مسألة تلبيس الجنّ للإنسان أمر لم تثبت واقعيته بالأدلة الشرعيّة، وهذا لا سبيل إلى معرفته بغير أن يدلّ عليه دليل معيَّن من إخبار الله عزّ وجلّ أو المعصومين، لأنه لا نستطيع علمياً أن نفسّر ظاهر الأمراض العصبيّة وما يصاحبها من تصرّفات غير طبيعيّة للمريض، بأنها حالة تلبّس للجنّ.
فكيف السَّبيل لإثبات ذلك؟! بل إنّه يفسَّر بحالة مرضيّة لها أسبابها وطبيعتها، فإنّ الإنسان جسم ونفس، وكما أنّ هناك أمراضاً وأعراضاً للجسم تخرجه عن طور الحالة الطبيعيّة لعمل أجهزته ووظائفه، فهناك أيضاً أمراض للنّفس قد تخرجها عن طبيعتها إلى اختلال معيَّن، ما أخبرنا الله عزّ وجلّ به من أمر الشّيطان وعلاقته بالإنسان، هو أنّه يوسوس لبني آدم ويشاركهم في الأموال والأولاد، ويأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، وغير ذلك مما يندرج ضمن حركته في الإغواء وحرف المسيرة الإنسانيّة عن الخطّ المستقيم في كلّ المجالات، وأمّا إنّه يدخل الجسم على نحو يصرع الإنسان، فهذا لم يثبت، وأمّا ما ذكره القرآن في الحديث عن تشبيه آكل الرّبا بأن لا يقوم إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، فهذا لا يفيد معنى التّلبّس الذي يظنّه النّاس، بل هو التأثير عليه في حركة عمله ليخرج عن توازنه، فما ورد هو التعوّذ بالله تعالى من شرّ الجنّ والإنس، والتحرّز عن ذلك بذكر الله تعالى، والتعقّل والاعتماد على الهداية الإلهيّة، وليس معالجة ما يظنّ بأنّه تلبّس بأعمال لا صحّة لها.
المصدر: موقع بينات