وُلد الإمام علي بن محمد عليه السلام في في النصف من ذي الحجة عام 214هـ (و قيل في الثاني من رجب المرجب)و أشرقت الدنيا، وازدهرت مدينة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله المدينة المنورة، بولادة الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو عاشر أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ولد هذا الإمام الهمام في نواحي المدينة المنورة، في قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام تسمى: صرّيا. وسرت بذلك موجات من الفرح والسرور في بيت الإمام الجواد عليه السلام وسائر بيوت ومحبي أهل البيت عليهم السلام والذي اضاء سماء الولاية بقضائله وايمانه ومآثره.
فمعدنه هو معدن الرسالة والنبوة وهو فرع هذا البيت النبوي الطاهر الذي جسد للانسانية خط محمد خاتم الانبياء صلى الله عليه وأله وسلم، محاطا بالعناية الالهية، فأبوه هو الإمام المعصوم والمسدد وامه الطاهرة التقية سمانة المغربية. وكنيته أبو الحسن، واشهر ألقابه الهادي والنقي.
ونشأ وتربى على هدى القرآن المجيد وخلق النبي الاكرم صلى الله عليه وآله المتجسد في ابيه الكريم خير تجسيد. لقد بدت عليه آيات الذكاء الخارق والنبوغ المبكر الذي كان ينبىء عن الرعاية الالهية التي خص بها هذا الامام العظيم منذ نعومة أظافره.
لقد تحلى الإمام الهادي عليه السلام، بمكارم الاخلاق التي بعث جده الرسول الاعظم لتتميمها، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لايسعنا الاحاطة بها ولاتصويرها.
وقد تقلد منصب الامامة الالهي بعد ابيه في الثامنة من عمره الشريف فكان مثالا أخر للامامة المبكرة التي اصبحت اوضح دليل على حقانية خط أهل البيت الرسالي في دعوى الوصية والزعامة الدينية والدنيوية للامة الإسلامية خلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ونيابة عنه في كل مناصبه القيادية والرسالية. وعاصر خلفاء بني العباس 15 سنة تقريبا، ثم الخلفاء بعد المتوكل وهم: المنتصر، المستعين، المعتز. وقد تصدى (ع) 33 سنة لمقام الإمامة والولاية. وقد استأنف فيه حكام العباسيين عداءهم للأئمة من أهل البيت والتنكيل بالعلويين بعد فترات ذاقوا فيها طعم الامن و الراحة، و بقي في المدينة يمارس مهمات الامامة تحت الرقابة الى ان تجاوز العشرين من عمره، ومنهلا عذبا لرواد العلم من مختلف البلاد و المناطق حتي اتسعت شهرته ورجع اليه القريب والبعيد في الدين و جميع ما كان يعترضهم من المشاكل .لقد اثارت هذه المشاهد غضب الحكام عليه وأقضت مضاجعهم فاستدعوه إلى عاصمتهم وفرضوا عليه الاقامة الجبرية فيها اكثر من عشرين عاما ليحولوا بينه و بين شيعة آبائه الذين اجتمعوا على امامته و كانوا في تلك الفترة من التاريخ اكثر من أي وقت مضى. هذا بالاضافة إلى الحقد الشخصي و العداء السافر الذي تميز به المتوكل عمن سبقه من حكام تلك الاسرة، فقد بلغ به التعصب و الحقد على علي و آله عليهم السلام كما جاء في تاريخي ابن الأثير و الطبري وهما يتحدثان عن احداث سنة 236 وما احدثه المتوكل فيها، جاء فيهما: انه في تلك السنة هدم قبر الحسين بن علي (ع) و سواه بالتراب، ثم امر بحرث الأرض وزرعها لتضيع معالمه، وقتل عددا كبيرا من زواره، وبالتالي فرض عليهم الضرائب وشتي انواع العقوبات ليمتنعوا عن زيارته. وطوق المتوكل الإمام الهادي عليه السلام، بحصار شديد ورقابة صارمة وتربص به وبأصحابه، حتى انه يمكن القول إن هذه الفترة من أشد فترات التاريخ وأكثرها ضراوةً وعنتاً على الامام الهادي عليه السلام وأصحابه، بسبب الحقد السافر الذي يكنّه المتوكل لأهل بيت النبي صلى اللهعليه وآله وسلم، هذا وقرّب في بلاطه الحاقدين ممن يدينون بالنصب، وفرض على الامام عليه السلام أقصى حالات العزل والاقصاء، حيث استدعاه إلى عاصمة بلاطه في رحلة مضنية من المدينة المنورة إلى سامراء، ليكون محجوزا ومراقبا ومعزولاً عن قاعدته العريضة في المدينة المنورة وعن أداء دوره الرسالي في أوساط الاُمّة. ورغم ضيق هامش الحرية المتاحة للامام الهادي عليه السلام وفي حدود فسحة ضيقة محكومة بالرقابة والقسوة، سجّل عليه السلام رصيداً علمياً وعطاءً معرفياً واسعاً، وأسهم في أداء دوره الرسالي، وقدّم عطاءات جادة على طريق الدفاع عن أصول الدين ونشر فروعه، وإيصال سنن جده المصطفى وآبائه الكرام عليهم السلام إلى قطاعات واسعة من الاُمّة، فضلاً عن مقاومة مظاهر البدع والانحراف، فكان علماً للحق ومرجعاً للدين تهرع إليه الاُمّة حيثما أشكلت مسألة وكلما استجدت أخرى فيوجهها نحو الاصول الحقيقية للشريعة المقدسة.
ومما يؤكد ما كان للإمام الهادي (ع) من المكانة العالية في نفوس المسلمين وتعلقهم به ما جاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي وهو يصف ما اصاب الناس من الخوف و القلق حينما بلغهم ان المتوكل العباسي قد ارسل في طلبه يستدعيه الى عاصمة ملكه في العراق.
فقد قال لما بلغه مقام الامام علي الهادي عليه السلام، بالمدينة وميل الناس اليه خاف منه فدعا يحيي بن هرثمة و قال: اذهب الى المدينة و انظر في حاله و أشخصه الينا، قال يحيي: فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج اهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا على علي الهادي، وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد لا يميل الى الدنيا و مظاهرها، و مضي يحيى بن هرثمة يقول: فجعلت اسكنهم و أحلف لهم بأني لم أؤمر فيه بمكروه وانه لا بأس عليه حتى هدأت حالتهم وسكن ضجيجهم. ومع كل ذلك فقد ظلت شهرته تتسع ولم يستطيعوا ان يحولوا بينه وبين الناس فحاولوا التشويش عليه عن طريق اخيه موسى واغرائه بحضور مجالس اللهو والمنكرات على امل أن يؤثر ذلك على مكانة الإمام عليه السلام.
فقد جاء في رواية المفيد في الارشاد، عن الحسين بن الحسن الحسني انه قال: حدثني ابو الطيب يعقوب بن ياسر ان المتوكل كان يقول لحاشيته وخواصه: ويحكم لقد اعياني امر ابن الرضا و جهدت ان يشرب معي و ينادمني فامتنع و جهدت ان اجد فرصة في هذا المعني فلم اجدها.
فقال له بعض من حضر: ان لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحال فهذا اخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع فاحضره واشهره فان الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه وبين اخيه ومن عرفه بشخصه قد يتهم اخاه بمثل فعاله.
فقال المتوكل: اكتبوا بإشخاصه مكرما، وعزم ان يتلقاه المتوكل وجميع بني هاشم والقواد وسائر الناس، واذ وافاه أقطعه قطيعة وبني له فيها و حول اليها الخمارين و القيان وتقدم بصلته وبره، وأفرد له منزلا سريا يصلح ان يزوره فيه، فلما وافى موسى بن الجواد، تلقاه اخوه ابو الحسن الهادي في قنطرة وصيف فسلم عليه وقال له: إن هذا الرجل قد احضرك ليهتكك و يضع منك، فلا تقر له انك شربت نبيذا قط، واتق اللّه يا اخي ان ترتكب محظورا، فقال له موسى: وانما دعاني لهذا فما حيلتي، فكرر عليه ابو الحسن مقالته الاولى ولكن موسى لم يستجب لطلبه، فلما رأى منه الخلاف، قال له: ان المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه انت و اياه ابدا، ويدعي الراوي ان موسى اقام ثلاث سنين يبكر فيها كل يوم الى باب المتوكل فيقال له مرة هو في شغل هذا اليوم، ومرة يقال له قد سكر، و أخرى قد شرب دواء وهكذا حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه على شراب في يوم من الأيام التي كان قد اعدها لذلك.
سُعي بالامام الهادي إلى المتوكل وادُّعِي عليه بأن في بيته سلاحاً وكتباً من شيعته وأوهموه بأنه يطلب الخلافة لنفسه فوجّه إليه المتوكّل بعدة من الجنود الأتراك فكبسوا بيته ليلاً على حين غرة منه، فوجدوه وحده في غرفة مغلقة، وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ليس بينه وبين الأرض من بساط إلا الرمل والحصا فأخذ على الصورة التي هو عليها، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل فمثل بين يديه والمتوكل يتعاطى الشراب، وفي يده كأس فلمّا رآه عظمه وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في داره شيء مما قيل عنه ولا حجّة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكّل الكأس التي بيده فقال: ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه فأعفاه، وقال له: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للشعر، قال المتوكّل: لا بدّ أن تنشدني، فأنشده:
باتوا على قلل الأجيال تحرسـهم***غلب الرجال فـما أغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلـهم***فأودعوا حـفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ مـن بعدما قـبروا***أين الأسـرّة والتيـجان والحلـل
أين الوجوه التـي كانــت منعّمة***من دونها تُضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهـم حين سائلهم*** تلك الوجوه عليها الـدود يقـتــتل
قـد طالما أكلوا دهراً وما شربوا***فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِـلوا
وطالما عمّـروا دوراً لتُحصنهـم ** ** ** ففارقوا الدورَ و الأهلينَ وارتحلوا
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا ** ** ** فخلّفوها على الأعـداء وانتقلـوا
أضحت منازلُهـم قفـراً معطلـةً ** ** ** و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الخليفـةَ إذ وافـت منيتـهُ ** ** ** أين الحماة و أين الخيلُ و الخـولُ
اين الرماةُ أمـا تُحمـى بأسهمِهـمْ ** ** ** لمّا أتتـك سهـامُ المـوتِ تنتقـلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا ** ** ** أين الجيوش التي تُحمى بها الدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعـوا ** ** ** عنك المنية إن وافى بهـا الأجـلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصـلاً ** ** ** من روحه بجبالِ المـوتِ تتصـلُ
لقد عاصر الإمام الهادي عليه السلام، عدداً من خلفاء بني العباس وهم :المعتصم، الواثق، المتوكل، المستنصر، المستعين، المعتز. إن طرق المواجهة التي اعتمدها الإمام مختلفة واعتمدت على ركنين:الجانب التهذيبي: من خلال التركيز على طاعة اللَّه تعالى. الجانب التنظيمي: وذلك من خلال التركيز على الوكلاء وتنظيم المجتمع. من ناحية اخرى إن المراقب لسيرة الإمام الهادي عليه السلام، يعرف أن الإمام استخدم منهجاً تربوياً متكاملاً من أجل بناء المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف وتقديم نموذج للمجتمع الإيماني الذي كان يمثله أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم. وهذا المجتمع لا بد من بنائه من الداخل والخارج لذلك اعتمد في مجال بناء النفس على ركنين:
الأول: بناء النفس من خلال تهذيبها وربطها بخالقها تعالى(الجانب التهذيبي). وقد اعتمد الإمام وسائل كثيرة للبناء الروحي للمجتمع منها: الرسائل المكتوبة، الربط بالمعصومين عبر ظاهرة الزيارة فقد صدر عنه: الزيارة الجامعة، و زيارة أمير المؤمنين يوم الغدير، وزيارات متعددة للأئمة عليهم السلام.
الثاني: بناءها من أجل قدرتها على تجاوز المحن والصعاب(الجانب التنظيمي).
إن مفهوم الإمامة الذي يعني قيادة الأمة إلى الخير والصلاح في الدنيا والاخرة اقتضت من الإمام أن يمارس الجانب التنظيمي في المجتمع من أجل حمايته من حبائل السلطة الغاشمة التي كانت تتربص بالمؤمنين وبإمامهم عليه السلام الدوائر. كانت حياة الإمام عليه السلام مقرونة برقابة شديدة من قبل الحكام العباسيين، ورغم ذلك كان للتشيع انتشاره في كل العالم الإسلامي، واتبع الإمام أسلوب الوكالة للارتباط بأتباعه وشيعته في العالم ، فكيف كان هذا النظام؟
كان الوكلاء يتولون تنظيم عملية الاتصال بين الإمام عليه السلام والشيعة، خصوصاً في العناوين التالية:
*1-استلام الخمس من الشيعة وإيصاله للإمام عليه السلام .
*2- الاجابة على المسائل الفقهية والعقائدية.
*3- التعريف بالإمام عليه السلام وتمهيد الأرضية له.
وكان ارتباط هؤلاء بالإمام عليه السلام يتم غالباً من خلال كتب يرسلونها إليه مع من يوثق به. وكان من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام علي بن جعفر الوكيل، وقد سُعي به إلى المتوكل فقبض عليه وحبس، وقضى فترة طويلة في السجن. وإبراهيم بن محمد الهمداني وغيرهم...
ومن عطاءاته العلمية عليه السلام، أنه واصل نشاط مدرسة الأئمّة المعصومين عليهم السلام من حيث المنهج والمادة، ومهّد لمدرسة الفقهاء والمحدثين من أصحابه التي سارت على خطاها حتى اكتملت في زمان ولده الامام العسكري عليهالسلام، فكان للإمام الهادي عليه السلام دورٌ بارزٌ في إغناء تلك المدرسة وتغذيتها بروح الشريعة الغراء، وسنة المصطفى السمحاء، ورفدها بالمادة العلمية اللازمة لديمومتها واستمرار عطائها.
كما أعدّ جيلاً من رواد الفكر الاصيل الثقات فكانوا رواة وطلاباً وفقهاء ومؤلفين ووكلاء منتشرين في طول البلاد وعرضها، يحرصون على تبليغ رسالته عليه السلام وإيصال كتبه ورسائله وهي تحمل أحكام الشريعة والعقيدة إلى قواعده في مختلف أطراف البلاد الشاسعة، وتمكّن بالاشراف عليهم عن طريق التواقيع والمراسلات أن يكون له امتدادات واسعة في المواقع الاسلامية تؤمّن له الاتصال والتواصل مع قواعده الشعبية في ظلّ تلك الظروف العصيبة، فيخطط لسلوكها ويحمي وجودها وينمي وعيها، ويمدها بكل الأساليب التي تساعد على صمودها وارتقائها إلى مستوى الحاجة الاسلامية. ونسبت إلى الإمام الهادي عليه السلام، عدّة كتب ورسائل ومسائل في مجال الأحكام والشرائع والتفسير والأدعية والحكم والمواعظ والوصايا التربوية والبيانات المفصلة في تفسير القرآن وغيرها، وقد وصلنا العديد منها مدونة في مصادر الحديث والرجال. وكان له عليه السلام دور بارز في ترسيخ مبادىء العقيدة، وترك في هذا الاتجاه بحوثاً كلامية وعقائدية عديدة انبرى فيها لخدمة مبادئ الاسلام الحقة والدفاع عن أصوله ونشر فروعه، ولعل أهمّ تلك البحوث رسالته المطولة إلى أهل الاهواز التي تعرّض فيها للردّ على فكرة الجبر والتفويض باعتبارها من المسائل التي أُثيرت بقوة في ذلك الوقت بحيث كانت سبباً للاختلاف بين أصحابه الى حدّ الفرقة والتقاطع والعداوة، فوضع الامام عليه السلام النقاط على الحروف في هذه المسالة الحساسة. كما تعتبر زيارة الأئمّة عليهم السلام الموسومة بالزيارة الجامعة والمروية عنه، مدرسة سيارة لتعليم العقيدة الإسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها.
ومن جملة القضايا المطروحة بقوة أيضاً في ذلك الوقت، مسألة خلق القرآن التي أثارها الحكم العباسي في زمان المأمون والمعتصم والواثق لأسباب سياسية واعتقادية، فأحدثت فتنة ومحنة بين صفوف الناس على مختلف طبقاتهم وذهب ضحيتها الكثيرون، وأثارت الفرقة والاحقاد والضغائن بين المسلمين. وكان جواب الامام الهادي عليه السلام لاصحابه واضحا، يقوم على اعتبار الجدال في القرآن بدعة، مع التفريق بين كلام اللّه تعالى وبين علمه، فكلامه تعالى محدث وليس بقديم، قال تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث "، وأما علمه فقديم قدم ذاته المقدسة، وهو من الصفات التي هي عين ذاته.
تصدى الإمام عليه السلام لبعض الفرق التي كانت تموج بها الساحة الاسلامية آنذاك والتي رفعت راية الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة، مبيناً زيفها وبطلانها، فكان له موقف حازم تجاه بعض الفرق التي توقفت على بعض الأئمّة عليهم السلام كالواقفة والفطحية، كما حذر أصحابه من الاختلاط بالصوفية الذين يظهرون التقشف والزهد لإغراء عامة الناس وبسطائهم وغوايتهم.
وانطلاقاً من مسؤوليته الرسالية في الدفاع عن العقيدة الاسلامية المقدسة ومبادئها السامية ومكافحة الكفر والالحاد، اتخذ الامام عليه السلام مواقف صارمة من الغلو والغلاة الذين استفحلوا في زمانه، فكانوا من المعاول الهدامة التي أرادت الاجهاز على الاسلام وعقائده الحقة بجملة مقالات باطلة خرجوا بها عن الجادة؛ كوصفهم الامام عليه السلام بالألوهية، واستهتارهم بالسنن الالهية، وإسقاطهم الفرائض عمن دان بمذهبهم، وإباحتهم كل ما حرم الله ونهى عنه كنكاح المحارم واللواط وقولهم بالتناسخ وما إلى ذلك من المفتريات، فأعلن الامام عليه السلام عن كفرهم وضلالهم، وصرح بلعنهم والبراءة منهم، ودعا إلى نبذ أتباعهم ومقاطعتهم والاستخفاف بهم وتكذيب مقالاتهم الباطلة، وحذر شيعته وسائر المسلمين من الاتصال بهم أو الانخداع بمفترياتهم، حرصاً منه على تنزيه تعاليم الاسلام من التشويه والتحريف والافتراء وتصحيحاً للمسار الاسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف.
وكان عليه السلام علماً للهداية والاصلاح والارشاد بما يتحلى به من صفات الكمال وحسن السيرة والتفوق العلمي واسماع الموعظة وما ظهر على يده من كرامات حباها الله له، فاستطاع أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا فانحرفوا عن جادة الطريق فاهتدوا ببركته عليه السلام إلى ساحل الامان، وخرجوا من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم وصراط الهداية.
لقد وصل الامام الهادي عليه السلام هذه العطاءات ولم تلن له قناة في أداء رسالة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهداية أمته، متحملاً الأهوال صامداً صابراً كالطود الشامخ حتى مضى شهيداً في اليوم الثالث من شهر رجب في سنة 254هـ عن عمر 41 عام في مدينة سامراء أثر سم دسه إليه، وهو من أنصح خلق الله لخلقه، وأحرصهم على دينه وشريعته، وأصبرهم على بلائه، وأخوفهم من سخطه وعقابه.
من حكمه واقواله عليه السلام:
* قال الإمام الهادي (عليه السلام): من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين.
* وقال عليه السلام: إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به نأى في قربه وقرب في نأيه كيف الكيف بغير أن يقال كيف وأين الأين بلا أن يقال أين هو منقطع الكيفية والأينية الواحد الأحد جل جلاله وتقدست أسماؤه.
*وقال عليه السلام: الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبى.
* وقال عليه السلام: إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا.
* وقال عليه السلام: من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك.
* وقال عليه السلام: من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.
*وقال عليه السلام: الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون.
*وقال عليه السلام:الناس في الدنيا بالمال، وفي الآخرة بالأعمال.
*وقال عليه السلام: إن من الغرة بالله أن يصر العبد على المعصية ويتمنى على الله المغفرة.
* وقال عليه السلام: من أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحلّ به سخط المخلوقين.
المصدر: موقع العالم