وفي حوار مطول مع "هافينغتون بوست عربي" فتحنا مع الرجل كثيراً من الملفات المثيرة للجدل حول حركة النهضة، وحوله شخصياً، بعضها داخلي والآخر خارجي، سألناه داخلياً عن مستقبل حركة النهضة التي تحبس أنفاسها قبل مؤتمرها العاشر لتحسم دورها بين السياسة أو الدعوة، فيما تتلقى اتهامات متناقضة إما بالتعلمن أو حضانة الإرهاب.
تحدث لنا عن رؤيته لدور "النهضة" في المستقبل، وعلاقته بأحزاب تونسية تصمهم بالإرهاب، واتهمها في المقابل بممارسة "بيزنس سياسي"، كما تناول علاقته الجدلية بالرئيس التونسي السبسي، واتهامات الأخير للحركة رغم تحالفه معها، تحدث أيضاً عن شكوى بعض رفاق الأمس من اتجاه الحركة للعلمنة، وكذلك علّق على مَنْ ينسب إليه القول إن الإرهابيين يذكرونه بشبابه.
على الصعيد الخارجي، واجهنا الغنوشي بسؤال عن موقفه لو كان مكان الرئيس المصري محمد مرسي، وحدثنا عن موقف الإمارات الشائك منه، وعن تقييمه لأردوغان والتجربة التركية.
وفيما يلي نص الحوار:
حركة سياسية لا دعوية
أسابيع قليلة تفصلكم عن المؤتمر العاشر للحركة الذي يُنتظر أن يحسم الخطوط العريضة لسياستها وأيديولوجيتها، فهل سيعلن خلال المؤتمر عن حزب سياسي جديد وينزع عن النهضة ثوب الحركة الإسلامية؟
النهضة حزب سياسي مدني ديمقراطي. نشأت الحركة كتيار مجتمعي وردّة فعل على سياسة الدولة التي تبنّت نظام الحزب الواحد، وعملت على تهميش الهوية العربية الإسلامية منذ فجر الاستقلال. وكردة فعل على نظام شمولي، برزت هذه الظاهرة المجتمعية شاملة أبعاداً مختلفة، خاصة الأبعاد الدعوية والثقافية والمجتمعية، ثم تطورت بعد فترة التأسيس الأولى في بداية السبعينات لتشمل البعد السياسي.
هذه الظاهرة لم يُترك لها المجال والحرية لتتطور تطوراً طبيعياً، بل وُوجهت بقمع شديد من قبل الدولة. الحرية التي كانت مفقودة وفرتها لنا الثورة، ما أتاح لنا الفرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية.
نحن نرى أن مسألة الهُوية والصراع أو الخلاف حولها قد حُسم بإقرار الدستور التونسي بداية 2014، الذي حظي بتأييد 94% من البرلمان. هذا الدستور حدد الأرضية التي يتوافق حولها الشعب التونسي بكافة تياراته، وحدد طبيعة النظام السياسي الذي نريده. وقد حدد الدستور التونسي في بنده الأول، وهو بند غير قابل للمراجعة، أن تونس دولة حرة مستقلة، لغتها العربية ودينها الإسلام.
وبالتالي أصبح هناك إجماع وطني حول موضوع الهُوية، ولا يبقى للأحزاب إلا أن تتنافس في إطار البرامج العملية وليس في إطار الصراع حول الهوية. كما حدد أيضاً الدستور التونسي الذي كنا من أكبر صانعيه، أن الشأن الديني هو شأن عام تؤطره الدولة والمجتمع المدني، ومنع الدستور الجمع بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية أو في المجتمع المدني، وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه.
وستبقى النهضة في رأينا حزباً مدنياً يستمد مرجعيته من قراءة تعتبر أن الإسلام والديمقراطية متوافقان، فنحن نعتبر أنفسنا ضمن تيار الإسلام الديمقراطي، وهذا ليس بدعة في العالم الديمقراطي، حيث نجد أحزاباً ديمقراطية عريقة تستمد إلهامها ومرجعيتها من ديانتها، فهناك المسيحيون الديمقراطيون وغيرهم من الأحزاب التي تجمع بين المرجعية الدينية، والالتزام بالديمقراطية.
القيادي بالحركة لطفي زيتون تحدث في مقال عما سمّاه "محاولة فاشلة من أطراف داخل النهضة وخارجها لتلبيس مفاهيم وتصوير الدعوة للإصلاح كمسار لعلمنة النهضة".. هل تعتقد أن مخاوف البعض من تحولكم إلى حزب علماني مشروعة؟
هي مخاوف نتفهمها لكنها غير مشروعة، نفهمها لأن كل تغيير وانتقال من حالة إلى حالة يصحبه شيء من التوجُّس والخوف، لكننا لم نقل إننا سننتقل من حزب إسلامي إلى حزب علماني، بل قلنا إننا سنتفرغ للعمل السياسي، كنا حزباً شمولياً مثلما كانت الدولة شمولية فتولدت أحزاب بعضها إسلامي وبعضها يساري. القيم التي سنستند إليها خلال عملنا السياسي هي ذاتها كما جاءت في الدستور الذي استند إلى المرجعية الإسلامية وإلى المرجعية الحداثية. الدستور التونسي ليس دستوراً علمانياً بل ينص في فصله الأول على إسلامية الدولة.
تلاحقكم دائماً اتهامات بممارسة "الخطاب المزدوج" كيف تردون عليها؟
هذا بزنس سياسي ومن يتهموننا بذلك هم إقصائيون، وإذا سلَّموا بأن النهضة ديمقراطية وحزب سياسي مدني فهم يخشون بذلك من أن يفقدوا أداة من أدوات الحرب. هؤلاء إقصائيون لم يقبلوا قواعد العملية الديمقراطية في الوقت الذي قبلت بها النهضة، ولازلوا يأملون في إقصائها عن طريق رمي تهمة الإرهاب لأنهم عجزوا عن منافستها مرة بعد مرة أمام صناديق الاقتراع، فالجبهة الشعبية التي تردد هذا فشلت في أن تنافسنا في انتخابات 2011 و2014، ولذلك هي اليوم تصرُّ على اتهامنا في كل عملية إرهابية وتعتبرها مناسبة للهجوم على النهضة، والحال أننا كنا نتحاور معهم سنة 2013 في الحوار الوطني وكان البراهمي وبلعيد قد اغتيلا قبل ذلك التاريخ، ورغم ذلك كانوا يقبلون الحوار معنا، أما الآن فهم يرفضون الحضور في أي مناسبة نحضرها، وهذا يُفهم على أنه سياسة جديدة تبنتها الجبهة الشعبية.
هل ستحسمون خلال المؤتمر الفصل النهائي بين الجانب الدعوي للحركة والجانب السياسي؟
هذا هو التوجه العام والتطور الذي نرنو إليه، حيث يتخصص الحزب في مسائل السياسة والعمل على تقديم برامج للحكم، ويتم الفصل مع بقية أجزاء الظاهرة التي مكانها المجتمع المدني والأهلي.
قلتم في تصريح سابق لكم: "في البيان التأسيسي الذي أعلنا فيه عن حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981، قلنا منذ البداية إن الحركة لا تزعم أنها الناطق باسم الإسلام"، غير أن كثيرين يرون أن حزبكم لعب على هذه الورقة لحصد الأصوات خلال الحملة الانتخابية البرلمانية الأولى والثانية، ما تعليقكم؟
لم يحصل قط أن زعمنا لأنفسنا النطق باسم الإسلام، إذ لا كنيسة في الإسلام ولا ناطق باسم الحقيقة الإلهية على الأرض. الإسلام أكبر من الأحزاب ولا يمكن لأحد أن يحتكر أو أن يزعم النطق باسمه. منذ انطلاقنا سنة 1981 أكدنا أننا لا نمثل الإسلام وإنما نحاول تقديم قراءة أو فهم للإسلام، فهمٌ يؤمن بأن الإسلام متوافق مع الديمقراطية ومع مبادئ الحداثة من مساواة وحقوق إنسان وحرية اعتقاد.
هل أنتم مستعدون للتحالف مع حزب محسن مرزوق الجديد مشروع تونس؟
نحن مستعدون للتحالف مع أي حزب يعمل في إطار الدستور بما في ذلك الجبهة الشعبية ولا نقصي أحداً.
هل يمكن القول إن تجربة الإسلام السياسي بعد الثورات العربية أثبتت فشلها في تونس ومصر؟
في الديمقراطية ليس هناك فائز دائم ولا خاسر دائم، وإنما الديمقراطية توفر للأحزاب الفرصة إذا لم يحققوا النتائج المرجوة الى مراجعة أنفسهم وتقييم أدائهم، ودراسة واقعهم أكثر والتفاعل مع شعوبهم وتقديم رؤى وبرامج جديدة علَّها تحظى بقبول الأغلبية. المشكل يكمن ليس في تراجع أو تقدم النتائج في اللعبة الديمقراطية، ولكن المشكل يكمن في مَنْ يتدخل لإيقاف اللعبة الديمقراطية ليحل محلها القمع والدكتاتورية والفساد. اللجوء الى استخدام القوة ليس علامة نجاح بل بالعكس، وهو محاولة فاشلة لإيقاف مسار التاريخ.
لو عاد بكم الزمن إلى الوراء ما الذي ستراجعه في تجربة حكمكم؟
ربما أهم تغيير هو توسيع التحالف الحكومي بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، وعدم الاقتصار على التحالف مع حزبين فقط، وذلك لأننا اكتشفنا وتعلمنا أنه في المراحل الانتقالية لا تكفي الأغلبية البسيطة، أي 50 زائد واحد، لتوفير أسس الاستقرار، بل تحتاج البلاد الى توافق واسع يجمع أكثر ما يمكن من التيارات السياسية الأساسية.
هل آن الأوان لكي تعلنوا رسمياً انفصالكم عن تنظيم الإخوان المسلمين، لاسيما أنكم كل مرة تؤكدون أنكم لا تحملون فكرهم ولا سياستهم؟
النهضة حزب تونسي، قراراته مستقلة تصنعها مؤسساته الداخلية دون أي تدخل من أحد مهما كان.
الراحل محمد حسنين هيكل قال إن الغنوشي ذهب إلى مصر مرتين بعد الإطاحة بمبارك لنصح الإخوان.. فبماذا نصحتهم؟
نعم زرت مصر بعد الثورة، ولكن ليس للقاء الإخوان فقط بل للقاء عدد كبير من الطيف السياسي والإعلامي والثقافي المصري بتنوعاته، وأيضاً لحضور لقاء المؤتمر القومي العربي الذي أنا أحد أعضائه. وخلال لقائي بعدد من الزعامات السياسية أكدت للجميع أهمية مبدأ التوافق بين الفرقاء السياسيين، ومبدأ التشارك وعدم الإقصاء، والقبول بالآخر، وتقديم التنازلات المشتركة للمحافظة على الأوطان وعلى التجربة الديمقراطية.
البعض يرى أن النهضة سارعت منذ الائتلاف مع نداء تونس إلى إبعاد قيادييها الموصوفين بالصقور والمتهمين بحمل فكر إسلامي متشدد عن المشهد على غرار نور الدين الخادمي والحبيب اللوز، هل ذلك صحيح؟
الدكتور نور الدين الخادمي، الوزير السابق للشؤون الدينية، شخصية مستقلة لا تنتمي لحركة النهضة، أما الحبيب اللوز فقد اختار عدم الترشح للبرلمان خلال انتخابات 2014 وبالتالي ابتعد على الأضواء.
هل شكَّل هؤلاء فعلاً إحراجاً للحركة لاسيما مع العلمانيين والمتخوفين من الفكر النهضاوي الذي يصفونه بأنه "متطرف ومحرِّض على الإرهاب"؟
ليس هناك فكر نهضاوي متطرف. النهضة حركة كبيرة ومتنوعة وفيها وجهات نظر مختلفة كأي حزب سياسي كبير، ولكن الجميع في النهضة يشترك في بعض المبادئ، أهمها الإيمان بأن الإسلام والديمقراطية متوافقان، والاتفاق على رفض العنف كوسيلة للعمل السياسي، واعتماد الديمقراطية الداخلية للحسم في اختلاف وجهات النظر.
بعد "عملية بن قردان" هناك اتهامات صريحة لكم من أحزاب اليسار تحمِّلكم مسؤولية الإرهاب، إذ يكررون القول: "هؤلاء هم من يذكِّرون الغنوشي بشبابه".. ما تعليقكم؟
الإرهابيون يحاولون ضرب الوحدة الوطنية وتقسيم المجتمع بين مسلم وكافر، وعوّض أن نقوي من وحدتنا الوطنية، تلجأ بعض الأطراف السياسية اليسارية لعزف أسطوانة مشروخة تحاول استغلال موضوع الإرهاب والاستثمار في الدماء سياسياً بمحاولة اتهام خصمهم السياسي بهذه التهمة. نقول لهم: كفوا عن هذا، كفوا عن خدمة أجندة الإرهابيين بنشر الفرقة بين التونسيين.
لا يمكننا أن نهزم الإرهاب إلا بتوحيد الجهود ورصَّ الصف الوطني ضده. أما توجيه أصابع الاتهام للخصوم السياسيين فهو غير أخلاقي وغير مقبول ولن يفيد البلاد في شيء. نعم، حاورنا بعض الشباب الإسلامي السلفي خلال 2012 حتى نقنعهم بأن الثورة وفرت للجميع الحرية للعمل السياسي والمجتمعي مادام في إطار الالتزام بالقانون، كما حاولنا تحذير بعض هؤلاء الشباب من مغبة تحدي القانون والدولة.
ونحن على يقين بأن هذه المحاولات نجحت في إقناع العديد منهم بالالتزام بالعمل ضمن القانون، وكدليل على ذلك فقد تشكل قبل الانتخابات السابقة حزبان لهما مرجعية سلفية شاركا في الانتخابات، بما يعني قبولهما بالديمقراطية وسيادة القانون. أما من اختار العمل خارج القانون، وتحدى الدولة ولجأ إلى العنف فقد واجهته حكومة الترويكا بكل حزم بداية من سيدي علي بن عون، إلى منع اجتماعهم السنوي في القيروان، إلى إعلان الحرب الشاملة عليهم في صيف 2013.
كيف تردون على بعض قادة اليسار الذين يتهمون النهضة بخلق جذور الإرهاب ويحملونها مسؤولية الاغتيالات السياسية؟
رددنا على هذه الأسطوانة المشروخة مراراً. في كلا الاغتيالين كشف القضاء كل تفاصيل الجريمة وكل المتورطين فيها، ولكن الجبهة الشعبية لن يهدأ لها بال إلا إذا أدانت خصمها السياسي النهضة بهذه الجرائم. للأسف أصبحنا نرى أن دماء الشهيدين بلعيد والبراهمي (رحمهما الله) يتم استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية. النهضة أكبر من تضرر من هذين الاغتيالين، فقد خسرنا الحكومة الأولى بعد الاغتيال الأول، وانسحبنا من الحكومة الثانية بعد الاغتيال الثاني؛ لذا لا يمكن لعاقل أن يتصور أن النهضة يمكن أن تكون خلف هذه الأعمال الإجرامية.
أما جذور الإرهاب فقد غرست خلال عهد بن علي عندما صادر الحريات وأقصى ذوي الفهم الإسلامي المعتدل، وبما أن الطبيعة تأبى الفراغ، فقد دفع هذا بعض الشباب الى استيراد أفهام متطرفة عن الإسلام عبر القنوات الفضائية ثم الإنترنت، وقد رأينا عمليات إرهابية في عهد بن علي تضرب المناطق السياحية وتضرب قريباً من العاصمة. ومنذ غزو العراق تحول الإرهاب الى ظاهرة إقليمية ودولية، ولا يمكن النظر لها فقط في سياقها الداخلي.
أحد قياديي "الجبهة الشعبية" قال صراحة إن مهمة حزبه تتمثل في تخفيض شعبية النهضة.. كيف تنظرون لهذا التصريح؟
هذه أحزاب مبنية على الضد، والنهضة مبنية على الإيجاب، ولذلك نحن ليس لدينا أي موقف إقصائي من أي حزب، ومستعدون من أجل مصلحة تونس أن نتحاور مع الجميع.
ما تعليقكم على تصريحات السبسي لصحيفة بحرينية معتبراً التردي الاقتصادي والأمني مردّه حكم الإسلام السياسي؟
نحن لا نحدد علاقاتنا بناءً على تصريح هنا أو هناك. علاقتنا مع الرئيس الباجي علاقة قوية، وقد بُنيت على توافق أنقذ تونس من مصير مشابه لبقية بلدان الربيع العربي. هذا التوافق بين القديم والجديد، وبين الإسلاميين والعلمانيين هو ما صنع الاستثناء التونسي ومكَّن تونس من أن تصنع دستوراً ديمقراطياً أجمعت عليه النخبة التونسية بجميع تلوناتها.
أما ما يخص المشاكل التي تعاني منها البلاد، فأراها مشاكل متوقعة في أي بلاد مرَّت بثورة، حيث تضعف سلطة الدولة وهيبتها، وحيث ترتفع توقعات الناس وآمالهم، وحيث يمارس الناس الحرية لأول مرة، وربما حتى يبالغون في ممارستها. نحتاج الى مدة حتى تستعيد الدولة هيبتها، وحتى يتعلم الناس ممارسة الحرية بمسؤولية. أما عن أدائنا في الحكم، فعندما يوضع في سياقه ضمن فترة 5 سنوات بعد الثورة، فإنه لم يكن الأداء الأسوأ، بل ربما في العديد من المجالات كان الأفضل نسبياً.
على كل حال، نحن الآن تجاوزنا سنة منذ الانتخابات الأخيرة، ولكن البلاد مازالت تعاني العديد من المشاكل خاصة الاجتماعية والاقتصادية أساساً، وذلك ليس عائداً لأداء حركة النهضة خلال سنتين من قيادتها للحكومة، ولكنه عائد لأسباب هيكلية هي نتاج عقود من السياسات الخاطئة التي كبلت الاقتصاد والمبادرة الحرة، وميزت ضد بعض الجهات وجعلتها جهات محرومة.
هذه الإخلالات الهيكلية تحتاج لإصلاحات كبرى هيكلية، وتحتاج لمنوال جديد للتنمية يجمع بين الحرص على تشجيع المبادرة الخاصة والإبداع وإزاحة العراقيل الإدارية في وجهها، وفي نفس الوقت يحرص على التمييز الإيجابي بين الجهات لإعطاء المناطق المحرومة حقها من الثروة.
موقفكم من تصنيف "حزب الله" منظمةً إرهابية متهم بالرمادية أو "اللاموقف".. ما قولك؟
موقفنا ملتزم بالموقف الرسمي التونسي الذي التزم بدوره بالموقف العربي وأدان بشدة الدور الذي يلعبه حزب الله خارج حدود لبنان في سوريا والعراق واليمن، ولكنه في نفس الوقت اعترف لحزب الله بالدور الذي لعبه في تحرير جنوب لبنان.
يقال إن الغنوشي هو يحكم من خلف الستار، ولا يريد أن يكون حزبه في الواجهة، فيما يتحمل شركاؤه في الحكم الانتقادات مثل المؤتمر والتكتل والنداء.. إلخ.
هذه المقولات لا تحترم من هو متقلد المسؤولية، من رؤساء 3 وحكومة. النهضة لاعب مهم ورئيسي في الساحة التونسية، همُّنا ليس الاختفاء خلف الستار ولكن المساهمة في حفظ بلادنا وتحقيق الاستقرار وإنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي، حتى لو كان ذلك على حسابنا. النهضة مِن أكبر مَن قدم التضحيات، قبل الثورة من أجل الديمقراطية، وبعد الثورة من أجل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي. لا تهمنا المناصب، ولكن تهمنا مصلحة تونس. لقد كنت أذكر لقيادات النهضة خلال الفترة الصعبة من صيف 2013 لإقناعهم بالخروج من الحكومة، اننا نعم يمكن أن نخسر السلطة، ولكننا سنربح تونس، وأن تونس أعز علينا من حزبنا ومن السلطة، وكما يقول دائماً الرئيس السبسي: الوطن قبل الأحزاب.
كيف تنظرون للانشقاقات داخل "نداء تونس"؟ وهل ستؤثر على علاقتكم بشريك الحكم؟
ما يحدث في "نداء تونس" شأن داخلي لا نتدخل فيه. تونس تحتاج الى أحزاب قوية حتى تتعاون في التصدي للتحديات الكبرى التي تواجهنا.
هل فعلاً أخذت "النهضة" الدرس من إخوان مصر خلال حكمها في تونس؟
استفدنا من جميع تجارب الانتقال الديمقراطي التي سبقتنا أو عاصرتنا.
لو كنت مكان الرئيس الأسبق مرسي ماذا كنت ستفعل؟ هل ستترك الحكم أم تقتسمه مع العسكر؟
من الأفيد التوجه الى المستقبل والبحث عن حلول للأزمة التي تمر بها مصر. مصر قلب العروبة فإذا صلُح وضعها فذلك في مصلحة كل الأمة العربية، أما إذا ضعفت فذلك مصدر ضعف لكل الأمة. من الواضح الآن أن خيار فرض الاستقرار بالقوة والدكتاتورية والإقصاء والاستفراد بالسلطة لم ينجح، وإنما بالعكس يؤدي الى تفاقم الإشكاليات الأمنية والاقتصادية، والمزيد من المعاناة والانقسام.
هناك استخلاصات أصبحت بعد سنتين من الأزمة بديهية: لا يمكن العودة الى الوراء وإلى زمن الدكتاتورية، لا يمكن إقصاء الأطراف السياسية والمجتمعية الرئيسية، لا يمكن شطب الإخوان، أو شطب العلمانيين أو الليبراليين، أو شطب الأقباط، أو شطب الجيش من المعادلة السياسية في مصر. المراهنة على هذا هي مراهنة على إطالة عمر الأزمة ومراهنة على المزيد من الخسائر لكل البلاد بما يفتح البلد على كل الاحتمالات. أدعو عقلاء مصر من جميع الأطراف أن يضعوا مصلحة بلادهم قبل كل شيء، وأدعوهم الى التخلي عن منطق الإقصاء، وإلى تبني منهج الحوار والتوافق ومنهج التنازلات المتبادلة قبل أن ينهار السقف على رؤوس الجميع.
القيادي بالنهضة سمير ديلو قال إن السيسي لو زار تونس فستستقبله حركة النهضة والشيخ راشد.. هل هذا صحيح؟
بالنسبة لي ليس لديّ منصب رسمي في الدولة يحتم عليّ أن أكون في استقبال زوار تونس الأجانب، أما غيري من النهضة فوضعه يمكن أن يكون مختلفاً.
لِمَ تبدو علاقتكم بالإمارات غير جيدة؟ هناك هجوم واضح على شخصكم وعلى حركة النهضة باعتبارها جزءاً من الإخوان المسلمين؟
نحن لا نتمنى إلا الخير لكل أشقائنا العرب، ونرجو أن يعاملونا بالمثل. ثورتنا في تونس ثورة للاستهلاك المحلي وليست للتصدير، ونريد أن نبني علاقات إيجابية مع جيراننا وأشقائنا سواء في المغرب العربي أو في الخليج. إذا كان هناك سوء تفاهم أو مشاكل بين الأشقاء فكلها تحل بالحوار. هناك إجماع داخل تونس على أننا لا نتدخل أبداً في الأوضاع الداخلية لأي بلد آخر، وفي نفس الوقت لا نسمح لأي بلد بأن يتدخل في أمورنا الداخلية.
هل هناك زيارة قريبة للإمارات؟
ليست هناك زيارة مبرمجة.
تفخرون دوماً بعلاقتكم الجيدة مع الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان، هل نجحت النهضة في أن تعيد نموذجهم في تونس؟
نجحت تركيا تحت قيادة الرئيس أردوغان في صنع معجزة اقتصادية جعلت تركيا من ضمن أكبر 16 اقتصاداً في العالم، وضاعفت دخل الفرد التركي 3 مرات. هذه التجربة حرِية بالدراسة والاستفادة، لكننا في تونس لا نؤمن بالتقليد، بل نؤمن بالتجديد والاستفادة من جميع التجارب لنصنع تجربة تونسية متميزة.
قلتم إنه من حق الرئيس الأسبق بن علي وعائلته الحصول على جوازات سفر من باب التسامح ودفن الأحقاد، ما ردُّك على من استهجنوا تصريحكم بحق دكتاتور متهم بنهب البلاد طيلة 23 عاماً وأفلت من العقاب؟
الحقوق شيء، والإفلات من العقاب شيء آخر. بن علي أجرم في حق الشعب التونسي، ولكن هذا لا يعني أن نعاقب كل عائلته بإلغاء كل حقوقهم كمواطنين تونسيين. نريد أن نبني دولة القانون والمواطنة، لا دولة الانتقام والتشفي. لا نريد أن يكون جواز السفر منّة من الدولة، بل يجب أن يكون جواز السفر حقاً لكل تونسي أو تونسية. من أخطأ يُعاقب بحسب جرمه.
كيف تقيّمون عودة العلاقات مع سوريا وفتح قنصلية تونس بدمشق؟
حسب علمي تونس لم تُعد علاقاتها بالنظام السوري، بل فتحت قنصلية لتقديم الخدمات القنصلية للمواطنين التونسيين المقيمين في سوريا. ونحن مازلنا على موقفنا من دعم حق الشعب السوري في الحرية والكرامة وبناء نظام ديمقراطي يخول له اختيار حكامه ومحاسبتهم بعيداً عن حكم العائلة، والطائفة، وبعيداً عن احتكار السلطة والثروة باسم المقاومة والممانعة.
كيف استقبلت خبر وفاة حسن الترابي؟ وماذا خسر السودانيون برحيله؟
استقبلت هذا الخبر بحزن، فحسن الترابي (رحمه الله) صديق قديم، جمع بين أبعاد مختلفة، اختلط فيها الفكري بالسياسي. استفدنا منه في الجانب الفكري خلال مرحلة نشأتنا في السبعينات حيث أعطتنا اجتهاداته الفكرية فرصة للنظر الى الأمور من زوايا تجديدية خلصتنا من سطوة النظرة التقليدية. خسر السودانيون والأمة الإسلامية عالماً مجدداً، ومفكراً كبيراً. أما في الجانب السياسي فمسيرته قابلة للدراسة والتقييم للاستفادة منها. والمهم أنه ختم حياته بالمشاركة في جمع شمل السودانيين بمختلف تياراتهم، سلطة ومعارضة حول طاولة الحوار الوطني، ونأمل أن يواصل إخوانه هذه المسيرة ويصلوا لتوافق وطني بين مختلف الفرقاء السياسيين يحفظ السودان وينشر الحرية والديمقراطية.
ختاماً، هل هناك إمكانية لأن تعلن انسحابك من الحياة السياسية ومن حركة النهضة؟
المهم بالنسبة لي ليس المناصب وإنما أن نرى تونس وقد تعززت الديمقراطية فيها، وسادها الأمن والاستقرار، أن نرى العدالة الاجتماعية قد تحسنت والمناطق المهمشة قد نالت نصيبها من الثروة، أن نرى شباب تونس ممتلئين أملاً بالمستقبل، وقد توافرت لهم سبل العيش الكريم، وهم يكدون ويجدّون لبناء غدٍ أفضل، أن نرى الاقتصاد قد أقلع واستفاد من ثماره جميع أبناء الوطن.
المصدر: صفحة الشيخ راشد الغنوشي
27/101