ما معنى أن نزور أولياء الله؟

الأحد 1 إبريل 2018 - 19:26 بتوقيت غرينتش
ما معنى أن نزور أولياء الله؟

للزّيارة في الثّقافة الإسلاميّة الأصيلة أهمّيّة كُبرى لما فيها من تقاربٍ معنويّ بالإضافة إلى تعظيم المزار والإعلان عن الانتماء إليه...

السيّد عبّاس نورالدين

أن تزور النبيّ أو الإمام المعصوم يعني أن تنحرف عمّن سواه إليه. فالزّور هو الانحراف عن الشّيء إلى شيءٍ آخر؛ وحين ترى الشّمس تزاور عن كهفهم،(1) فهي لا تقترب إليهم وإن كانت تشعّ على غيرهم.
وللزّيارة في الثّقافة الإسلاميّة الأصيلة أهمّيّة كُبرى لما فيها من تقاربٍ معنويّ بالإضافة إلى تعظيم المزار والإعلان عن الانتماء إليه.
بيد أنّ كل هذا التّعظيم والانتماء يهدف إلى أمرٍ أساسيّ؛ وما لم يتحقّق هذا الأمر، فلن تترك الزّيارة أثرها المطلوب في النّفس. وهذا الأمر الأساسيّ هو حصول الارتباط الصّحيح. فحين أُمرنا بزيارة أولياء الله، فذلك لكي تكون هذه الرّابطة القلبيّة والظاهريّة سببًا لتحقّق رابطة واقعيّة بيننا وبين هؤلاء الأولياء؛ رابطة يحصل فيها التّلقّي الصّحيح والأخذ منهم ما يقدّمون. ولا شك بأنّ أعظم ما يقدّمه أولياء الله للنّاس هو الهداية العلميّة.
فلم يبعث الله نبيًّا أو وصيّ نبيّ إلّا لأجل هداية الأمم بواسطة العلم والمعرفة والحكمة. وما لم يحصل الارتباط بين النّاس وعلوم الأولياء، فلا يمكن أن تكون هناك رابطة حقيقيّة متينة. وقد كان أعداء الأئمّة الأطهار مستعدّين لتكريمهم وتعظيمهم بشرط أن لا يطرحوا علومهم على النّاس. فليس بين السّلطان وأحد عداوة شخصيّة طالما أنّه لا يهدّد حكمه. فكيف إذا كان تكريم السّلطان له موجبًا لزيادة سلطانه وشرعيّته.
كل هذا العداء التّاريخيّ، إنّما كان بسبب ما كان أهل البيت عليهم السّلام يطرحونه ويعرضونه تحت عنوان الدّين من أجل توحيد الأمّة الإسلاميّة وعزّتها وكرامتها وجمع القلوب والأفئدة على محبّة الله وطاعته. والذين لم يدركوا أهداف هؤلاء الأطهار غالبًا ما كانوا يقفون في الصفّ المقابل لهم وإن لم يشعروا بذلك. فما أسهل أن يحتنك الشيطانُ الجاهلين ويجعلهم في صفّه وحزبه.
وهكذا، كان جهل النّاس بعلوم أهل البيت (عليهم السلام) العامل الأكبر وراء تمكّن سلاطين الجور من محاربتهم والتّنكيل بهم وقتلهم. وما زال الأمر كذلك إلى يومنا هذا. فقد شاهدنا كيف تحوّل الذين كانوا يدّعون محبّة أهل البيت ويزورونهم إلى أداة طيّعة بأيدي أعداء الإسلام والإيمان. ولم تنفعهم كل تلك الزّيارات ولم تحدث في نفوسهم أثرًا.
فالزّيارة الواقعيّة للإمام هي زيارة له والأخذ عنه ما يحبّ وما جاهد من أجله وضحّى لنشره. وما لم نزر علم الإمام فكأنّنا لم نزر ولم نقترب.
ما أصعب غربة الإمام حين يكون بين جماعة لا تهتم بعلمه ولا تقرأ كلماته ولا تتدبّر أحاديثه. وهذا هو الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام قد وقف في غربته الأولى حين كان ظاهرًا بينهم وهو يقول:
"
وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيص وَالْبَلَاءِ أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيدًا فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَ[جَرَّعُوهُمْ جُرَعَ الْمُرَارِ] جَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ وَلَا سَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَالِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجًا فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ وَالْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكًا حُكَّامًا وَأَئِمَّةً أَعْلَامًا وَقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُم مَا لَمْ تَذْهَبِ الْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ.
فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَابًا فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكًا عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ!
فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَقَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ‏ وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَرًا [عِبْرَةً] لِلْمُعْتَبِرِينَ [مِنْكُمْ‏].
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَيَنِي إِسْحَاقَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ (ع) فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ‏ الْأَحْوَالِ وَأَقْرَبَ اشْتِباه الْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَالْقَيَاصِرَةُ أَرْبَابًا لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ‏ عَنْ رِيفِ الْآفَاقِ وَبَحْرِ الْعِرَاقِ وَخُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ وَمَهَافِي‏ الرِّيحِ وَنَكَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَارًا وَأَجْدَبَهُمْ قَرَارًا لَا يَأْوُونَ‏ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا؛ وَلَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا(2)."
ونحن نسأل اليوم أين هم زوّار هذا الإمام اليوم من هذه النّصائح والوصايا والإرشادات البليغة؟ وهل سعينا لقراءتها وتطبيقها في واقعنا؟
إنّ أنبياء الله وأوصياءه إنّما جاؤوا ليورثوا النّاس العلم لا الدّرهم والدّينار. وفي ظلّ العلم والمعرفة يهتدي النّاس إلى كلّ خير. وهل يمكن أن تصلح أمورنا ونحن معرضون عن أهم ما جاء به هؤلاء الأطهار؟

كم نحن بحاجة إلى من يعمّق فينا معرفة معاني الزّيارة بدل الاكتفاء بالطّقوس العابرة، حتى يتحقّق المراد الحقيقيّ من وراء إقامة هذه المراسم الرّائعة والمقامات الشّريفة.

(1){وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمينِ...} [سورة الكهف، الآية 17]

(2)نهج البلاغة، ص 296 و 298.

المصدر: مركز باء للدراسات