الشيخ محمد صنقور
قد يتساءل البعض عن سبب نزول سورة التوبة بدون بسملة؟ وهل يصحُّ قراءتها بالبسملة سواءً من أولِها أو من وسطها؟
و في الجواب عن هذا التساؤل نقول:
ورد في مجمع البيان للطبرسي عن عليٍّ (ع) أنَّ منشأ عدم تصدير سورة براءة بالبسملة هو أنَّ بسم الله للأمان والرحمة ونزلت براءة لدفع الأمان بالسيف(1).
وثمة قولٌ آخر نُسب إلى أُبي بن كعب وهو أنَّ سورة براءة وإنْ كانت سورةً مستقلَّةً إلا أنَّها ضُمَّت إلى سورة الأنفال بالمقاربة فكانتا كسورةٍ واحدة، لأنَّ سورة الأنفال كانت في ذكر العهود وسورة براءة في رفع العهود(2).
وروى العياشي في تفسيره ما يصلح أن يكون منشأً لعدم تصدير سورة براءة بالبسملة، روى عن أحد الصادقين (ع) قال: (الأنفال وسورة براءة واحدة)، وروى ذلك الطبرسي في مجمع البيان عن أبي عبدالله (ع) قال: (الأنفال والبراءة واحد)(3).
والمناشيء الثلاثة تشترك في انَّ البسملة ليست جزءً من سورة براءة وهذا هو المتسالَم عليه بين المسلمين، غايته انَّ الاختلاف وقع في منشأ عدم تصديرِها بالبسملة.
على انَّ هذه المناشيء ليست متنافيه فلعلَّها جميعًا كانت سببًا لعدم تصدير سورةِ براءةٍ بالبسملة.
وأما ما روي عن ابن عباس انَّه قال لعثمان ما حملكم انْ عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم..
فقال عثمان : كان رسولُ الله (ص) ممَّا ياتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان اذا نزل عليه الشيءُ دعا بعض مَن كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً وكانت قصَّتُها شبيهةً بقصَّتِها فظننتُ انَّها منها، فقُبض رسول الله (ص) ولم يُبيِّن لنا أنَّها منها، فمن أجل ذلك قرنتُ بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم(4).
فهذا الذي أفاده ابنُ عباس عن عثمان يؤكِّد انَّ البسملة لم تكن جزءً من سورة براءة غايته انَّ عثمان لم يكن يعلم منشأ عدم جزءيَّتِها لسورة براءة هل لانَّها مُلحقةٌ بالأنفال كما كان يفعلُ رسول الله (ص) بإلحاق آيات متأخِّرة في النزول ببعض السور أو انَّها سورةٌ مستقلَّة ولكن لم تنزل معها البسملة.
فما يعلمُه عثمان انَّ الرسول(ص) لم يأمرْ بوضع البسملة في صدر "براءة" كما هو ظاهرُ كلامه.
وأما حكم قراءة البسملة في بداية التلاوة لسورة براءة فيجوز لو كانت قراءتها بقصد التبرُّك لا بقصد الجزئيَّة للسورة.
وهكذا لو كانت القراءةُ مِن وسط السورة أو مِن أواخرها.
الهوامش:
1- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص7، وروى ذلك في المستدرك- الحاكم النيسابوري- بسنده عن ابن عباس انه سمع عليَّ بن ابي طالب يقول ذلك ج2 ص330.
2-تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص6، تفسير العز بن عبد السلام- عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي- إلا انه لم ينسب القول إلى أحد ج2 ص5.
3-تفسير العياشي- محمد بن مسعود العياشي- ج2 ص73، تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج5 ص6.
4- المستدرك- الحاكم النيسابوري- ج2 ص221، مسند احمد- احمد بن حنبل- ج1 ص57، معرفة السنن والآثار- البيهقي- ج1 ص517.