ماذا يجول بذهنك وأنت تتدبّر قوله عزّ وجلّ : ( ويكلّم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين ) و : ( إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم الناس في المهد وكهلاً ) و : ( وآتيناه الحكم صبيّا ... ) ؟
ثم وأنت تبحث بدقّة وإمعان في معالم شخصيّة الإمام الجواد عليه السلام وعطائه الفكري الثرّ ونبوغه الفريد وسيرته الرائعة وريادته التي تفيض حكمةً وهيبةً واقتداراً وسط أشدّ أعاصير الضغط والتحريف والإرهاب ، والأعظم من ذلك كلّه : تسلّمه زمام الإمامة ولمّا يبلغ السابعة من عمره الشريف ...؟
ألم تسجّله واحداً من أسطع البراهين وأتمّ الأدلّة على إلهيّة منصب أئمّة الهدى وأعلام الورى عليهم السلام ؟!
إنّه كذلك بلا شكّ ولا ريب عند المنصف الواعي.
هو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليه السلام، وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته عليهم السلام.
وأما قد يثار من أن الإمام كان صغير السن حين استشهد والده الرضا عليه السلام فهو إن كان كذلك إلا أنه لا يمنع عن القبول والإذعان بإمامته بعد أن تواترت النصوص والدلالات على إمامته وبعد أن دلَّ القرآن الكريم على تأهُّل يحيى عليه السلام لمنصب النبوة وهو صبي وكذلك عيسى بن مريم عليه السلام والذي هو من أنبياء أولي العزم، وليس بعزيز على الله عز وجل أن يُؤهِّل من عباده من يشاء لحمل أعباء النبوة أو الإمامة، وليكن ذلك أحد أدلة الصدق على نبوة النبي محمد (ص) حيث أن واحدًا من خلفائه يتأهل لملكة الإمامة وهو في عمر الصبا وتظهر على يديه من الكرامات والفضائل ما توجب انبهار ذوي الحجى والفضل ممن عاصروه، فما دخل في مناظرة إلا وأفحم خصمه فيها، ولم يكن حين ذاك يتجاوز العاشرة من عمره وكان خصمه شيوخ القوم وعلماؤهم، وما سئل عن مسألة إلا وأجاب عنها محتجًا بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، هذا بالإضافة إلى ما ظهر على يديه من كرامات تناقلتها الرواة بطرق متعددة ومعتبرة، وهي تعبرِّ عن موقعه السامي عند الله عز وجل.
إسمه وكنيته وألقابه:
أما إسمه فمحمد بن علي بن موسى الرضا عليهم السلام، وأما كنيته فأبو جعفر الثاني وأما ألقابه التي عرف بها فالتقي والمنتجب والجواد والمرتضى.
مولده:
لم يختلف المؤرخون في سنة ولادته حيث قالوا أنها كانت في خمسة وتسعين ومائة للهجرة، واختلفوا في يوم ولادته والمشهور بينهم هو أنها كانت في شهر رمضان المبارك في ليلة السابع عشر منه، وذهب بعضهم إلى إنها كانت في العاشر من شهر رجب من نفس السنة، وكانت في المدينة المنورة.
استشهاده وموضع قبره:
استشهد عليه السلام في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين للهجرة وقيل 225هـ، حيث دس إليه الخليفة العباسي المسمى بالمعتصم سمًا بعد أن أشخصه قسرًا إلى بغداد وفيها دفن مع جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم في مقابر قريش، وقيل انه استشهد على يد الواثق بالله من خلفاء بني العباس.
مدة إمامته:
نهض الإمام الجواد عليه السلام بأعباء الإمامة بعد وفاة أبيه الرضا عليه السلام وكان عمره حينذاك سبع سنين، واستمرت أيام إمامته (17) سنة وشهورًا، وقيل أكثر.
وقد مارس الإمام دور التوعية والتبليغ الديني بمقدار ما سنحت به الظروف فقد كان معلمًا ومربيًا ومدافعًا عن الإسلام، ومتصديًا لمعالجة ما يثار من شبهات وقد كان يمارس كل ذلك من خلال خطاباته ومكاتباته وإجاباته عن الأسئلة ومناظراته التي كانت تُعقد في محافل العلماء، وقد تعمد المأمون وكذلك المعتصم عقد أكثر من مناظرة بين الإمام ووجوه العلماء لغرض إفحامه إلا أن الأمر يكون على عكس ما يبتغيه الحاسدون الذين أساءهم ما يجدونه من احتفاء الناس وإكبارهم للإمام عليه السلام، وقد كان يقصده العلماء على اختلاف مشاربهم خصوصًا في مواسم الحج.
من حكمه (عليه السلام):
- إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له.
- المؤمن يحتاج إلى توفيقٍ من الله وواعظٍ من نفسه وقبولٍ ممن ينصحه.
- الإصرار على الذنب أمنٌ لمكر الله، "ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون".
المصدر: مركز الهدى للدراسات اإسلامية و موقع شبكة رافد