الشيخ حسين الخشن
شاع في أوساط المؤمنين في الآونة الأخيرة الاهتمام بصلاة خاصة تعرف بصلاة الرغائب يؤتى بها في ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب، ويعمد الكثير من المؤمنين إلى الاجتماع لها في المساجد ويؤدونها سوية على نحو المتابعة لا الجماعة، باعتبار أنّ النوافل لا تشرع فيها الجماعة، إلاّ أنّ عمليّة البحث العلمي والمتابعة الدقيقة بشأن هذه الصلاة توصل إلى قناعة مفادها: إنّها من الصلوات التي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، بل إنّ الراجح رجحاناً قوياً كونها من الموضوعات المكذوبة على لسان رسول الله (ص).
صلاة الرغائب التعريف والكيفية:
الرغائب أي ما يرغب فيه، وهي لغةً بمعنى العطاء الكثير واحدها رغيبة، وأمّا اصطلاحاً فهي ما رغّب فيه الشارع وأثاب عليه بالثواب العظيم، وقال بعضهم: "هي ما داوم الرسول(ص) على فعله بصفة النوافل، أو رغّب فيه بقوله: مَنْ فَعَلَ كذا فله كذا ، قال الحطاب: "لا خلاف أنّ أعلى المندوبات يسمى سنة، وسمى ابن رشد النوع الثاني رغائب، وسماه المازري فضائل، وسموا النوع الثالث من المندوبات نوافل، والرغائب عند الفقهاء: صلاة بصفة خاصة تُفعل أول رجب أو في منتصف شعبان".
كيفية الصلاة:
وكيفية هذه الصلاة - على ما تنص عليه الرواية الآتية والتي شكلت مستنداً لهذه الصلاة - أن يصوم المكلف يوم الخميس الأول من رجب، ثم يصلي ما بين المغرب والعشاء اثنتي عشر ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة و"إنا أنزلناه في ليلة القدر" ثلاث مرات و"قل هو الله أحد" اثنتي عشر مرة، فإذا فرغ من الصلاة صلى على النبي(ص) سبعين مرة يقول: "اللهم صل على محمد النبي(ص) الأمي وعلى آله"، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: "سبوّح قدوس رب الملائكة والروح"، ثم يرفع رأسه ويقول: "رب اغفروارحم وتجاوز عما تعلم إنّك أنت العلي الأعظم"، ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في الأولى ويسأل حاجته فإنها تقضى انشاء الله".
لماذا هذا البحث؟
وربما يتساءل البعض لماذا هذا البحث؟ وما الغرض من إثارة هذا الموضوع؟ فلنترك الناس تعبد الله وتصلي له بهذه الصلاة أو غيرها! فلماذا تصدّون الناس عن عبادة الله بدل أن تنهوهم عن فعل المنكرات المنتشرة فيما بينهم !؟ هكذا قال لي بعض الناس، وأضاف آخرون: ما الضير في أن يصلي الناس لله تعالى ونحن أحوج ما نكون إلى اللجوء إلى الله تعالى والتزود روحياً ومعنوياً ؟
والحقيقة أنّني في الأساس لم أكن بصدد كتابة بحث حول هذه الصلاة، وإنّما ألقيت محاضرة في هذا الشأن على طلاب الحوزة العلمية في بيروت، وتمّ نشرها على بعض المواقع الالكترونية، وبسبب ردود الأفعال المتفاوتة إزاء هذا البحث ودفعاً لبعض الشبهات التي وقع فيها البعض ارتأيت التوسع قليلاً في الموضوع عسى أن يكون نافعاً ومفيداً بعون الله وتسديده، لا أريد من خلال هذا الكلام التقليل من أهمية هذا البحث وأمثاله، كلا فكل بحث يتصل بتصحيح الأخطاء والممارسات التي يقع فيها البعض هو بحث له أهميته الخاصة.
بالعودة إلى الأسئلة المشار إليها والتي تطالبنا بتقديم مبرر لهذا البحث وتسألنا عن جدواه فإننا نقول بأن هذه القضية المطروحة للبحث وأمثالها تتصل بمسألة تشريعية حساسة، وهي مسألة التشريع الذي هو حق من حقوق الله تعالى، والذي قد يتم تجاوزه من قبل بعض المؤمنين من دون قصد، لأنّ ثمة خيطاً رفيعاً - في بعض الأحيان - بين السنة والبدعة.
ومع اتضاح ذلك فإننا نقول: إنّه غير خافٍ على أهل العلم والفضل وعامة المؤمنين أنّ الصلاة عبادة، وأنّ العبادات أمور توقيفية وتحتاج إلى نصٍ يثبت شرعيتها، وإلاّ كان الإتيان بها ابتداعاً في دين الله، وهو محرّم بالإجماع، لأنّ التشريع بيد الله دون سواه، {آلله أذن لكم أم على الله تفترون} (يونس: 59)، ومن هنا ورد النهي في الأحاديث المعتبرة عن أنواع متعددة من الصلوات التي لم يرد فيها أمر شرعي، وذلك من قبيل "صلاة الضحى" التي وصفتها الروايات الصحيحة الواردة عن الأئمة (ع) بالبدعة وغبرها من الصلوات.
والوجه في هذا النهي هو - بالإضافة إلى ما أسلفناه عن أنّ التشريع هو حق الله - أنّ فتح هذا الباب سيؤدي إلى نوع من الفوضى على هذا الصعيد، إذ من الممكن حينها أن يعمد كل مكلف إلى صلاة معينة وأن يعبد الله بالطريقة التي تحلو له، مع أنّ الله تعالى – بحسب الظاهر والمستفاد مما ورد في النهي عن ابتداع عبادات خاصة - أراد لنا أن نعبده كما يحب وكما أراد وخطط ، لا كما نريد نحن أو نحب، فهو أعلم بنا وبمصالحنا وما ينفعنا أو يضرنا.
على أنّه لا مبرر إطلاقاً لأن نبتدع نحن صلوات خاصة، فإنّ الله تعالى قد نظّم لنا برنامجاً عبادياً متكاملاً يكفل سمونا الروحي والمعنوي ولم يترك فراغا أو نقصا لنأتي نحن ونملأه، والبرنامج العبادي الذي أعده الله على صعيد الصلوات يتمثل بنوعين من الصلوات: الصلاة المفروضة على اختلافها من يومية أو غيرها ، والصلوات المندوبة الليلية أو النهارية أو التي تؤدى في مناسبات شتى. ولمن أراد الاستزادة من العبادة الصلاتية، فقد فتح الله له باباً عاماً يتمثل بالصلاة المندوبة والتي تؤدى في كل زمان أو مكان، على قاعدة "أنّ الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر" كما ورد في بعض الأخبار.
ولو أراد المكلف الإتيان بهذه الصلاة المندوبة والتي ثبت استحبابها بالعنوان العام في وقت معين كالصباح مثلاً أو مكان خاص، كالمسجد مثلاً، فلا محذور في ذلك إطلاقاً، لكن شريطة أن لا ينسب تلك الخصوصية إلى الشريعة، لأنّها نسبة بغير دليل وهي توقع صاحبها في التشريع المحرّم. وهنا يظهر الخيط الرفيع بين الامتثال بالسنة والارتطام بالبدعة، فأي صلاة يراد الإتيان بها بكيفية خاصة أو زمان أو مكان خاصين مع نسبة الكيفية إلى الشرع الحنيف فإنها تحتاج إلى نص خاص في المسألة يصحح تلك النسبة، وإلا كانت بدعة محرمة، ويقع صاحبها في الحرام في الوقت الذي يريد هو عبادة الله.
نظرة تاريخية
تكشف المتابعة التاريخية أنّ بدء ظهور هذه الصلاة ( صلاة الرغائب) كان في القرن الثالث حيث "اختلق بعض الكذابين حديثاً في فضلها، ثم اشتهر في القرن الرابع.."، وقد شاعت في أوساط المسلمين من أهل السنة في القرنين الرابع والخامس الهجريين واستحكمت في نفوس العامة منهم، وربما أفتى باستحبابها بعض علمائهم، ولكن لم يمض وقت طويل حتى أدرك فقهاؤهم بدعيّة هذه الصلاة واتهموا بعض الصوفية بوضعها، وعملوا على مواجهتها بشتى السبل، مستعينين على ذلك بأجهزة السلطة الحاكمة، لتنحسر عندهم مع مرور الوقت، ولم يعد – بحسب الظاهر- يفتي بجوازها أحد منهم، بل لم تعد تصلى حتى من قبل عوامهم في زماننا هذا وما سبقه.
والغريب في الأمر أنّ هذه الصلاة وبعد أن انحسرت في الأوساط السنية وواجهها علماء السنة وحكموا بكونها بدعة، وتركها العامة والخاصة منهم، فإذا بها تتسرب بطريقة أو بأخرى إلى أوساط الشيعة دون أن يكون لها مصدر يعوّل عليه في كتبهم الحديثيّة ! ويلاحظ أنّها قد اكتسبت في السنوات الأخيرة أهمية خاصة واحتلت مكانة راسخة في النفوس، وازداد الإقبال عليها عاماً بعد عام، ولا سيّما بعد أن تمّ الترويج لها والدعوة إلى إحيائها في المساجد من خلال وسائل الإعلام، ونقدر بأنّ هذا التسرب هو إحدى النتائج الطبيعية للتوسع الكبير في تطبيق قاعدة التسامح في أدلة السننن.
في الجزء الآتي من هذه المقالة ، سنلقي نظرة على المستند الروائي لصلاة الرغائب، ونبدأ بمصادر السنة، لأنّها - باعتقادنا- الأصل لهذه الصلاة، ثم نلاحظ بعد ذلك ما جاء في مصادر الحديث الشيعية.