في مدينة الحلة، مقامٌ يزار، يسمّيه الناس مقام صاحب الزمان (عج). لهذا المقام قصة يرويها الناس:
كان هذا المزار بيتاً لأحد العلماء في مدينة الحلة، اسمه (الشيخ علي)، وقد كان رجلًا عابداً زاهداً تقيّاً، من المحبين والمتعلقين بالحضرة القدسية لصاحب الزمان (ع). وكان يردد دائماً في توسلاته لصاحب الزمان (عج) قائلا :
سيدي إن العاشقين والمتعلقين بك كثيرون، فلماذا لا تظهر؟
ذهب الشيخ علي ذات يوم إلى الصحراء، بعدما ضاقت به الدنيا، وامتلأ قلبه بالحنين وازدحم بالأشواق لرؤية صاحب الزمان، فأخذ بالتوسل لصاحب العصر ... يبكي ... وينوح ... ويئن .. ويصيح:
سيدي ... لماذا لا تظهر؟
إن أنصارك كثيرون، ففي هذه المدينة وحدها يوجد الآن ما يزيد عن ألف شخص .. أرواحهم فداك، ومهجهم مبذولة دونك، وكذلك فإن لك في المدن الأخرى أصحاباً كثيرين أيضاً.
وفي هذه الحالة إذا بالشيخ علي يرى شخصاً يقترب منه، ويقول له:
أيها الشيخ إلى من توجه كل خطابك وعتابك؟
الشيخ: إنني أنادي سيدي ومولاي الحجة إبن الحسن «عج» ... لماذا لا يلتفت إلى أعوانه المخلصين، وهم كثيرون، فإن في مدينة الحلة وحدها أكثر من ألف شخص منتظرين له. لماذا لا يقوم لينشر العدالة في العالم؟
أيها الشيخ ... لا تصرخ هكذا، فليس الأمر كما تعتقد.
إنني أنا صاحب الزمان، ولو كان هناك ثلاثمائة وثلاثة عشر ناصراً واقعياً لقمت. إن هذه مدينة الحلة التي تقول عنها أن لي فيها أكثر من ألف شخص يفدونني، ليس فيها سوى ناصريْن حقيقيين ... أحدهما أنت، والآخر هو القصاب الفلاني.
وإذا أردت إدراك هذه الحقيقة، فاذهب واختر من بين هؤلاء جميعاً أربعين شخصاً تعتقد أنت، أنهم أفضل من في المدينة، وادعهم بالتنسيق مع القصاب إلى منزلك ليلة الجمعة، وأحضر اثنين من المعز وضعهما على السطح قبل مجيئهم ومن دون معرفتهم، وإستقبلهم في باحة الدار، وإنتظرني ... فسآتي إلى سطح منزلك لأبين لك الحقيقة ... ثم إختفى.
عاد الشيخ علي إلى المدينة، والفرح يغمره ... وقصد القصاب مباشرة وأخبره بالقضية، ثم إختار أربعين شخصاً من الذين يعتقدان أنهم من الأنصار الأوفياء للحجة «عج».
عند غروب يوم الخميس بدأ الأربعون يصلون إلى بيت الشيخ، ثم إصطفوا متوجهين إلى القبلة وهم على طهارة ووضوء. وشرعوا بالدعاء والتوسل في باحة الدار.
ولم يكن قد مضى وقت كثير من الليل حين ظهر نورٌ عظيم في السماء متوجهاً إلى بيت الشيخ علي حتى استقر على السطح.
ثم ارتفع نداءٌ عالٍ يدعو الرجل القصاب للصعود إلى السطح. وعندما صعد القصاب أمره الإمام الحجة «عج» مباشرة بذبح أحد الحيوانين ليسيل دمه من خلال المزراب في ساحة الدار.
فإمتثل القصاب لأمر الإمام وفعل ذلك. وعندما رأى الموجودون في باحة الدار سيل الدماء ارتعدت فرائصهم ظانّين أن الإمام «عج» قتل القصاب. وبعد لحظات معدودة، ارتفع النداء مرة ثانية، يأمر الشيخ علي بالصعود إلى السطح.
صعد الشيخ علي إلى السطح، فرأى أن القصاب ما زال حياً لم يصب بسوء. وعندها أمر الإمام الحجة بذبح الجدي الثاني أيضاً بحيث تسيل دماؤه كالحيوان الأول فذبح القصاب الجدي الثاني.
وعندما رأى الأربعون سيل الدماء أيقنوا بأن الشيخ علياً قد قتل كالقصاب أيضاً بيد الإمام الحجة «عج» وأنه سيأتيهم الدور ويقتلون جميعاً على هذا المنوال. عندها فضلوا الهروب على البقاء، فخرجوا جميعاً من بيت الشيخ مسرعين. بعد عدة دقائق قال الإمام (ع) للشيخ علي:
إنزل الآن إلى ضيوفك وقل لهم، فليأتوا إلى السطح لرؤيتي.
نزل الشيخ علي إلى باحة الدار، لكنه لم يجد أحداً من أولئك الناس، فتعجب كثيراً وعاد خجلًا إلى الإمام وأخبره بذلك.
فقال له الإمام (ع):
لا تعاتب هكذا مرة أخرى، فهذه هي مدينة الحلة التي كنت تقول عنها أن فيها أكثر من ألف شخص ناصرٍ ووفي لي، واعلم أن المدن الأخرى هي بهذا الشكل أيضاً.
قال (ع) هذه الكلمات ثم اختفى عن الأنظار.
بعد ذلك أصلح الشيخ علي ذلك البيت ورمم سطحه وسمّاه مقام صاحب الزمان (عج) ...
المصدر: مجلة بقية الله