الشيخ الطوسي‏...نجم في سماء العلم و الفضيلة

الأحد 18 مارس 2018 - 03:40 بتوقيت غرينتش
الشيخ الطوسي‏...نجم في سماء العلم و الفضيلة

بقي الشيخ الطوسي حتى سنة 449 هـ في بغداد يسعى دائماً لأجل تربية وتعليم العلماء والمجتهدين، حتى أحس المنافقون وأعداء الدين بخطر هذه الوحدة الكبرى للمسلمين فبدأوا بإشاعة التفرقة...

ولادته:

ولد الشيخ الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن سنة 385 هـ في جوار مرقد الإمام الرضا (ع) في طوس التي كانت تعتبر في ذلك الزمان مركز علوم أهل البيت (ع)، وجامعة كبرى للمعارف الإسلامية، وجاذبة عشاق الإمام الثامن (ع) إليها من القريب والبعيد.

الهجرة الأولى:

عندما بلغ الشيخ الطوسي سن العشرين هاجر إلى بغداد عالماً ومفسِّراً كبيراً للقرآن الكريم. وبالرغم من أن المؤرخين لم يذكروا شيئاً عن هذه الفترة من حياة هذا العالم الكبير، لكن يمكن اعتبار هذه الهجرة السفر الأول له للوصول إلى التكامل العلمي ونهل العلوم الإسلامية المختلفة على يد بحر المعارف والعلوم والآداب وأستاذ الزهد والتقوى، زعيم الشيعة في ذلك الزمان الشيخ المفيد رضوان الله عليه.

بقي الشيخ الطوسي في محضر أستاذه الكبير مدة خمس سنوات استفاد فيها من البركات العظيمة لوجوده الشريف، ولم يبارحه في تلك الفترة حتى جاءت دعوة الحق وانتقل الشيخ المفيد إلى جوار ربه عام هـ413

بعد الشيخ المفيد انتقلت الزعامة الدينية وإمامة المذهب إلى التلميذ الألمع والأبرز للشيخ المفيد (علم الهدى) فاغتنم الشيخ الطوسي هذه الفرصة واعتبر أن ملازمة هذا الأستاذ أمرٌ واجب عليه فاستفاد من محضره الشريف استفادات كبيرة، مما أوجب عناية السيد به وتقديمه على غيره من التلامذة. استمرت هذه الملازمة مدة ثلاث وعشرين سنة إلى حين وفاة هذا  الأستاذ العظيم.

في ذلك الزمان لم يكن هناك في سماء العلم والفضيلة من هو أظهر وأنور من الشيخ الطوسي، فأمسك هذا العظيم بزمام القيادة، وأصبح بيته في كرخ بغداد مأوىً وملاذاً للأمة تهرع إليه لحل مشكلاتها ومعضلاتها وتطلب منه كشف أسرار العلوم وكوامن معقدات الأحكام الفقهية. وكم كان مجلسه يشبه مجلس درس مؤسس المذهب الإمام الصادق (ع). وفي كتاب «الكنى والألقاب» ذكر المرحوم الشيخ عباس القمي أكثر من 300 مجتهد شيعي من تلامذته وعدداً كبيراً من علماء السنّة أيضاً.

* الهجرة الثانية:

بقي الشيخ الطوسي حتى سنة 449 هـ في بغداد يسعى دائماً لأجل تربية وتعليم العلماء والمجتهدين، حتى أحس المنافقون وأعداء الدين بخطر هذه الوحدة الكبرى للمسلمين فبدأوا بإشاعة التفرقة. لكن الشيخ استطاع بحكمته وحزمه أن يخمد نيران هذه الفتنة إلى حد كبير. إلا أن هذه الجراثيم التي تعيش في كل العصور لم يهدأ لها بال ولم تدخل نصائح الشيخ إلى قلوبها المظلمة، حتى اشتعلت نيرانها مجدداً لتحرق نوافذ النور، وإذا بها تأكل أكبر مكتبة شيعية كانت لأهميتها تسمى بـ «دار العلم». يقول الكاتب محمد كرد علي في الجزء السادس من كتاب «خطط الشام»:

«كان هذا المركز العلمي يحوي أكثر من عشرة آلاف من أكثر الكتب والآثار العلمية اعتباراً وأشدّها ندرة».

ولم تنحصر هذه النيران في هذه المكتبة، بل تعدّى الخراب إلى منطقة كرخ وأحرقت مكتبة الشيخ الطوسي أيضاً. وكأن لا عدو لهؤلاء المنافقين في هذا العالم إلّا العلم والعلماء. ويذكر المؤرخ الكبير ابن الأثير في كتاب «الكامل»: «سنة 449 هـ تعرض منزل أبي جعفر الطوسي فقيه الشيعة في كرخ للإغارة وسرقت محتوياته».

كان الشيخ الطوسي يرى الأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم ولم يعد هناك مجال للصلح، فاضطر للهجرة حيث لجأ إلى جوار حضرة أمير المؤمنين (ع)، هذا بالرغم من أن الشيخ كان يمكن له أن يعيش‏ بكامل العزة والاحترام فيما لو هادن هؤلاء المنافقين، ولكن رجال الله الذين هم «أشداء على الكفار» لا يصالحون ولا يهادنون أعداء الله. وبما أن الشيخ لم يكن يريد العلم لنفسه وإنما في سبيل الله وخدمة الإسلام فقد ترك بغداد إلى النجف الأشرف وأسس أول حوزة علمية وجامعة إسلامية، هذا المركز الفقهي العظيم الذي قدم خدمات جليلة للإسلام والمسلمين ونال فخر وشرف المرتبة العظيمة.

* شخصيته العلمية:

بعد مرور أكثر من ألف سنة على ولادة الشيخ الطوسي نجد أن اسمه المبارك تتناقله الألسنة وتحمله الكتب دائماً وسوف يبقى هكذا حتى يوم القيامة.

ولو تساءلنا كيف تأتّى له ذلك بعد مرور القرون وتعاقب الأجيال، لأجابتنا الجهود الجليلة لهذه الشخصية النادرة عبر التاريخ، والباقيات الصالحات والآثار العلمية الهائلة التي تركها لنا. فأهم هذه الآثار الباقية التي تركها كتابي «التهذيب» و «الاستبصار» اللذين يعدان من الكتب الشيعية الأربعة المعتبرة في أصول الفقه والحديث، وهي عبارة عن «الكافي» و «من لا يحضره الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار».

إحدى المميزات المهمة لتأليفات الشيخ الطوسي أصالتها، فكتبه تعد عندنا من الكتب الأساسية والأصلية. هذا وقد استفاد الشيخ الطوسي من مكتبة السيد المرتضى بعد وفاته والتي كانت تحوي أكثر من ثمانين ألف كتاب، حيث ألَّف خلال هذه الفترة كتابي «التهذيب» و «الاستبصار». ولم يكتف بهذين الكتابين، بل انكب على وضع الكتب في مجال العلوم والفنون الكثيرة من قبيل: الفقه والأصول والتفسير والكلام والرجال والأدعية والحديث، حيث استفاد منها العلماء استفادات جليلة عبر التاريخ.

* وفاته:

بعد انقضاء 22 سنة من عمره الشريف في النجف الأشرف (75 سنة) ودَّع هذه الدنيا في ليلة 22 من محرم الحرام عام 460 هـ وهاجر إلى الدارالآخرة والمنزل الأبدي، وبناءً على وصيَّته دفن في منزله حيث تحول حسب وصيته إلى مسجد يعرف الآن بمسجد الطوسي.

كتبه‏

ذكرالشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه الله في كتابه «حياة الشيخ الطوسي» 50 كتاباً من كتب هذا العالم الجليل طبع منها 16 كتاباً فقط، وهي:

1- كتاب الرجال.

2- تهذيب الأحكام.

3- الاستبصار في ما اختلف من الأخبار.

4- الخلاف (في الاختلافات الفقهية بين المسلمين).

5- التبيان في تفسير القرآن (10 أجزاء).

6- مصباح المتهجد.

7- الأمالي.

8- العدة (في أصول الفقه).

9- النهاية (في أصول وفروع الدين).

10- اختيار الرجال.

11- الفهرست.

12- المبسوط في الفقه.

13- الإيجاز في الفرائض.

14- تلخيص الشافي في الإمامة.

15- الغيبة.

16- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد.

المصدر: مجلة بقية الله