مقالات – الكوثر
لكل إمبراطورية زائلة جورباتشوفها الذي يتولى إجراءات الدفن ويقوم بتوزيع تركة الخسائر وما بقي من مغانم على المرابين والمرتزقة الرابحين انتصرت الإمبرطورية أو أفلست، ولا عزاء للمغرر بهم من (العقائديين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الراقدين الآن في حفر النار يحلمون برشفة من ماء تطفئ لهيبهم بينما وعدهم الشيطان من قبل بالحليب والعسل المصفى وسبعين زوجة من الحور العين (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا)!!.
وبينما رفضت الشعوب (الشيوعية) لارتباطها بالإلحاد فقد اقترنت الوهابية بالتكفير والقتل الجماعي وها هي الآن تلقى حتفها في معارك النفس الأخير!!.
التصريح الذي أدلى به محمد ابن سلمان مؤخرا لمحرري الصحف الأمريكية، لدى سؤاله عن الدور السعودي في نشر الوهابية، المتهمة بأنها مصدر للإرهاب العالمي، (أن الاستثمار السعودي في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بفترة الحرب الباردة عندما طلبت الدول الحليفة من بلاده استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في العالم الإسلامي. وأضاف أن الحكومات السعودية المتعاقبة فقدت المسار والآن نريد العودة إلى الطريق).
لا يختلف تصريح ابن سلمان في مضمونه التنصلي عن محاولة حمد بن جاسم تبرير انخراط دويلة قطر في مشاريع الفتنة الصهيو أمريكية والمهم في الأمر أن هذه التصريحات الاعتذارات الواهية لم ولن تسقط المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن كاهل هذه الحثالات حيث لا يجدي الاعتذار ولا التبرير ولا عزاء للمهزومين.
لو انتصرت الدولة الوهابية في غزوات الشام والعراق واليمن لما سمعنا هذه التصريحات والاعترافات والاعتذارات، كما أن ابن سلمان لم يعترف بكل الحقيقة بل رسخ الحقائق التي ذكرها مناهضو هذه الحركة الإجرامية التكفيرية عن ارتباطها وتحالفها الوثيق بالاستكبار العالمي ليس فقط مع بزوغ الحرب الباردة بل منذ اللحظات الأولى للتأسيس.
ثم عن أي حرب باردة يتحدث ابن سلمان؟!.
هل يتحدث عن تلك التي بدأت مع حرب أفغانستان 1980 أم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وإعلان مبدأ ترومان والدور الذي أوكل لجماعة الإخوان –إحدى فروع الوهابية- مما سمح لهم بالمشاركة في الانقلابات التي اجتاحت العالم الثالث آنئذ وأدت إلى بزوغ نظم عسكرية كان مبرر وجودها الأساس هو محاربة الشيوعية!!.
الذي نخلص إليه أن إعلان ابن سلمان (إنهاء) حقبة التمدد الوهابي لم يأت بسبب صحوة ضمير مبكرة أو متأخرة ولم يأت (اختيارا) بل (كرها واضطرارا) والسبب تلك الهزائم المنكرة التي مني بها محاولة الإحياء الوهابية الانتحارية الأخيرة والتي يبدو مؤكدا أن المملكة ستحصد المزيد منها في القريب العاجل.
إنه المصير الأسود الذي حاول أوباما أن يجنبهم زعاق مرارته عندما أعلن عما يسمى (عقيدة أوباما) لكن الغرور ركبهم حيث زالوا يحاولون فرض شروطهم على المنتصرين.
إرث الوهابية؟!
قبل أن يقرر العالم التخلص من أسلحة الدمار الشامل كان على علم بالوسيلة المثلى للتخلص منها ومن بقاياها بينما ما زال الوهابيون يمارسون حياتهم اليومية ويستمتعون بمكتسباتهم التي جمعوها خلال تلك العقود السوداء وليس من الحكمة أن نتوقع قريبا مشروعا لكنس الوهابية وتنظيف العالم من رجسها.
أما الذين تصدوا للمشروع الوهابي وقاموا بتفكيكه فما زالوا يعانون القهر والضيم ومنهم كاتب هذه السطور صاحب كتاب (نقض الوهابية) الذي أوشكت آنئذ تلك الجهات التي تدعي الاعتدال والوسطية على مصادرته لولا بقايا تعقل كانت وقتها ولم يعد لها وجود ولا أثر!!.
الذين ارتزقوا من مشاريع التمدد الوهابي ما زالوا يرتعون ويلعبون وسيرفعون قريبا شعار (العيب في التطبيق وليس في النظرية) أملا منهم أن تعود جيفة الوهابية التكفيرية للحياة وأن تصبح نبعا للبهجة والسعادة بعد أن كانت براكين للموت والدمار!!.
(إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) النمل 80-81.
دكتور أحمد راسم النفيس
28/03/2018مـ
12 رجب، 1439هـ.