الشيخ محمد صنقور
هذا الامر لايمكن التثبُّت من وقوعه أو عدمه، وذلك لعدم تصديِّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) لاثباته أو نفيه، ولايمكن التعرُّف على ذلك من طريقٍ آخر نظراً لكون الامام المهدي (ع) مكلَّفًاً بالغيبة، وهي تقتضي خفاء معالمه وشئونه الخاصة.
و لعلَّ منشأ عدم تصدي الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) لبيان الاحوال الخاصة للامام المهدي (ع) هو عدم أهمية هذا الامر فهو من الشئون الخاصة التي لايترتب عن معرفتها سوى إشباع الفضول، فما هو دخيل في إثبات وجود الامام المهدي (ع) قد تصَّدت الروايات لاثباته بما لا يدع مجالاً للشك والارتياب حتى بلغت الروايات في ذلك حداً يفوق التواتر القطعي بمراتب، فليس ثمة من قضيةٍ من قضايا العقيدة حظيت بما حَظيَ به هذا الامر من عناية، فمنذ العصر النبوي الشريف وحتى رحيل الامام العسكرى (ع) دأب أهل البيت (ع) على الحديث عن هذا الشأن وعن كلِّ ما يتصلُ به من شئون بما يكون ماّله الترسيخ للاعتقاد بكون الامام المهدي (ع) هو الامام الثاني عشر وانَّه يلي الامامة بعد رحيل والده الامام الحسن العسكري وانَّ له غيبتان تمتدُّ الثانية إلى ما شاء الله تعالى ثم يخرج فيملأ الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وعلى أي حال فما وقفنا عليه من الروايات التى يمكن الاستشعار منها بتزوُّج الامام المهدي (ع) في عصر الغيبة وانَّ له ذرية هو ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة بسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: "إن لصاحب هذا الامر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات ويقول بعضهم: قُتل، و يقول بعضهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه الا نفر يسير لا يطلع على موضعه أحد من ولده و لا غيره الا المولى الذي يلي أمره" (1).
فقوله (ع): "لا يطلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره" يُشعر بانَّ له في عصر الغيبة ذرية، و ذلك يقتضي ان يكون متزوجاً إلا ان الامر لا يتجاوز الإشعار، و ذلك لاحتمال انَّ الامام الصادق (ع) أراد من قوله ذلك التعبير عن شدَّةِ خفاء المهدي (ع) و ان أحداً لا يطلع على موضعه و إن كان من أخص الخواص و اختار التمثيل بالُولْد لانَّهم كذلك، فالامام لم يكن بصدد إثبات انَّ للمهدي في عصر الغيبة أولاد و إنما كان بصدد بيان شدة خفائه، فلعل المتلقِّي لكلامه يفهم ان غيبته و خفاءه يكون عن عموم الناس دون الخواص فأراد الامام نفيَ هذا الاحتمال بالتمثيل بأقرب الناس عادةً للانسان.
على انه لو كانت الفقرة المذكورة ظاهرة في انَّ للامام المهدي (ع) أولاد في عصر الغيبة إلا انها رغم ذلك لاتكون صالحة للاثبات نظراً لاختلاف نسخ الرواية فقد أورد النعماني في كتاب الغيبة عين هذه الرواية سنداً ومتناً إلا انه ذكر بدلاً من كلمة "ولده" كلمة "ولي".
فنص الفقرة التى وردت في كتاب الغيبة للنعماني هي "لايطلع على موضعه أحد من وليِّ ولا غيره" (2) وعليه فمن غير المُحرَز أي اللفظين هو المنقول عن الراوي عن الامام الصادق (ع) هل هو الذي أورده الشيخ الطوسي أو هو الذي ورد في كتاب الغيبة للنعماني ، فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار من هده الجهة.
نعم لا يبعد ان الأصح من النسختين هو ما ورد في كتاب الغيبة للشيخ النعماني ، وذلك لأنه لو كان ماصدر عن الإمام "ع" هو قوله " من ولده " لكان المناسب أن يقول بعده "ولا غيرهم " لا أن يقول : "ولا غيره ".
و دعوى ان كلمة "ولده " مفرد، فيكون المناسب هو العطف بقوله: "ولا غيره" مستبعدة، لأنه لو كان الولد مفرداً لما كان المناسب دخول حرف "من"، و كان الأولى القول "لا يطلع على موضعه و لدٌ ولا غيره " فدخول حرف" من "البيانية قرينة ظنية على إرادة الجمع من كلمة "ولده"، و لهذا كان المناسب العطف على الجملة المذكورة بالقول "ولا غيرهم"، و حيث ان الجملة المعطوفة كانت "و لا غيره" في كلا المصدرين لذلك كان الأقرب للصواب هو ما ورد في كتاب الغيبة للنعماني وهي قوله: "لا يطلع على موضعه ولي ولاغيره".
والمتحصل مما ذكرناه انه ليس لدينا ما يمكن التمسك به لإثبات أو نفي تزوُج الإمام المهدي (ع) في عصر الغيبة، نعم المظنون قوياً هو تزوُج الإمام (ع) لأنه من السنن النبوية المؤكدة، و لأن ذلك لا يتنافى مع تكليفه بالغيبة والذي لا يقتضي أكثر من خفاء هويته، لذلك ثبت انه يحضر الموسم في الحج و يراه الناس و إن لم يتعرفوا على هويته.
الهوامش:
(1)الغيبة - الشيخ الطوسي - ص 162.
(2) كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 176.
المصدر: مركز الهدى للدراسات الإسلامية