الرغائب...صلاة لم يأت على ذكرها الفقهاء

الثلاثاء 20 مارس 2018 - 06:52 بتوقيت غرينتش
الرغائب...صلاة لم يأت على ذكرها الفقهاء

وبعد أن تبيّن أنّ للرواية سنداً واحداً، وهو الذي ذكره العلامة، وهو الذي يلتقي في معظمه برجالات ترجم لها أهل الجرح والتعديل من أهل السنة، فعلينا أن ندرس هذا السند دراسة رجالية وافية لنتعرّف على رجالاته ومدى وثاقتهم.

الشيخ حسين الخشن

سند الرواية في ميزان علم الرجال:

وبداية لا بد لنا أن نذكر هذا السند طبقاً لما جاء في إجازة العلامة لبني زهرة، يقول رحمه الله :"ومن ذلك ذكر صلاة الرغائب، روى صفتها الحسن بن الدربي، عن الحاج صالح مسعود بن محمد بن أبي الفضل الرازي المجاور بمشهد مولانا أمير المؤمنين(ع) كان قرأها عليه في محرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، قال: أخبرني الشيخ زين الدين ضياء الإسلام أبو الحسن علي بن عبد الجليل العياضي (البياضي) الرازي ببلد الري في أول شهر رجب من سنة أربع وأربعين وخمسمائة، قال: أخبرني شرف الدين المنتجب بن الحسن بن علي الحسني قال: أخبرني سديد الدين أبو الحسن علي بن الحسن الجاسبي، قال: أخبرنا المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي بالري، قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي، عن الحاج سموسم (مسموسم) قال: حدثنا أبو الفتح بن رجاء بن عبد الواحد الأصفهاني، قال: حدثنا أبو القاسم عبد العزيز بن راشد بندار الشيرازي، قال: حدثنا أبو الحسن الهمداني: قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد البصري، قال: حدثني أبي، قال : حدثني خلف بن عبد الله الصنعاني، قال: حدثني حميد الطوسي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله(ص)...

ويمكن تصنيف هذا السند إلى ثلاثة أصناف من الرواة:

رواة الشيعة وعلماؤهم، وهم فيما عدا العلامة وابن طاووس ستة أشخاص يبتدؤون بالحسن الدربي وصولاً إلى عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري، وعدد هؤلاء ستة رجال.

رواة مجهولون، وهما شخصان، أحدهما: "مسموسم" أو "سمسوسم"، والثاني هو "أبو الفتح بن رجاء (أبو نورخان) بن عبد الواحد الأصفهاني"، وهذان الرجلان المجهولان اللذان لم يذكرها أحد من علماء الرجال هما اللذان تمّ بواسطتهها انتقال الرواية إلى الفضاء الشيعي، وبعبارة أخرى: إنّه من خلالهما تمّ وصل السند "الشيعي" بالسند "السني".

رواة وشخصيات معروفة في أسانيد السنة ومترجمة في مصادرهم، ويبدأ هؤلاء بـ عبد العزيز بن راشد بندار الشيرازي وصولاً إلى أنس بن مالك، وعدد هؤلاء سبعة أشخاص.

نقد السند

وهذا استعراض سريع لحال هؤلاء الرواة جميعاً:

الحسن بن الدربي، هو الحسن بن علي الدربي عالم جليل القدر من مشايخ المحقق والسيد ابن طاووس.

الحاج الصالح مسعود بن محمد بن الفضل الرازي، قال الحر العاملي : "فقيه صالح، قاله منتجب الدين".

ضياء الإسلام أبو الحسن علي بن عبد الجليل العياضي (البياضي )الرازي ذكر الحر العاملي في وصفه وشرح حاله:" المتكلم نزيل دار النقابة بالري، ورعٌ مناظر، له تصانيف في الأصول، منها: الاعتصام في علم الكلام، ومسائل المعدوم والأحوال، شاهدته وقرأت بعضها ، قاله منتجب الدين".

شرف الدين المنتجب بن الحسن بن علي الحسني السروي، قال الحرالعاملي:" فقيه فاضل: قرأ على الشيخ المحقق رشيد الدين الجليل الرازي.

سديد الدين أبو الحسن علي بن الحسن الجاسبي ، طبّقه محقق البحار على الشيخ أبو القاسم علي بن الحسين الجاستي (وفي نسخة الجاسبي) والذي ترجمه الحر العاملي ووصفه بالفقيه الديّن، ونقل عن الشيخ منتجب الدين أنّه "صالح فاضل حافظ ثقة رأى الشيخ أبا علي الطوسي والجد (أي جد منتجب الدين) شمس الدين حسكا بن بابويه".

الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الخزاعي، ذكر الحر العاملي بشأنه: "شيخ الأصحاب بالري حافظ واعظ ثقة، سافر في البلاد شرقاً وغرباً وسمع الأحاديث عن المؤالف والمخالف وله تصانيف ... وقد قرأ على السيدين علم الهدى المرتضى وأخيه الرضي والشيخ أبي جعفر الطوسي والمشايخ سالار وابن البراج والكراجكي رحمهم الله قاله منتجب الدين".

الحاج "سموسم"، هكذا ورد اسمه في موضع من بحار الأنوار أو "مسموسم" كما ورد في محل آخر عند ذكر رواية صلاة الرغائب نفسها، وهو اسم مجهول لم نعثر له على ترجمة في كتب الرجال والتراجم عند الفريقين.

أبو الفتح بن رجاء بن عبد الواحد الأصفهاني، وهو رجل مجهول بحسب الظاهر، ولم يتسنَّ لنا التعرف عليه برغم التتبع.

أبو القاسم عبد العزيز بن راشد بندار الشيرازي، هذا الاسم موجود في أسانيد السنة، حدّث بمكة.

أبو الحسن الهمداني، هو علي بن جهضم ( جهيم ) ( ت 414هـ )، وعند ابن جهضم هذا وإلى نهاية السند سوف يلتقى سند الرواية الشيعية التي رواها العلامة في إجازته لبني زهرة مع الرواية السنية التي رواها ابن الجوزي في الموضوعات، وأما عن حال ابن جهضم مؤلف كتاب "بهجة الأسرار" هذا فيقول في تاريخ مدينة دمشق: "علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم بن سعيد أبو الحسن الهمداني الجبلي نسبة إلى الجبل، لأنّ همدان من الجبل، وهو صوفي نزيل مكة، رواياته كلها من سنخ الغرائب، وينقل أنه روى عن بعض الأشخاص أحاديث منكرة، وقد حدّث بكتابه بهجة الأسرار في القدس"، ويقول الذهبي عنه: "الشيخ الإمام الكبير شيخ الصوفية بالحرم أبو الحسن علي بن عبد الله مصنف بهجة الأسرار .. وليس بثقة، بل متهم، يأتي بمصائب، قال ابن خيرون: قيل إنه يكذب"، وفي ميزان الاعتدال: "متهم بوضع الحديث.. قال ابن خيرون: تُكلِّم فيه، قال: وقيل إنه يكذب، وقال غيره: اتهموه بوضع صلاة الرغائب"، وقال ابن حجر: متهم بالكذب.

أبو الحسن علي بن محمد بن سعيد البصري مجهول، قال في لسان الميزان بـ أنّه: "شيخ لعلي بن جهضم، روى عن ابن جهضم عنه عن أبيه عن خلف بن عبد الله الصنعاني عن حميد عن أنس رضي الله عنه ذكر "صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من رجب"، أخرجه أبو موسى المديني في "وظائف الليالي والأيام" وابن الجوزي في الموضوعات، قال أبو موسى: "غريب لا أعلم أنّي كتبته إلاّ من رواية ابن جهضم، ورجاله غير معروفين إلى حميد، وقال ابن الجوزي: "اتهموا به ابن جهضم، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الأنماطي الحافظ يقول: رجاله مجهولون وقد فتشت عنهم الكتب فما عرفتهم".

عن أبيه، وهو محمد بن سعيد البصري، مجهول كابنه.

خلف بن عبد (عبيد) الله الصنعاني، ذكره في لسان الميزان. فقال: "خلف بن عبيد الله الصنعاني عن حميد عن أنس رضي الله عنه بصلاة الرغائب في رجب، رواه علي بن جهضم عن علي بن محمد بن سعيد البصري عن أبيه، قال أبو موسى المديني: لا أعلم أنّي كتبته إلاّ من رواية ابن جهضم، قال: ورجال إسناده غير معروفين، وقال أبو البركات الأنماطي رجاله مجهولون وقد فتشت عنهم جميع الكتب فما وجدتهم.

حميد الطويل (وفي البحار المطبوع جاء بدل الطويل: "الطوسي"، وهو تحريف أو تصحيف، والصحيح هو الطويل) وهو حميد بن تيرويه أبو عبيدة من الذين رووا عن أنس بن مالك، وقد وثقه علماء الرجال من أهل السنة، ومنهم: ابن معين والعجلي وأبو حاتم (ت: 142هـ).  
أنس بن مالك، وهو صحابي معروف، وشهرته تغني عن الإسهاب في الحديث عنه.

وهناك رواة آخرون تفرد بهم سند الرواية السنية وهم الذين وقعوا قبل ابن جهضم، وهم أشخاص مجهولون كما شهد بذلك بعض العلماء، ففي الموضوعات: "وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عنهم جميع الكتب فما وجدتهم".

موقف فقهاء الفريقين من هذه الصلاة

بعد أن تعرفنا على إسناد الرواية وحال رواتها لجهة الوثاقة والضعف، فلا بد أن نطلّ على الموقف الفقهي منها ، فكيف تلقى الفقهاء صلاة الرغائب؟

موقف الفقهاء من أهل السنة

المشهور لدى فقهاء أهل السنة أنّ صلاة الرغائب موضوعة، ولا أصل لها، قال محمد بن أحمد الشربيني الشافعي (ت: 977هـ): " قال في المجموع: ومن البدع المذمومة: صلاة الرغائب اثنتا عشر ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب".

وفي كشف الخفاء للعجلوني: "ومن الأحاديث الموضوعة ما جاء في فضيلة أول ليلة من رجب الصلاة الموضوعة فيها التي تسمى صلاة الرغائب لم تثبت في السنة ولا عند أئمة الحديث وإن ذكرها صاحب الإحياء وصاحب مؤنس القلوب .."، وأدرجها الشربيني الشافعي (ت:977هـ) في عداد " البدع المذمومة..".

وفي إعانة الطالبين للبكري الدمياطي الشافعي (ت:1310هـ): "ومن البدع المذمومة التي يأثم فاعلها ويجب على ولاة الأمر منع فاعلها صلاة الرغائب اثنا عشر ركعة".

وممن صرّح بكونها بدعة البهوي.

ويتحدث العلامة المباركفوري (ت:1353هـ) عن صلاة مبتدعة - في رأيه - وهي صلاة ليلة النصف من شعبان المعروفة بالصلاة الألفية وهي مائة ركعة بالإخلاص عشراً عشراً ويذكر أنهم اهتموا بها أكثر من الجُمع والأعياد مع أنها موضوعة ولم يأت بها خبر إلاّ ضعيف أو موضوع، ثم يقول: "وأول حدوث لهذه الصلاة ببيت المقدس سنة 448هـ وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوهما شبكة لجمع القوم وطلباً للرياسة".

وقال الفتني (ت:986هـ) تذكرة الموضوعات ص 43- 44: "وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق، في اللآلي: "فضل ليلة الرغائب واجتماع الملائكة مع طوله وصوم أو دعاء وصلاة اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب مع الكيفية المشهورة" موضوع رجاله مجهولون قال شيخنا وفتشت جميع الكتب فلم أجدهم، وفي شرح مسلم للنووي احتج العلماء على كراهة صلاة الرغائب بحديث "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام"، فإنها بدعة منكرة من بدع الضلالة والجهالة وفيها منكرات ظاهرة قاتل الله واضعها ومخترعها، وقد صنف الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعيها ودلائل قبحها أكثر من أن تحصى، وفي جامع الأصول قال بعد ما ذكر صلاة الرغائب مع الكيفية المعروفة واستجابة الدعاء بعدها هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين ولم أجده في واحد من الكتب الستة والحديث مطعون فيه، وفي تذكرة الآثام أن بعض المالكية مرّ بقوم يصلون الرغائب وقوم عاكفين على محرَّم فحسَّن حالهم على المصلين، لأنهم يعلمون أنهم يقعون في معصية، فلعلهم يتوبون وهؤلاء يزعمون أنهم في عبادة، وفي رسالة السماع للمقدسي: اعلم أن للشيخ ابن الصلاح اختيارات أُنكرت عليه، منها اختياره صلاة الرغائب بعد المائة الرابعة والثمانين سنة ولا مزية لهذه الليلة عن غيرها واتخاذها موسماً وزيادة الوقود فيها بدعة مما يترتب عليه من اللعب في المساجد وغيرها حرام والانفاق فيها والأكل من الحلوى [أو: الحلواء] وغيرها فيها، وأحاديث فضلها وفضل صلاتها كلّها موضوعة بالاتفاق، وقد جرت مناظرات طويلة في أزمنة طويلة بين الأئمة وأبطلت فله الحمد، وفي حديث حسن: "من أحيى سنة وأمات بدعة كان له أجر مائة شهيد".

وممن صرح بكونها موضوعة العلامة الشوكاني قال :" وقد اتفق الحفاظ على أنها موضوعة ، وألفوا فيها مؤلفات وغلّطوا الخطيب في كلامه فيها...".

ولشدة استحكام هذه الصلاة في النفوس كان بعض الناس من أهل الروم يحتالون بنذرها لتخرج من النفل والكراهة مع أن ذلك باطل"، لأن متعلق النذر لا بد أن يكون راجحاً في نفسه قبل تعلق النذر به،
في المقابل وإزاء هذا الاتجاه العام الذاهب إلى تحريم صلاة الرغائب والحكم ببدعيتها لدى فقهاء أهل السنة، فإنّ بعض علمائهم ولا سيّما من ذوي الاتجاهات الصوفية ذهبوا إلى القول بمشروعيتها، وعلى رأس هؤلاء يأتي الغزالي في إحياء علو م الدين وكذلك أبو طالب المكي صاحب قدس القلوب، وهكذا فقد اختار هذا الرأي الشيخ ابن الصلاح (ت: 577هـ)، ولكن هذا الرأي ظلّ ضعيفاً ومستهجناً، لضعف مستنده.

المؤلفات السنيّة حولها

وقد ألّف علماء السنة العديد من الكتب والرسائل بشأن صلاة الرغائب، وهي كتب أو رسائل تبنى أصحابها القول بالحرمة، وإليك بعضها:

تحفة الحبايب بالنهي عن صلاة الرغائب، تأليف: محمد بن محمد الخيضري الشافعي مفتي الشام.

ردع الراغب عن صلاة الرغائب، تأليف: علي بن غانم المقدسي (ت:1004هـ)، وقيل أنّه: "أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة".

محاورة أبطال الغرائب في إبطال صلاة الرغائب، تأليف: الشيخ سريجا بن محمد الملطي (ت: 788هـ)، وهدية العارفين.

الترغيب عن صلاة الرغائب لمؤلفه: عبد العزيز بن عبد السلام خطيب جامع دمشق (كان حياً من سنة 637) حكم فيه بكونها بدعة.

من الذي وضع الحديث ومتى؟

ذكر الكثير من الأعلام أنّ الذي وضع حديث صلاة الرغائب هو أبن جهضم (جهيم) الصوفي، قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع على رسول الله ،وقد اتهموا به ابن جهيم، ونسبوه إلى الكذب".

قال ابن كثير في ترجمه: علي بن عبد الله بن جهضم: "أبو الحسن الجهضمي الصوفي المكي صاحب بهجة الأسرار كان شيخ الصوفية بمكة، وبها توفي، قال ابن الجوزي: وقد ذكر أنه كان كذاباً ويقال: إنه الذي وضع حديث صلاة الرغائب".

موقف فقهاء الشيعة الإماميّة

لا يخفى أنّ فقهاء الشيعة لم يأتوا على ذكر صلاة الرغائب إطلاقاً في كتب الفقه في عداد الصلوات المستحبة بمن في ذلك الفقهاء الذين يعملون بقاعدة التسامح استناداً إلى أخبار "من بلغ"، ولو أنّ رواياتها وصلت إليهم - ولو بطرق ضعيفة- لنصّوا على استحبابها، كما نصّوا على استحباب الكثير من الصلوات في كتبهم الفقهية، وإنّ مراجعةً سريعة لمؤلفات الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وابن إدريس وابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة والمحقق الحلي والشهيدين وغيرهم من الأعلام والفقهاء ستفضي إلى نتيجة واضحة وهي أنّ هذه الصلاة لا عين لها ولا أثر في مصنفاتهم ورسائلهم الفقهية على تعددها وتنوعها ويكاد المرء يقطع بأنّ الشيعة لم يعرفوا عن هذه الصلاة شيئاً في تلك الأزمنة، ولا صلوها إلى أن أدخلها بعض المتأخرين في كتب الأدعية..

أجل وردت الإشارة إلى صلاة الرغائب عرضاً في بعض كلمات بعض الفقهاء المتأخرين، كالمحقق الأردبيلي، والمحقق السبزواري، والمحقق النراقي، ومن المتأخرين الذين أوردوها في رسائلهم العملية: الشيخ محمد أمين زين الدين.

وهكذا ألّف بعض العلماء وهو الشيخ محمد علي بن أبي طالب بن عبد الله الزاهدي الكيلاني الأصفهاني المولد المتوفي سنة 1811هـ " كتاب المواهب في ليلة الرغائب".

ولكن فيما عدا ذلك فإنّا لا نجد أية إشارة لها، بل نجد صمتاً إزاءها أو إهمالاً مطلقاً لها في مختلف المصادر الفقهية، كما ذكرنا، بل لم نجد لها ذكراً في الكتب المتخصص بالأدعية وأعمال الأيام ونحوها، فلم يتعرض لها الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" ولا الشيخ الطوسي في "مصباح المتهجد"، ولا القطب الراوندي(ت: 573هـ) في "الدعوات"، أجل ذكرها العلامة في مصباح الصلاح وذكرتها بعض كتب الأدعية المتأخرة زمناً على العلمين (ابن طاووس والعلامة الحلي) كالكفعمي(ت: 905 هـ) في مصباحه، والمامقاني في المرآة، والشيخ القمي في المفاتيح، والسيد الأمين في "مفتاح الجنات".

ج- علماء الزيدية

قال أحمد بن المرتضى (840هـ) في شرح الأزهار بعد أن ذكر صلاة الرغائب بكيفيتها المذكور: "قلت: قد صرّح النقاد بأنّ الحديث المروي في صلاة الرغائب موضوع وأنها حدثت في آخر القرن الخامس في بيت المقدس".

تقييم وتحقيق واستنتاج

في المحصلة يمكن القول: إنّ هذه الصلاة لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، ويمكن توضيح ذلك من خلال النقاط التالية:

أولاً: كيف يهمل المحدثون أمر هذه الصلاة؟

والشاهد الأول على ما ذكرناه من أن هذه الصلاة لا أصل لها هو خلو روايات الأئمة من أهل البيت (ع) والمصادر الحديثية للشيعة الإمامية من ذكر هذه الصلاة، ولم يعهد أنّ أحداً من الأئمة(ع) أو أصحابهم قد فعلها أو حثّ عليها وإلاّ لنقل ذلك إلينا، وهكذا نلاحظ أنّ مصادر السنة المعتبرة قد خلت من ذكر هذه الصلاة، إلى أن ظهرت في القرنين الرابع والخامس للهجرة. إنّ صلاةً بهذه الأهمية لناحية فضلها العظيم وثوابها الجزيل كيف يغفل عنها أصحاب الأصول الستة الأولية لدى السنة والكتب الأربعة الشيعية وغيرهم من المحدثين؟!

ثانياً: والفقهاء كيف يهملونها أيضاً؟

والشاهد الثاني هو أنّ المصادر الفقهية للفريقين (السنة والشيعة) لم تأت على ذكر هذه الصلاة، مع عظيم الثواب المذكور عليها والذي لا تكاد تصل إليه صلاة أخرى، فلو أنّها قد صحت عندهم أو وردت في بعض الروايات - ولو الضعيفة- لما أهملوا ذكرها في كتبهم ولا سيما الموسوعات الفقهية الكبيرة، بل لنصوا على استحبابها ولو على قاعدة التسامح في أدلة السنن، هذا مع أنهم تعرضوا لأعمال وصلوات لا تبلغ في الأهمية والثواب مستوى الثواب والأهمية المجعولين لمن صلى هذه الصلاة.

والفقهاء الشيعة السابقون على العلامة الحلي لم يتطرقوا إلى هذه الصلاة لا من قريب ولا من بعيد - كما أسلفنا - حتى في كتب الأدعية وأعمال الأيام ونحوها، بل إنّ العلامة الحلي نفسه لم يذكرها في شيء من كتبه الفقهية سواء المختصرة أو المتوسطة أو المطولة منها، وإنما ذكرها في إجازته لبني زهرة، وهذا لا يدل على تعويله عليها، لأنّه في صدد إعطاء إجازة لما وصلت إليه روايته من الأحاديث بصرف النظر عن صحتها أو وثوقه بها.أجل قد ذكرها العلامة في مصباح الصلاح، كما أسلفنا.

ثالثاً: الرواية مذكورة في كتب العبادة لا الفقه

إنّ السيد ابن طاووس كما تقدم، قد صرّح بأنّه نقل هذه الصلاة من كتب العبادات، وثمة رأي طرحه الشيخ الجليل ابن ادريس الحلي يشير فيه إلى أنّ ما يذكره الفقهاء في كتب العبادات ليس له تلك الأهمية التي يكتسبها المطلب الذي يذكرونه في كتب الفقه، قال رحمه الله في الحديث عن الاستخارة المعروفة بذات الرقاع: "والمحصلّون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلاّ ما اخترناه (اختار شرعية الاستخارة بالمعنى اللغوي وهو طلب الخير من الله) دون كتب الفقه".

إلاّ أنّ العلامة الحلي رحمه الله ضعّف هذا الكلام قائلاً في ردّه على ابن ادريس: "وأي فارق بين ذكره في كتب الفقه وكتب العبادات؟! فإنّ كتب العبادات هي المختصة به".

وهكذا فإنّ السيد ابن طاووس علّق على كلام ابن إدريس بأنّ: "الفقه إنّما كان حكم في الشرائع والديانات، لأنّها من جملة العبادات.. فالفقه من جملة العبادات"، ثم أضاف السيد ابن طاووس بعد أن حاول أن يجد لابن إدريس عذراً في كلامه الآنف: "وعلى كل حال سواء كان ذكرها في كتب العبادات أو كتب العمل والطاعات فإنّ المصنف إذا كانت كتبه على سبيل الرواية احتمل أن يقال إنّه ما قصد بذلك الفتوى ولا الدراية، وأمّا إذا كان تصنيفه في العبادات والعمل وللطاعات فقد ضمن على نفسه أن الذي يذكره في ذلك من جملة الأحكام الشرعيّة، وإلاّ كان قد دعا الناس إلى العمل بالبدع ومخالفة المراسم الإلهيّة والشرائع النبويّة، فصار على هذا كتب العبادات وكتب العمل والطاعات أظهر في الاحتجاج بما تتضمنه من كتب الفقه أو كتب الروايات".

أقول: ربما كان مقصود الشيخ ابن ادريس أنّ كتب العبادات وهي كتب الأدعية والزيارات مبنية على التسامح في أدلة السنن ولا تتعرض لعملية نقد وتمحيص كالتي تتعرض لها المباحث الفقهية.

رابعاً: وقفة مع مضمون الرواية

ومن الضروري أن نسجل وقفة مع مضمون الرواية، فإنّ هذا المضمون المبالغ في جعل الثواب الكبير على هذه الصلاة هو مدعاة للتأمل، لا من جهة أنّ هذا الثواب إذا كان بالفعل مجعولاً على هذه الصلاة لانتشرت ولم يكن ليخفى أمرها بحيث لم تعرف إلاّ في القرن الخامس للهجرة، لا من هذه الجهة فحسب، بل من جهة التحفظ إزاء مثل هذه الروايات التي تجعل هذا الثواب الجزيل على أعمال عبادية محدودة، ولسنا نشك إطلاقاً في سعة كرم الله وعظيم ثوابه ولا يحق لنا أن نحدّ من كرمه وجزيل عطائه فهو واسع الرحمة ويعطي الكثير بالقليل، إلاّ أنّ شكنا ينطلق من أنّ مثل هذه الألسنة التي تمنح هذا الثواب الجزيل على العمل اليسير ربما تكون سبباً لتزهيد الناس في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وقد تعرضنا لهذا الأمر في كتاب "هل الجنة للمسلمين وحدهم؟" فراجع.

اللهم إلاّ أن يقال: إنّ الاستغلال الخاطئ والسيء للثواب المجعول في الروايات لا يعني أنها موضوعة، ولا سيما أنّ غفران الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر أو نحوه إنما هو وارد على سبيل المقتضي المتوقف تأثيره على عدم المانع وهو فعل المعاصي، أي إنّ غفران الذنوب إنما هو "بشرطها وشروطها".

المصدر: موقع الكاتب