العراقيون عند سقوط المقبور.. رؤية من الخارج

الأربعاء 4 إبريل 2018 - 09:45 بتوقيت غرينتش
العراقيون عند سقوط المقبور.. رؤية من الخارج

مقالات ـ خاص الكوثر: لم أكن أريد الكتابة حول الإنتخابات البرلمانية الحالية والسبب واضح أن هناك ملاحظات - لديّ - على جميع القوائم والكتل والتحالفات.. ولأني وللأسف الشديد مصاب بنوع من الإحباط فلا الصديق يأخذ العبر والدروس من إخفاقاته ولا الغريم عاقل ونزيه وملتزم بشعاراته.. حالة من الفوضى غريبة في العراق اليوم.

لكن ما جعلني أمسك بالقلم مّرة أخرى، هو للأسف السبات الذي يغط به البعض من "جماعتنا" أي المكون الأبرز في الساحة العراقية، وحجم التناكف السياسي الذي سينتهي بهم جميعاً إلى الضياع، وبالطبع ستكون حصة "ولد الخايبة" حصة الأسد من هذا الضياع، فالقائد والزعيم دونه دماء انصاره والبعض ستراه حيث حول امواله خارج البلد..

شعارات في السماوة وأخرى في أحد ملاعب  الكرة تمجد بالبعث الذي لم يره هؤلاء الصبية ولم يعيشوا تحت "رحمته"، لكنهم فتحوا أعينهم على الشرقية والبغدادية وهي تصور العهد البائد وكأنه كان جنّة وحلم لايزال يعيشه من "إلتذّ" بذلك الزمن الذي يصفونه بالجميل ولا ادري باي جماله يتغنون!.

هؤلاء الشباب الذين تتكرر على مسامعهم دائما عبارة "أفيّة على أيام صدام!!" والتي يرددها أناس لم يكن بأستطاعتهم مواجهة شرطي فضلاً عن رجل أمن، ولم تشبع بطونهم بوجبة طعام وكان شراء حذاء جديد حلما روادهم لسنوات، و"اللحمة" كما ينطقها المصريون كانت كهلال رمضان بالنسبة لموائد الكثيرين، وقائمة الحرمان طويلة لا اريد ان اعيد "قوانتها!"... وهم اليوم يسبون من شاءوا وينتقدون من شاءوا وحتى يقتلون من شاءوا!!.

يجوبون العالم من دولة إلى أخرى إيفاداً وسياحة، ويركبون سيارات لم يكن يحلم بها أصحاب البرازيلي التي إذا تحطمت أحدى زجاجاتها الجانبية، وضعت مكانها قطعة كرتون!!

وإليكم ما كتبته من قبل فترة ولم أنشره تحت وطأة دعوات تحريم الإنتخابات وارتفاع منسوبات التذمر الممنهج والذي يتم تغذيته من مصادر معروفة كل هدفها اليوم اعادة انتاج البعث السعودي والاماراتي هذه المرة!!

العراقيون عند سقوط المقبور.. رؤية من الخارج:

لن أكون قاسياً مع أخوتنا وأهلنا وأحبتنا في العراق، لأننا في هذه المصارحة لن نخسر منفعة مادية، كما لن نربح شيئاً إذا فاز فلان أو علان من أحزابنا وشخصياتنا الإسلامية المعروفة على الساحة.. فنحن والحمد لله خارج التغطية كما يقول أهل الاعلام.. فقط لبيان الحقيقة وإيضاح الصورة التي للأسف بدأت تغيب عن أذهان كثير من العراقيين ـ خاصة الشباب ـ بعد 15 عاماً على سقوط المقبور.

سوف أقدم صورة العراقي عند سقوط المقبور، لكي يعرف الذين نسوا حقيقة الموقف ويدركوا جيداً الدعوات الباطلة التي يرددها البعض كالببغاوات دون تأمل فيها وأهداف من يصدرها والحسابات الوهمية التي تديرها، وكأنه كان يركب الجكسارة والجارجر والمونيكا وغيرها من السيارات الحديثة التي لا اعرف اسماءها وقد ملات شوارع العراق حتى اصبحت تاكسيات، منذ عقود من الزمن.. أو أنه كان يسافر في عهد المقبور إلى أين ما يشاء متى ما أراد والـ 400 ألف دينار (رسوم الخروج) عن كل نفر كانت شيئا يسيراً لا قيمة له..

والأكثر من ذلك، قد يتصور البعض أنهم كانوا قبل ذلك أيضاً يتظاهرون ويهتفون ويشتمون ويسبون ويضربون صور الرئيس بالأحذية، امام عدسات الكاميرات وفي الساحات العامة!! .. في زمن كان شرطي الأمن يرهب مدينة بأكملها وتجد دائما من يتذلل له ويتودد الى إهاناته!!

أخوتنا العراقيون.. لا تعلمون كيف كانت صورتكم مأساوية وحالتكم مبكية عند سقوط المقبور، عندما زالت اسوار سجن كبير أسمه العراق، كانت ملابسكم الخاكي ومدنكم وكأنما صغرت شوارعها وأزقتها وطمست بيوتها التي كان احدثها تم بناءه قبل الحرب الصدامية ضد ايران، لا تعرفون شيئاً عن النت والستلايت والنّقال (وهنا أقصد العامة والسواد الغالب) وأربعة آلاف من دنانيركم المزورة تساوي دولاراً واحداً.. شوارعكم تملأها النفايات والذباب تجده حاضرا في كل مكان... وقد فقدتم الأمل بالحياة!!

ولربما الأمرّ من كل ذلك هو ان العراقي صاحب الحضارة الضاربة في عمق التاريخ والذي كان سباقا في التنمية الاقتصادية والمجتمعية والذي اسست دولته الحديثة قبل الكثير من الدول المزيفة والمصطنعة، كان ينظر الى الآخرين نظرة استلاب وكانه قادم من عالم آخر، لا يعرف عن الدنيا والرفاه والتطور شيئا، الا ما قرأ بعضه في الكتب او المجلات المهربة!!

أحمدوا الله على ما أنتم فيه اليوم.. حالكم هذه يحسدكم عليها الكثير من شعوب العالم، بشرط أن تقدروا أنتم وضع بلدكم وتتخلوا عن إتكاليتكم وتعملوا بما تطالبون به غيركم من مسؤولين حكوميين وسياسيين.. لأن التغيير يبدأ من النفوس، إلا أن نخطئ قانون رب العالمين، والعياذ بالله: "أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم".

صدقوني، ما أنتم فيه قد لا يدركه كثيرون من الشباب الذين لم يكتووا بقساوة تسعينيات القرن الماضي، أو نسيه كثير منهم في غضون 15 سنة.. ولن تدركوها إلا إذا سلبت منكم لا سامح الله.

هذا التغيير الذي في ظاهره كان بفعل أمريكا واحتلالها، دفعتم له أنتم العراقيين على مدى عقود من الزمن، الدماء والمال والآهات والأنين، سواء الذين استشهدوا على يد المقبور أو الذين قتلوا في حماقاته أو الذين هاجروا وعانوا الهجرة من بطشه وظلمه أو الذين بقوا داخل العراق يصابحون جلاوزته ويماسون أجلافه من "ذوي الأفواه المعوجة"، حسب وصف صديق قديم!.

حتى بعد الخلاص منه وقبره في مزبلة التاريخ لم يسلم الناس من تفجيرات وذبح ذيوله وأيتامه أو الداعمين الإقليميين له ولمن أسقطوه، الذين صار "إبن صحبة" بين ليلة وضحاها قدوتهم وبطلهم وحامي عروبتهم التي باعوها منذ سنوات في القدس وسيناء والجولان.. فأرسلوا إرهابييهم وأموالهم لقتل العراقيين بكل طوائفهم، لكن الشيعة (الرافضة) كانوا عنوان المذبحة.

لن أقول ان الوضع جيد ولا اقول كفوا عن مطالباتكم وان من في قمة الهرم مخلصون نظيفة ايديهم.. ابدا فهم من اعترفوا بفشلهم وسلوكهم حتى مع انصارهم واتباعهم حتى اليوم يوحي بطغيان بعضهم وفرعونيته.. لكن!!

لا تنصتوا يا أحبتنا وأهلنا لكل الناعقين ولكل المثبطين والمعتاشين على موائد اللئام.. عضّوا على جراحكم وتحملوا فاسديكم حتى.. لأنهم سيكونون بالتأكيد أفضل لكم من خيار حواضن البعثيين والدواعش الذين لايزالون يبشرون ويتوعدون بالقتل والذبح، هؤلاء الذين يتحدثون عن الشرف وهم في أدنى مراتب السقوط والعهر.. والذين يملأون بعض القوائم الانتخابية.

لا تسمحوا للمصابين بجرب البعث والطائفية والوهابية والبداوة أن يتصدروا مشهدكم .. شاركوا بفاعلية في الإنتخابات ولكم أن تختاروا من ترونه الأصلح أو السئ من بين الأسوئين.. رغم أنها كما يقول المثل: "لو خليت لقلبت"، فلا يزال هناك الكثير من الشرفاء من يمثلون طموحاتكم ولو بنسب متفاوتة!.

بقلم: علاء الرضائي.