه السلام بهذا المقام ، إذ شوهد أكثر من مرّة وهو يصلّي ويدعو ويتضرّع في هذا الموضع على ما رواه المجلسي قدس سره ، ومرة ثانية في عصر السيد أبو الحسن الإصفهاني قدس سره، إذ تشرف هذا السيد بلقائه في هذا المقام على ما سنذكرهُ في محله.

الوجه التاسع : أنّ وجود هذا المقام جاء من احترام رواة الشيعة وثقاتهم ( الذين رافقوا إمامهم الصادق عليه السلام ) لهذا المكان ، وخصوصاً بعد ماعرفوا أن إمامهم الصادق عليه السلام صلى ركعتين فيه ، وبأنّهُ موضع منبر القائم ، ووصل إلينا بالتلقّي المتسالَم عليه يداً عن يد من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، إذ تردّد على هذا الموضع الإمام الصادق عليه السلام ، فكان في كلّ مرة يصطحب من عُلية أصحابه ، فأخذ عنهم رضوان الله عليهم ، فتبعهم الشيعة الإمامية خلفاً عن سلف ، فهل يُعقل أنّ ذِكر المقام يضيع ، وبالخصوص مع إشارة الإمام عليه السلام لهم بمنزلة هذا المكان وعلوّه ، فظهر واشتهر كما اشتهر موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام في النجف ، وموضع رأس الحسين عليه السلام في مسجد الحنّانة ،فبعد هذه الوجوه التسعة لم يبق لدينا أدنى شكّ في صحّة انتساب هذا المقام للإمام الصادق عليه السلام في وادي السلام وهو موضع منبر القائم عليه السلام كما أشار إليه الإمام عليه السلام أثناء تواجده فيه.