محمد باقر الصدر.. مشكلة وحلّ!

السبت 7 إبريل 2018 - 18:03 بتوقيت غرينتش
محمد باقر الصدر.. مشكلة وحلّ!

الحديث عن الإمام الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) والذي يتكرر كل عام في ذكرى استشهاده وأخته العلوية الفاضلة، آمنة حيدر الصدر (بنت الهدى) المربية والكاتبة التي لم يعثر الى الآن على قبر لها كجدتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها...

علاء الرضائي

محمد باقر الصدر، بحر واسع من المعارف يصعب أن تستشرف جميع أبعاده، وجرح نازف لا يقبل الضماد لعمقه.. محمد باقر الصدر قتل أكثر من مرّة على يد أعدائه ومحبيه، بل هو يقتل كل يوم في واقعنا، لكنه لا يزال حياً، لأنه من جنس الخالدين.

الحديث عن الإمام الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) والذي يتكرر كل عام في ذكرى استشهاده وأخته العلوية الفاضلة، آمنة حيدر الصدر (بنت الهدى) المربية والكاتبة التي لم يعثر الى الآن على قبر لها كجدتها فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).. تحول وللأسف الشديد الى نمطية، لعل الشهيد الصدر كان أول من حاربها وقد يكون في أغلب الاحيان اظهار الفضل والعلم والانتساب من ورائها! في حين أن الصدر مشروع يحتاج الى افكار لتطوير ما بدأه وكفاءات تطبقه على الأرض.

محمد باقر الصدر، والذي أعتقد أنه كان نتاج حقبة فكرية وسياسية مزدهرة ومتزاحمة بالاعلام والاشخاص، حقبة شهدت ذروة الأفكار الليبرالية والاشتراكية والقومية وحتى الإسلامية، وتحولها الى مناهج ومؤسسات وأنظمة حكم، مما ترك أثراً كبيراً على شكل ومضمون التحرك الاسلامي في كل البلدان الاسلامية ومنها العراق.. تلك الحقبة التي شهدت ظهور أفذاذ كالامام الخميني والشهيد الصدر والامام موسى الصدر والشهيد مطهري والعلامة الطباطبائي والشيخ الوائلي وسيد قطب ومحمد الغزالي وآخرون، تمكنوا من إخراج الفكر الديني من إطاره التقليدي ومساحاته الضيقة، أي الحوزة ومجتمعات المتدينين التي بدأت تنحسر أكثر مع الهجمة الاستعمارية والفكرية العلمانية، الى فضائه الطبيعي ليشمل كل ابناء المجتمع والمنطقة والعالم، وليتحول من ممارسة طقوسية وعبادة فردية الى منظومة اجتماعية ومنهجية تحررية.

نعم.. محمد باقر الصدر كان نتاجا لتلك الحقبة المهمة بكل ما فيها من أفكار ومواقف ومحن ونكبات.. وهذا ـ بالطبع ـ لا يقلل شأن وشخصية إمامنا الشهيد، بدليل ان تلك الحقبة كم خميني وصدر ومطهري وقطب وشريعتي أنتجت لنا..؟

محمد باقر الصدر وعند قدومه الى النجف كان يؤمن بأعلمية السيد الخوئي رحمه الله، في حين كان شقيق زوجته وزميله السيد موسى الصدر يؤمن بأعلمية السيد الداماد وهو من اعلام حوزتي قم والنجف.. يقال عندما هم السيد موسى بمغادرة النجف الى لبنان سأله الشهيد الصدر هل لازلت على رأيك في الأعلمية، فأجابه السيد موسى: الآن أؤمن بأنك (محمد باقر الصدر) الأعلم.. وكان الشهيد الصدر حينها في أواسط العقد الثالث من عمره.

ولن أتحدث عن نظرياته الأصولية وآرائه الفقهية وحلوله الفلسفية، لأن هناك من أهل الاختصاص من أشبعها بحثاً ونقداً خلال 35 سنة مرّت على استشهاده.. لا عن حله لمشكلة الاستقراء وقيمته المعرفية ولا البنوك الربوية ولا العقيدة في المهدي ولا الدعاء ولا نظرته الى المشكلة الاقتصادية ولا كتابته لاسس التحرك الاسلامي في العراق ولا نظرية خلافة الامة وشهادة الانبياء وغيرها مما زخرت به سنين عمره الشريف التي لم تتجاوز الـ 47 عاماً.. قلت أن هناك من تحدث عنها بالتفصيل وبنحو علمي، لكن يوجد برأيي ما هو أهم من ذلك حالياً وعند قراءتنا للأمام الشهيد الصدر.. فهو اليوم العلاج والحلّ لعقدنا الفكرية والعلمية والاخلاقية والسلوكية، وأهم ما في محمد باقر الصدر أنه أخرج الفكر الاسلامي من قوقعته الى رحاب الحياة، حول المفاهيم المجردة الى ممارسة اجتماعية، طبق المبدأ على نفسه قبل أن يدعو الآخرين اليه.

 محمد باقر الصدر لم يتقيد بمناطقية ولا مذهبية ولا حزبية، فهو لاتباع عمر كما لاتباع علي عليه السلام وبقدر ما هم مع الاسلام، ومع العراق وايران والكويت وغيرها على حدّ سواء.. كسر طوق الصمت السياسي الذي كان مفروضاً في الحوزات وتحمل في ذلك ما تحمل، حارب مبدأ الفصل بين الدين والدولة الذي كان بعض "المتدينين" أشد المقاتلين دفاعاً عنه، حتى أشد من فرسان العلمنة واصحاب السلطة.. وبعضهم الى الآن يصّر عليه رغم أنهم أعظم المستفيدين من أسلمة الدولة ونظام الحكم!

نعم.. محمد باقر الصدر قتل أكثر من مرّة ولازال يقتل.. قتل بمحاربته من قبل التقليديين قبل أن يعدم جسده نظام البعث المجرم، وقتل على يد بعض من انتسب اليه، لأنهم تركوا سيرته في الزهد والتواضع والعطاء الدائم دون مقابل، فأصبح لكل واحد منهم أمبراطوريته ومؤسساته الشخصية..

محمد باقر الصدر، فكرة وسلوك ضد الأنا وكل من يدعي الانتساب اليه ويقدم نفسه على مصلحة دينه ومذهبه ووطنه فهو غير صادق في دعواه.

محمد باقر الصدر يقتل اليوم بالطائفية وبالمحاصصة وبالاستئثار بالسلطة وبكنز الأموال وبالاحترابات الحزبية والسياسية والأسرية، والتي يشارك فيها للأسف بعض من يدعي الانتماء اليه فكراً وروحاً.. لذلك قلت ان محمد باقر الصدر أصبح مشكلة بالنسبة لنا، والسبب ليس في محمد باقر الصدر، بل لابتعادنا عنه فكراً وسلوكاً، بالضبط – طبعا بلا تشبيه- كما أصبح علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) فتنة ومشكلة لأتباعه واعدائه على حدّ سواء.. مع محمد باقر الصدر لن نتقاتل كاحزاب واسر وجماعات لأن هناك مظلة تجمعنا كلنا هي المرجعية الرشيدة، ومع محمد باقر الصدر لن يكون هناك ثراء على حساب الفقراء لأن المشكلة الاقتصادية لديه هي سوء التوزيع، ومع محمد باقر الصدر لا وجود للمحاصصة لأنه مع السني والشيعي والعربي والكردي و...الخ على نفس المسافة وبقدر ماهم مع الاسلام والفطرة الانسانية..

ومع محمد باقر الصدر لن يكون الحاكم في منطقة خضراء والشعب في بيوت من الصفيح وانعدام الخدمات، لأن محمد باقر الصدر وهو الزعيم الديني والفكري والسياسي كان يسكن في مقبرة!

ومع محمد باقر الصدر لن تجد انصاف الحلول ولا الغاية تبرر الوسيلة، لأنه صلب مقاوم لا يتنازل عن مبادئه مهما كلف الأمر وحتى لو كان الثمن دمه.. ومع محمد باقر الصدر لامعنى للاسلام في حلقات ضيقة وبين طيات كتب لا يزال النزاع يدور حول حلّ طلاسمها اللغوية!

ومع كل ما ذكرناه، أليس محمد باقر الصدر مشكلة لابد ان نتخلص منها، إما بمحو ذكره ـ وهذا مستحيل ـ وإما بالالتصاق به فكراً وسلوكاً، وهذا يتطلب عملاً فكرياً وثقافياً وحركياً، لم نقم به الى الآن، بالعكس انغمسنا في طائفيتنا وتقليديتنا وبدل ان نغير الواقع الذي فرض علينا كما غيره الصدر، انجرف العديد منا معه...

ولكي لا نبخس أحباء الصدر وأنصاره حقهم ، فإن بعض تلامذته لايزالون يمثلون فكره وسلوكه، بل ان الجمهورية الاسلامية في ايران كانت المستفيد الاكبر من نتاجه، من خلال الاستفادة من أبرز طلابه في مواقع حساسة ومفصلية في الدولة وفي مختلف المجالات.. ولازلت اتذكر حديثاً لي مع واحد من ابرز المنظرين الاستراتيجيين في ايران اواسط تسعينيات القرن الماضي، عندما قال: إننا بحاجة الى شخص كمحمد باقر الصدر.

أجل، نموذج محمد باقر الصدر وفكر محمد باقر الصدر وسلوك محمد باقر الصدر، هو المشكلة وهو الحلّ في الوقت ذاته!