خديجة أحمد موسى
يتعلق جزء من تاريخ الأئمة عليهم السلام بنشأتهم وسنوات طفولتهم المبكرة، وشخصيات أمهاتهم الكريمات اللواتي ولدنهم، ولكن التاريخ لا ينقل لنا إلا مقتطفات يسيرة من سيرة أولئك النسوة العظيمات اللواتي اختارَتْهُنّ يد العناية الإلهية ليحملْنَ وسام أم " الإمام المعصوم ".
أم الإمام الجواد عليه السلام ...
الإمام الجواد عليه السلام تاسع أئمة أهل البيت، والده الإمام الرضا عليه السلام، وأمه أم ولد اسمها " سبيكة النوبية "، وقيل " سكن المريسية"، نسبة إلى مرّيسة وهي قرية في صعيد مصر من بلاد النوبة، وقيل اسمها " ريحانة "، وقيل " درة "، و " خيزران ".
لماذا تتعدد أسماء أمهات الأئمة؟
الملاحظ في شخصيات أمهات الأئمة عليهم السلام، تعدد أسمائهنّ، وهذا أمر كان وارداً في تلك العصور، فالسيد أو المالك الجديد قد يطلق على أمته اسماً جديداً إذا لم يعجبه اسمها الأول، أو يكون قد تزوجها فيغيّر اسمها بما يتناسب ووضعها الجديد، أو أنه يطلق عليها عدة أسماء في آن واحد كما هو الحال في والدة الإمام الجواد عليه السلام، فقد سمّاها الإمام الرضا عليه السلام بـ " خيزران " إضافة لما لها من أسماء، وما قيل من أن اسمها كان " سكينة " فهو تصحيف سبيكة على الأظهر، وهو والذي عليه أكثر المصادر كما أن الشيخ المفيد في الإرشاد لم يتعدَّ إلى غيره.
وتكنى بأم الحسن وهي من قبيلة مارية القبطية زوج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا فهي من نوبة مصر لا السودان.
صفاتها ...
كانت السيدة سبيكة رضوان الله تعالى عليها أفضل نساء زمانها، وإليها أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبية الطيّبة الفم، المنتجبة الرحم " .
ويدلّ على جلالة قدرها ومكانتها ما في الخبر المعتبر عن يزيد بن سليط وملاقاته الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في طريق مكة وهم يريدون العمرة قال: ثم قال أبو إبراهيم عليه السلام: " إني أؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني عليّ سميّ عليّ وعليّ، فأما عليّ الأول فعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأما عليّ الآخر فعليّ بن الحسين، أُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره، وليس له أن يتكلم إلاّ بعد هارون بأربع سنين "، ثم قال: " يا يزيد فإذا مررت بالموضع ولقيته وستلقاه فبشّره أنه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل ذلك ".
وقال الإمام الرضا عليه السلام لأصحابه في بيان فضلها: " قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قُدّست أمٌ ولدته، قد خلقت طاهرة مطهّرة ".
فماذا ـ بعد هذا ـ يمكن أن يضيف القلم في فضل هذه السيدة بعد أن عبّر المعصومون عن مكانتها وفضلها بهذه العبارات؟ فهي وإن كانت جارية أم ولد إلا أن لها من الفضل والجلال والعفة والعبادة ما فاقت به نساء زمانها فكانت بذلك قرينة لإمام معصوم، وأمّاً لإمام معصوم.
كيفية ولادتها للإمام الجواد عليه السلام...
قصة ولادة الإمام الجواد عليه السلام ترويها لنا عمته السيدة حكيمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام، حيث تقول: " لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر عليه السلام، دعاني الرضا عليه السلام، فقال لي: " يا حكيمة... أحضري ولادتها، وادخلي وإياها والقابلة بيتاً، ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا، فلما أخذها الطلق طفئ المصباح وبين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه السلام في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته، فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرضا عليه السلام ففتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه، فوضعه في المهد، وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده "، ثم قالت: " فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره، ثم قال: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله "، فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن عليه السلام فقلت له: " لقد سمعت من هذا الصبي عجباً "، فقال: "وما ذاك؟ " فأخبرته الخبر، فقال: " يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر " .
لم تسعفنا الروايات الواردة في تاريخ مراحل حياة السيدة أم الجواد إلا بالنزر القليل، ولكن يكفيها فخراً أنها زوجة لمعصوم وأم لآخر فهذا فضل لا يهبه الله إلا لمن اصطفى من النساء.
المصدر: العتبة الحسينية المقدسة