يقول محمد علي فركوس: «البعض يُطلق مصطلح أهل السنة على الأشاعرة والماتُريدية، ويُدخل بعضهم الصوفية وبعض المناهج الدعوية العقلانية والحزبية، وهذا باطل لا يصح... الإسلام الصحيح الذي يُمثّله أهل السنة والجماعة مبرَّأ من الآراء الخاطئة المُخالفة للكتاب والسُّنَّة، والمجرَّدُ مِنْ مَوروثاتِ مَناهجِ الفِرَق الضَّالَّة كالشيعة والمُرجِئةِ والصُّوفيةِ والجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرة، والخالي من المناهج الدَّعْوية المُنحرِفة كالتبليغ والإخوان، والحركات الجهادية كالدواعش والقاعدة، أو مناهجِ الاتجاهات العقلانية والفكرية الحديثة المُنتسِبين إلى الإسلام».
لكن في مقابلة أجرتها «الأخبار»، مع أستاذ «كرسي التصوف والدراسات الإسلامية في جامعة الجزائر» محمد بن بريكة، يُحذِّر الأخير مما يراه «الخطر الداهم» للتيار السلفي في الجزائر على وحدة البلاد واستقرارها، ويشير إلى العوامل التي أدت إلى انتشاره. ويتهم بن بريكة صراحة وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، بممالأة السلفية، برغم ما يشكلونه من تهديد للمرجعية الدينية الجزائرية.
وفي الآتي، نصّ المقابلة:
هل يمكن اعتبار ما قاله الشيخ فركوس، مجرّد رأي فقهي يُلزمه وحده ويمكن تجاوزه، أم أننا أمام تحوّل خطير في النظرة إلى المجتمع؟
يجب أن نتفق ابتداءً على مصطلح السلفية. السلفية مرحلة زمانية مباركة، لا مذهب إسلامي.
فهي تعني القرون المشار إليها بالخيرية الكاملة في الحديث النبوي: «خير القرون قرني ثم القرن الذين يلونهم ثم القرن الذين يلونهم».
وليس معنى هذا أنّ الخيرية لا توجد في بقية القرون، وإنّما المراد من الحديث أن هذه القرون فيها ساداتنا الصحابة وساداتنا التابعون الذين جالس البعض منهم (سيّدنا الرسول)، وكان البعض الآخر تلامذة لهم، فهم مطلعون على منابع الوحي في أزهى عصورها، وهذا معلوم حيث تخرج أئمة كبار في هذه المرحلة.
لذلك، إن انتحال صفة السلفية هو بدعة وهابية جاء بها هؤلاء الذين لا يمثلون السنّة ولا الجماعة.
هؤلاء هم في الحقيقة منتسبون إلى الحركة الوهابية التي لها شيخ واحد تعتمده في مرجعيتها، هو ابن تيمية.
وابن تيمية هذا كانت له آراء شاذة ردها عليه علماء عصره وسجن ومات بسببها لما سببته من فتن بين أبناء الأمة الإسلامية، وأهل زمانه أدرى به من أهل زماننا نحن.
ما هي الأصول التي يعتمد عليها هذا التيار في الوصول إلى مثل هذه الاستنتاجات الخطيرة؟
هذا التيار لما سمّى نفسه سلفياً مع ابن عبد الوهاب، استباح دماء المسلمين، وكانت له 5 مصطلحات أساسية يكررها ويجترها ويجعلها ذريعة لتكفير المسلمين واستحلال دمائهم وهي الكتاب والسنة، والتوحيد، والبدعة، الشرك ومظاهره والتبرك والتوسل، والمذهبية. هذه المصطلحات الخمسة يستخدمها هذا التيار، في استعداء بقية المسلمين، من خلال القول إنّ أغلب المسلمين ليسوا على الكتاب والسنة، وأنهم هم فقط الطائفة الناجية كما يسمون أنفسهم.
يوماً بعد آخر، يزداد هذا التيار التكفيري نفوذاً في البلاد
هم يتحدثون عن التوحيد وكأنّ الأمة الإسلامية ليست موحدة، ويستخدمون مسألة الشرك في تكفير الصوفية والذين يقيمون حفلات خاصة موسمية كحفل يناير عند الأمازيغ الجزائريين وكل الاحتفالات والمظاهر التي تقام في بلاد الإسلام يعتبرونها مظاهر للشرك، وكل الزيارات عندهم هي مظاهر للشرك.
أيضا مسألة البدعة، هي سيف مصلت على كل المسلمين، ما فعل شخص أمراً إلا قيل له هذا الأمر بدعة، وكأنهم يحتكرون الأحكام العقائدية في الدين الإسلامي.
والحق أن البدعة تأخذ أحكام الدين الخمسة، منها ما هو واجب ومستحب ومكروه إلى غير ذلك.
الجانب العقائدي في نظرتهم للمسلمين هو الأخطر، لأن الخلاف الفقهي مسألة فرعية، أما العقيدة فهي إما أن تكون مسلماً أو لا تكون.
لذلك أقول إنّ النظرية بكاملها هي نظرية تكفيرية، وهذا ما جعلنا نجد أن هذا العرض العقائدي الذي يقدمه هذا التيار كان وراء كل المجازر التي ارتكبت في بلاد الإسلام، بدءاً من ابن عبد الوهاب إلى اليوم.
نرى اليوم أن الكثير من المساجد يسيطر عليها «السلفية» في الجزائر. لماذا ينتشر هذا التيار، وهل أصبح يشكل تهديداً لعقيدة الجزائريين؟
يجب أن نقول بكل صراحة، إنّ هذا التيار هو مِعول هدم في وحدة الجزائر، وهناك 3 أسباب لهذا الانتشار والتوسع. الأول أن الحركة الحزبية حين بدأت التعددية بعد دستور 1989، تغاضت عن الكثير من المساوئ التي يحملها أبناء هذا التيار، فانخرطوا في العديد من النشاطات السياسية وتمكنوا من عقول العوام وأثروا عليهم، ورأينا الكثير منهم صعد إلى الجبال وحمل السلاح وأحل دماء الجزائريين.
يُحذِّر بن بريكة، مما يراه «الخطر الداهم»
السبب الثاني أن التقدير السياسي كان خاطئاً وهو إلى اليوم خاطئ: ترك المنابر لهؤلاء والمفروض أن المنابر تكون خاضعة للمرجعية الجزائرية التي يفترض أن تحميها الدولة بمؤسساتها من وزارة الشؤون الدينية إلى المجلس الإسلامي الأعلى إلى المجالس العلمية والدعاة والأئمة والباحثين المنخرطين في المؤسسات العلمية، وهنا لا أستثني المؤسسات الأمنية، إذ لا يعقل أن نوظف في أخطر سلك على عقول الناس وعقائدهم من هب ودب دون أن يمر بتحقيقات أمنية تتبين توجهه وأصله وعائلته والمحيط الذي نشأ فيه مع علمنا لحرارة الجزائريين وعاطفتهم لكل من يحدثهم بالكتاب والسنة. ثالثاً: إنّ الصراعات التي نخرت الجزائر ابتداءً من التسعينيات، على النفوذ والمال والهيمنة والتنافس السياسي الضيق جداً، كلها اشتغلت بهذه الهموم وتركت أمراً مهماً هو العمل على الوحدة الوطنية والتنبيه إلى كل ما يهددها. للأسف الشديد، لم نجد من الأحزاب الإسلامية أو غيرها حديثاً عن هذا الخطر الداهم.
في ضوء ما تقول، كيف تصف الوضع؟
اليوم وضعنا هو كالآتي: هذا التيار التكفيري يزداد نفاذاً يوماً بعد يوم إلى عقول الناشئة والجهال، تحت مظاهر الرقية والحديث في المساجد المستباحة والسيطرة على المساجد التي تبنى بالأموال الخاصة باستراتيجيات مملاة عليهم من وراء البحار. وذلك كله في غفلة من السلطة التي نجد أطرافاً داخلها تخاطبهم (خطاباً) وديعاً وتحاول أن تتحالف معهم أحياناً، بل نجدها كأنها سفيرة للدولة السعودية.
على ذكر السلطة، ما رأيكم في مواقف وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى من تيار السلفية، التي يصفها البعض بـ«الليّنة»؟
مواقفه للأمانة ممالئة لهؤلاء، يتعاطى معهم بـ«مصلحية» لاعتقاده أنّ هذا التيار سيطر على الساحة، وبالتالي إذا جامله سيبقى في كرسيه وتكون له شهادة عند السلطة تثبته في منصبه السياسي.
هذا في الحقيقة تصور خاطئ لا يجب أن يكون، وسيكون لي ردّ على الوزير في ما يتعلق بهذا الأمر تنبيهاً للمصلحة العليا للدولة التي يجب ألا نجامل فيها أحد.
لكن هناك فرق بين السلفية العلمية التي ترفض العنف، والسلفية الجهادية التي تتبناه. ألا تعتقد أن وضع الاثنين في سلة واحدة لا يستقيم من الناحية العلمية؟
هذه مغالطة كبرى، فالحقيقة أنهما وجهان لعملة واحدة.
ذلك أن مرجعيتهما واحدة، والمشايخ كلهم يدورون في فلك واحد، يقوم على تكفير الناس وإخراجهم من الملة واعتمادهم على الأصول الخمسة التي سبق أن ذكرتها.
فهم أشبه بذلك بتيار يكون وآخر ينفذ، والعملية مستمرة إلى أن تأتي اللحظة التي مهد لها محمد علي فركوس بهذه الكلمات، وهي إخراج 90 بالمئة من الجزائريين والمسلمين من الملة في كلمته الشهرية الأخيرة.
هل تعتقد أن هذا التيار بلغ الذروة بهذا الموقف؟
نحن اليوم أمام لحظة خطيرة جداً. البلد مهددة في حدودها، وهي إقليمياً تعيش ظروفاً خاصة، بعضها تحت الستار الديني، كظهور «الدواعش» وغير ذلك من الفرق الحاملة للسلاح... البلد في وضع اقتصادي هش كما صرح بذلك كل المسؤولين.
البلد يعاني من نسبة مرتفعة من الأمية أو ضعف التعليم بين الشباب الذين خرجوا من المدارس أو لم يوفقوا في إكمال الدراسة، وهؤلاء كلهم فرائس جاهزة سيلتهمها هذا التيار ويوجهها التوجيه الذي أملته عليه المخابر الذكية من وراء البحار في بريطانيا والسعودية وبعض الدول التي لا تريد خيراً للجزائر.
نحن في اعتقادي لسنا خارج مشروع التقسيم والتفتيت الذي يستهدف الدول العربية، بل نحن هدف في حد ذاته.
لكن الظاهر في كلامهم أنهم يَدْعون إلى عدم الخروج عن الحاكم؟
هذه مغالطة كبرى أيضاً.
فإذا دعوت علي فركوس ليقسم بالله العظيم في عنقه بيعة لمن... ستجده مبايعاً لملك السعودية كما بايع جميع أتباع هذا التيار.
هم لا يبايعون ولي الأمر الوطني، بل بيعتهم لملك السعودية وولي عهده وهذا يعلمه الخاص والعام.
مع ما يبدو أنه تغيّر في نظرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للمفاهيم الدينية والسلفية، كيف سيتصرف هذا التيار؟
الواقع أن هذا التيار قد أصيب بحرج شديد، وهو يتخلخل من الداخل ويحاول أن يتغلب على ذلك، لأن الناس تسأل مشايخ السلفية عن موقفهم من الحفلات التي تقام في السعودية وقيادة المرأة للسيارة وخروجها بالزي الذي تريد وموقفهم من الاحتفال الرسمي بالمولد النبوي الشريف.
وقد وجد هؤلاء المشايخ أنفسهم في حيرة بعدما طبّلوا سنين عدة للنظام السعودي ولا يعرفون كيف يتعاملون مع ولي العهد الشاب ولغته الجديدة.
وفي اعتقادي أنهم حتى لا يفتضحوا، لجؤوا إلى هذه الحيل لصرف الأنظار عبر تكفير الناس وشغلهم بالكتاب والسنة وغيرها من المسائل الراسخة في قلوب الجزائريين منذ أن حل الإسلام على هذه الأرض.
ما هي رسالتك في الأخير كباحث، للجزائريين؟
أؤكد للجزائريين أنهم ليسوا بحاجة لهؤلاء حتى يتعلموا دينهم، فإسلامهم من بين الأحسن بين الشعوب، ذلك أنه مبني على قيم التسامح والبطولة ورعاية حقوق المرأة ويكفينا فخراً أنّ إحدى الثورات الشعبية ضد المستعمر الفرنسي كانت قائدتها لالة فاطمة نسومر الحافظة لكتاب الله والمتبعة لمنهج التصوف.