محبّة أهل البيت(ع)و سباب الآخرين!

الجمعة 6 إبريل 2018 - 11:42 بتوقيت غرينتش
محبّة أهل البيت(ع)و سباب الآخرين!

وللخواجة نصير الدين الطوسي في الحب كلامٌ رائع، لا يُمحى من الذاكرة مع مرور الزّمن حيث قال: ...

السيد عباس نورالدين

ليست محبّة أهل البيت عليهم السلام أمرًا مغايرًا لأي حبّ نشعر به أو نعيشه تجاه أي شخص، لكنّها درجة عالية من المحبّة لأنّها محبّة متحرّرة من جميع قيود الأنا والشهوة والمصلحة الشخصيّة.
وأعظم ما في الحبّ هو أنّه يحرّر الإنسان من نفسه، فيقدر على الشعور بالمحبوب بعيدًا عن المنافع الشخصيّة والأهواء الإنيّة. فإذا تمسّك صاحبه بهذا التحرّر، فسوف يستولي الحب على كيانه ويطهّره ممّا بقي فيه من أشكال العلائق والعوائق.
وللخواجة نصير الدين الطوسي في الحب كلامٌ رائع، لا يُمحى من الذاكرة مع مرور الزّمن حيث قال: "والحبّ النفساني (أي الروحاني غير الجسماني) يكون مبدأه مشاكلة العاشق لنفس المعشوق في الجوهر، وهو يجعل النفس ليّنة شيّقة ذات وجد ورقة".
أجل، إن الحبّ إكسير يحطّم قسوة النفس وحدّتها، فتصبح مستعدّة لإدراك اللطف والرقّة والرّحمة والجمال والعذوبة في أصعب الأشياء وأكثرها كراهة. فمن كان نهجه الحب سيقول لحواريّيه: "ولكن ما أشد بياض أسنانه"، حين استبشعوا منظر جيفة الحمار.
أجل، للحب بعدٌ آخر هو بعد التبرّي والتنفّر من عدوّ المحبوب ونقيضه. لكن هذا البعد لا ينفصل عن البعد الأوّل، الذي يمكن أن نعبّر عنه بالذّكاء العاطفيّ. فمن شأن الحب العميق الصّافي القويّ الهادر أن يظهر على المحبّ بصورة حبّ الكائنات والعطف عليهم والسّعي الحثيث لهدايتهم وإيصال الخير إليهم، وعدم الإساءة إلى رموزهم المقدّسة المحبوبة، خصوصًا إذا كانوا يرونها في إطار الخير والصلاح والتقوى والعظمة.
إن حبّ أهل البيت عليهم السلام إذا حلّ في قلب عبدٍ طاهرٍ نقيّ سيتفجّر بصورة ينابيع الرّحمة والإحسان والإحاطة والأبوّة، ولا يمكن أن يكون مجرّد تبرّؤ ومعاداة وخُطب ناريّة وشتائم وسباب وتهجّم. فالبعد الأوّل سيهيمن على البعد الثاني ويؤطّره ويروّضه ويوجّهه تحت قياد العقل. لأنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام هو حبّ لكل ما يمثّلونه ولكلّ ما يدعون إليه.
وهل هناك من هو أشدّ شفقة على المسلمين منهم عليهم السلام. وهم الذين قدّموا الغالي والنفيس من أجل هداية المسلمين وإخراجهم من براثن الطواغيت والظلمة! وهل يمكن جلب قلوب المسلمين إلى الحقّ والهداية من خلال سبّ رموزهم ومقدّساتهم؟!
فما أبعده من محبّ إن كان صادقًا في حبّه. وإنّني أشك بوجود حتى قطرة واحدة من حبّ أهل البيت في قلب من لا يكون شديد الحرص على المسلمين. فكيف إذا كان ممّن يسب ويشتم ويتعرّض لرموزهم الكبرى؟!
لقد شاهدنا بأمّ العين أمثال هؤلاء المدّعين وسمعنا خطاباتهم الناريّة وتهجّماتهم تحت عنوان الدّفاع عن أهل البيت عليهم السلام، لكنّنا حين اقتربنا منهم بحثنا عن أي إشارة للذّكاء العاطفيّ فلم نجده. فرأيناهم أعجز عن أن يحبّونا، نحن الذي نذوب عشقًا وشوقًا إلى أهل البيت عليهم السلام، أو يحبّوا شيعتهم ومواليهم أو حتّى تلامذتهم ومريديهم.
ولكن بالنسبة لمن يفهم هذه المحبّة، ولم يعرف منها سوى التبرّي والبغض للآخر، يصعب عليه أن يكتشف هذه الحقيقة البسيطة البيّنة.
أجل، لقد شاعت ثقافة "محبّةً لأهل البيت" هي أبعد ما تكون عن الحبّ الواقعيّ، فتلقّفتها أيدي أعدائهم وحوّلتها إلى أداة خطرة لتدمير العش الذي بنوه بأعظم التضحيات. وصار شعار هذه الفئة السطحيّة الساذجة، التي فقدت معاني عطف الأبوّة وحنان الأمومة، محاربة من يدعو بدعوة الإمام الصّادق عليه السلام حين قال في رسالته المشهورة لشيعته:
"
وعليكم بحبّ المساكين المسلمين، فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم فقد زلّ عن دين الله والله له حاقرٌ ماقت؛ وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله "أمرني ربّي بحب المساكين المسلمين". واعلموا أنّ من حقّر أحدًا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشدّ مقتًا. فاتّقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإنّ لهم عليكم حقّا أن تحبّوهم؛ فإنّ الله أمر رسوله (ص) بحبّهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبّه فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين."
وقال عليه السلام في الرسالة نفسها التي نقلها الكليني في روضته: "وإيّاكم وسبّ أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبّوا الله عدوًّا بغير علم. وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم لله كيف هو؟
إنّه من سبّ أولياء الله فقد انتهك سبّ الله،* ومن أظلمُ عند الله ممن استسبّ** لله ولأولياء الله؟ فمهلا مهلا.. فاتّبعوا أمر الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله."

*انتهك سبّ الله: أي انتهك حرمة الله بجعل الآخر يسبّ الله تعالى ـ نعوذ بالله.
** استسبّ: أي جلب المسبّة لأولياء الله تعالى حين سبّ أعداءهم.

المصدر: موقع إسلامنا