من فقهائنا : الكليني ...هذا الذي أثنى عليه الشرق و الغرب

الأحد 4 مارس 2018 - 11:49 بتوقيت غرينتش
من فقهائنا : الكليني ...هذا الذي أثنى عليه الشرق و الغرب

لم يقتصر الاعتراف بفضل الكليني على علماء الاسلام وحدهم ، بل طارت شهرته الى عالم الاستشراق حتى شهدوا بفضله ايضا ، وخير الفضل ما شهدت به الاعداء .

الاستاذ السيد ثامر العميدي

الحديث عن شخصية لامعة في سماء الفقه والحديث كشخصية الكليني (قدس سره الشريف) لا شك انه واسع الاطراف ، متعدد الجوانب ، خصب الميادين ; اذ لم يكن الكليني رحمه الله فقيها ومحدثا فحسب ، بل كان اول مجدد لمذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الثالثة وقد شهد بذلك كبار العلماء من الطرفين كما سياتي في بيان ثناء العلماء عليه .

ثم ان استجلاء معالم شخصية الكليني الفذة النادرة ، ورسم ابعادها العلمية في صحائف معدودة - مع ما لثقة الاسلام من مقام عال ، ومنزلة رفيعة ، وشان جليل ، وتضلع في الفقه ، وشهرة في الحديث ، وتتبع عبقري في الرجال ، وعطاء زاخر على مر الاجيال - لابد وان يكون على حساب ابعاد خصبة اخرى ، وعندها فلن يعطي الكليني من الدراسة حقه .

ولكن ما لم يدرك كله ، لا يترك جله ; وان تعذر علينا امر الاحاطة بحياة وعطاء علم من ابرز اعلام هذه الامة ، فلا اقل من التعرض ولو لبعض ملامح تلك الحياة وذلك العطاء الخالد ، فنقول:

بيئته:

عاش ثقة الاسلام الكليني في حقبة حاسمة من تاريخ العصر العباسي الثاني امتدت من اوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ، وحتي الربع الاول من القرن الرابع الهجري ، وذلك في بيئتين مختلفتين ، هما الري ، وبغداد ، وقد امتازت تلك الحقبة الزمنية - الى جانب تدهور الاوضاع السياسية كثيرا - انتعاش الحركة الفكرية التي استمرت بعطائها قوية نشطة دون ان تؤثر عليها الاحداث الجسيمة كقتل الخلفاء ، او عزلهم وسمل أعينهم !

فقد برزت في الري - وحاضرتها مدينة قم المشرفة - طاقات عملاقة في الفقه والحديث وغيرهما من علوم الشريعة الاخري ، وفي بغداد - وحاضرتها الكوفة - كذلك .

لقد اصبحت هذه المراكز التي ارتادها الكليني من اهم مراكز الاشعاع الفكري في العالم الاسلامي وصارت - خصوصا الري وبغداد - ملتقى العلماء والمفكرين العظام من شتى المذاهب والفرق الاسلامية ، فقد تنوعت الثقافة ، وسادت آراء المذاهب ، وتوسعت الدراسة في تلك المراكز كالفقه ، والحديث ، والتفسير ، واللغة ، والنحو ، والادب ، والتاريخ ، وغيرها من العلوم الاخرى كالطب ، والفلك ، والرياضيات ، والجغرافيا ونحوها ، ويأتي في مقدمة تلك العلوم علوم الشريعة السمحاء التي استوعبها الشيخ الكليني استيعابا كاملا ، يشهد بذلك كتابه الخالد «الكافي » الذي احتوى من الاخبار - التي اختار روايتها الكليني - ما يشتمل على مختلف العلوم ، كالفقه ، والحديث ، والتفسير ، والاصول ، والفلسفة ، والكلام ، والعقائد ، والاخلاق ، بل وحتي اللغة ظهرت آثارها واضحة في ديباجة الكافي التي ضمنت فقرات من النثر الرائع الذي يعبر عن مدي قدرته اللغوية ، وتمكنه من صياغة الكلام بلفظ موجز مع دقة في التعبير خالطها السجع المطبوع الذي كان يمثل ابرز خصائص النثر الفني في القرن الرابع الهجري .

إسمه:

هو الشيخ محمد بن يعقوب بن اسحاق ، باتفاق جميع كتب الرجال ، والتراجم ، والتاريخ ، وقد شذ إبن الاثير (ت/630ه) في كتابه الكامل فقال: «محمد بن علي ابو جعفر الكليني ، وهو من ائمة الامامية وعلمائهم" (1) .

ولا يبعد ان تكون تسميته ب - (محمد) - سيما والمسمى والده ، وهو من الشيوخ الاجلاء المعروفين ، ومن رجالات العلم والدين - جاءت تيمنا باسم نبينا الكريم صلى الله عليه و آله وسلم ، هذا وقد صادف ان يكون اسمه الثلاثي مطابقا لثلاثة من اسماء الانبياء عليهم الصلاة والسلام .

كنيته:

وهي: (ابو جعفر) باتفاق مترجميه قاطبة ، ولعل اختياره لهذه الكنية جاء اعتزازا بكنية الامام محمد بن علي الباقر عليه السلام ; اذ ليس من باب المصادفة اكتناء المحمدين الثلاثة - (الكليني ، والصدوق ، والطوسي) اصحاب الكتب الاربعة (الكافي للكليني ، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للطوسي) - بهذه الكنية بعد ان اتفقت اسماؤهم وهم من اخص الموالىن للامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .

لقبه:

لقب الشيخ محمد بن يعقوب بالقاب كثيرة ، ويمكن تقسيمها الى طائفتين:

الاولى: ما دل منها على الشيخ الكليني من حيث المكان .

الثانية: ما دل منها عليه من حيث الصدق والوثاقة .

اما الاولى: فهي على نحوين من الالقاب ، وهما:

النحو الاول: ما دل من القابه على نشأته الاولى وموطنه الاساس ، وقد إنحصر ذلك في لقبي:

1-الكليني: نسبة الى (كلين) - بضم الكاف وفتح اللام - قرية من قري الري تقع علي بعد ثمانية وثلاثين (كيلومترا) جنوبي غرب بلدة الري الحالىة شرقي طريق مدينة قم ، بينها وبين الطريق خمسة (كيلومترات) (2) .

وقد اشتبه الفيروزآبادي (ت/1414ه)، فنسبه الى (كلين) بفتح الكاف وكسر اللام ، وهي قرية من قرى الري ايضا (3) ، وقد حرف لقبه في تاريخ الادب العربي الى (الكوليني) بدلا من (الكليني)، ولعله من المترجم (4) .

2-الرازي: نسبة الى الري ، وهو من النسب الشاذة (5) التي لا تنطبق مع حروف اصل النسبة (الري) ; اذ يقتضي ان يكون اللقب وفقا لذلك هو (الريي)، كما هو معروف في صحة اطلاق اللقب عند اقترانه بمكان معين .

النحو الثاني: ما دل منها على سكنه الاخير واقامته ، وقد انحصر ذلك في لقبي:

1-البغدادي: نسبة الى (بغداد) التي اتخذها مقرا ومقاما .

2- السلسلي: نسبة الى درب السلسلة الواقع بباب الكوفة ببغداد ، اذ اختار له سكنا بهذا الدرب ، وبقي فيه حتي الايام الاخيرة من حياته (6) .

واما الطائفة الثانية من القابه الدالة على الصدق والوثاقة ، فان اشهرها على الاطلاق (ثقة الاسلام)، وهناك مجموعة اخرى من القابه يعرفها العلماء خاصة والمتضلعون بهذا الفن لانصرافها عند الاطلاق الىه راسا ، وقد جهلها الكثيرون لطغيان (ثقة الاسلام) عليها .

وقد يكون السبب الحقيقي وراء اطلاق هذا اللقب علي الشيخ الكليني حتي عرف به واشتهر من بين سائر (ثقات الاسلام)، بل وصار له علما وغلب علي اسمه هو اتفاق علماء الرجال من اهل السنة والشيعة على وثاقته ، اذ لم اقف - بالرغم من التتبع في كتب الرجال - على من مس الكليني بسوء قط من علماء الرجال من اهل السنة .

اقول: لم يتعرض له احد منهم بجرح قط لا مفسرا ، ولا غير مفسر ، وهذا يدل على حصول الاجماع على وثاقته ، كما يدل على ان استحقاقه للقب (ثقة الاسلام) انما كان عن جدارة ، ويدل ايضا على ان لثقة الاسلام مكانة مرموقة بين سائر العلماء ، لا يمسها احد بسوء الا وقد كذب ، وافتضح امره بين اهل الاسلام .

وكيف لا ؟ وقد عده اهل السنة انفسهم - كما سيوافيك - من المجددين لمذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الثالثة .

ولادته:

لم يؤرخ احد من العلماء ولادة الشيخ الكليني قدس سره ، ولكن يمكن القول بانه ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ، فهو قد اخذ الحديث عن بعض المشايخ من اصحاب الائمة (الجواد ، والهادي ، والعسكري) عليهم السلام ، ولا يبعد ان تكون ولادته في اواخر زمن الامام العسكري عليه السلام ، ويعلم من تاريخ وفاته انه من الطبقتين السادسة والسابعة وان ما بين وفاته ووفاة الامام العسكري عليه السلام (ت/260ه) هو اقل من سبعين سنة، وعلى هذا يكون قد ادرك تمام الغيبة الصغري، بل بعض ايام الامام العسكري عليه السلام (7) .

اسرته:

تربى الكليني رحمه الله في اسرة فاضلة ، وارتشف منها - منذ نعومة اظفاره - حب الولاء لاهل البيت عليهم السلام ، وعاش في يت يكتنفه طيب الاصل كما وصفوه .(8)

اما الاب فهو الشيخ يعقوب بن اسحاق الكليني ، كان خيرا فاضلا من رجالات العلم والدين في قرية كلين(9) ، ولا زال قبره رحمه الله معروفا بهذه القرية وغيرها ، مشهورا يزار . (10)

واما الام ، فقد كانت من اسرة علمية خرجت الكثير من رجالات الفقه والحديث في هذه القرية .كجدها لابيها الشيخ ابراهيم بن ابان الرازي الكليني .

فالكليني اذن هكذا كانت اسرته ، ومنها تعرف سلامة نشاته في هذا البيت الذي توافرت فيه الاسباب وتظافرت لان تكون للمولود الجديد تربية خاصة ، ونشاة جيدة في اسرة جل اهلها من العلماء .

رحلاته العلمية:

وجد الكليني في اسرته من اسباب الرقي ما أهله في أوان شبابه الى ملاقاة العلماء في كلين واخذه العلم عنهم ، حتى اذا ما اشتد ساعده وهضم ما في كلين من علوم الشريعة راح الى الري وهي من ارقى حواضر العلم ونواديه المعروفة في ذلك العصر ، فقد خرجت الري المئات من الفقهاء والمحدثين والمفسرين ، ولازال التراث الاسلامي الذي كتب باقلام الرازيين له الفضل في رفد حركة الفكر الاسلامي الى الىوم ; ومن اجل تحصيل علوم مشايخ الري من قبل ثقة الاسلام ، نراه قد التقى بالكثيرين منهم وحدث عنهم وحدثوا عنه ، وتبادل معهم رواية الحديث سماعا واجازة .

ثم لم يلبث ان غادرها متابعا رحلته في طلب حديث اهل البيت عليهم السلام ، مركزا على احاديثهم عليهم السلام فيما يخص اصول الدين وفروعه حتى جاب بتلك الرحلة اهم المراكز العلمية في بلاد فارس متقلبا من مدينة الى اخرى ، والتقى بخلق كثير من المشايخ وحدث عنهم وحدثوا عنه لا سيما في مدينة قم المعروفة يوم ذاك بتشددها وحرصها على حديث اهل البيت عليهم السلام ، وصيانته من عبث المغالىن والوضاعين ، ولهم في ذلك قصص ليس هنا محل الكلام عنها .

ويبدو ان الكليني رحمه الله كان عازما على رحلة اوسع ومتابعة السفر الطويل في تحصيل آثار اهل البيت عليهم السلام بعد ان لمس فوائد رحلاته الاقليمية وعوائدها الطيبة ، وهذا ما نجده واضحا في تحوله الى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، ومركز الحضارة الاسلامية، ومستوطن سفراء الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) .

هذا بعد ان زار مدن العراق وحدث بها واخذ عن اهلها لا سيما الكوفة ، ذلك المركز الاسلامي العريق الذي شع منه حديث علي عليه السلام الى كل الآفاق .

ولعل بغداد كانت منطلقه الى الشام ثم العودة الىها .وعلي اية حال ، فقد كان لوصوله بغداد الاثر المهم في تحقيق سائر ما سجله من آثار العترة الطاهرة عليهم السلام . والى هذا تشير عبارة السيد ابن طاووس (ت/664ه) قدس سره.

قال: "فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب ، ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا الى تحقيق منقولاته " (11) .

وهو يعني بهذا الكلام: ان الكليني كان في بلد السفراء ، وبوسعه التاكد منهم مباشرة فيما يشك بصحته من الاخبار . ولا يفهم من هذه العبارة غير هذا المعني .

مشايخه:

تتلمذ الشيخ الكليني قدس سره على يد الكثير من المشايخ الثقات المعروفين والحفاظ المشهورين من حملة علوم اهل البيت عليهم السلام . ولا مجال لذكرهم جميعا فضلا عن ذكر ما قيل بحقهم من كلمات الثناء .

منهم الشيخ علي بن ابراهيم القمي ، وهو من اهم مشايخ ثقة الاسلام الكليني ، اخرج عنه ما يزيد على ربع احاديث الكافي .

ومنهم الشيخ محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد الهمداني ، والشيخ ابي الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي ، ومحمد بن احمد الخفاف النيسابوري ، والحسن بن الفضل بن يزيد الىماني ، والحسين بن الحسن الهاشمي العلوي الرازي ، وعلي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الكليني ، ومحمد بن محمود بن ابي عبدالله القزويني ، وحميد بن زياد نزيل سوراء ، واحمد بن محمد بن احمد بن طلحة ابو عبدالله العاصمي نزيل بغداد ، واحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي ، وكثير غيرهم ، على انا اقتصرنا على ذكر من اختلفت القابهم ومناطقهم ، والا فمشايخه الاجلاء اضعاف هذا العدد فيما احصيناه .

تلاميذه:

من المتعذر حصر تلاميذ الكليني بعدد معين ; لان الذي يحدث في مختلف الامصار الاسلامية ، لاشك بتعدد مجالسه العلمية التي كانت تضم الكثير من الفضلاء وطلاب العلوم الشرعية ، على ان عددا ليس بالىسير منهم قد تلقوا كتاب الكافي من مصنفه واستنسخوه ، ونشروه ، والى نسخهم تنتهي نسخته ، ونظرا لسمعته الطيبة ، وشهرته وثقته وامانته فقد تتلمذ على يديه مجموعة من علماء اهل السنة ، كالفقيه الشافعي محمد بن ابراهيم بن يوسف الكاتب الذي روي كتاب الكافي عن مؤلفه ببغداد (12) ، وابي سعد الكوفي شيخ الشريف المرتضى ، وابي القاسم علي بن محمد ابن عبدوس الكوفي ، وعبدالله بن محمد بن ذكوان (13) .

ومن تلامذته ايضا احمد بن احمد ابي الحسين الكوفي الكاتب ، وابي عبدالله احمد بن ابراهيم الصيمري ، وابي الحسن بن داود ، وابي الحسن العقراني ، واحمد ابن الحسين العطار ، واحمد بن علي بن سعيد ابي الحسين الكوفي ، واحمد بن محمد ابن علي ابي الحسين الكوفي الكاتب ، واحمد بن محمد بن سليمان بن الحسن ابي غالب الزراري ، وجعفر بن محمد بن موسي بن قولويه ، وعبدالكريم بن عبدالله بن نصر ابي الحسين البزار التنيسي ، وعلي بن محمد الرازي ، وعلي بن احمد بن موسي الدقاق ، وعلي بن عبدالله الوراق ، ومحمد بن ابراهيم بن جعفر ابي عبدالله الكاتب النعماني المعروف بابن زينب ، ومحمد بن احمد المعروف بالصفواني يكني ابا عبدالله مولي بني اسد ، ومحمد بن احمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري ، ومحمد بن الحسين البزوفري ، ومحمد بن عبدالله بن المطلب ابي المفضل الشيباني ، ومحمد بن علي بن طالب ابي الرجاء البلدي ، ومحمد بن علي ماجيلويه ، ومحمد بن محمد بن عصام الكليني ، وهارون بن موسي بن احمد بن سعيد التلعكبري (14) ، ومحمد بن موسي بن المتوكل (15) ، وغيرهم .

مؤلفاته:

للكليني رحمه الله مؤلفات غير الكافي - ذائع الصيت - ، والذي يحز في النفس الما انها تعد الىوم كلها - سوى الكافي - من الكتب المفقودة ، وهذا هو ما يؤسف عليه حقا ، على ان بعضها قد تخطي القرون ووصل بسلامة الى القرن الحادي عشر الهجري - كما تتبعناه - ثم لم يعد له بعد هذا التاريخ عين ولا اثر .

وفيما ياتي اسماء مؤلفاته وهي:

كتاب تعبير الرؤيا ؛ كتاب الرد علي القرامطة  ؛  كتاب الرسائل ، او (رسائل الائمة عليهم السلام) واما ذكره بعنوان (الوسائل) كما في كشف المحجة للسيد ابن طاووس(16) ، فهو مصحف من الناسخ ولعله من غلط المطبعة ; لوروده في عدة مواضع من كشف المحجة بعنوان (الرسائل)، وقد اشتبه بعضهم ، فعده ثلاثة كتب ! وقد تتبعت النقل المباشر عن هذا الكتاب فوجدته قد وصل سالما الى القرن الحادي عشر ، وبالضبط الى عصر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (ت/1050ه)، اذ نقل عنه مباشرة في شرح اصول الكافي 2: 612 - 615 خطبة لامير المؤمنين عليه السلام مصرحا باخذه من هذا الكتاب ما هو مواضع الحاجة  . كتاب ما قيل في الائمة عليهم السلام من الشعر (17) ؛  كتاب الرجال  ؛كتاب خصائص الغدير ، او خصائص يوم الغدير (18) ؛ كتاب الكافي .

ويظهر من تعداد كتب الكليني انه كان مقلا في التألىف قياسا الى شيوخ الشيعة كالمفيد ، والصدوق ، والطوسي ، واضرابهم ، وعذره في هذا هو انه رحمه الله كان منصرفا بكل همته وعلمه الى معرفة حديث اهل البيت عليهم السلام الذي لم يجمع في موسوعة كالكافي قبله ، ولم ينقح بعضه ، بل كان موزعا على مئات الكتب ، منها - وهو الاعم الاغلب - ما هو معتبر ومعتمد في ذلك العصر ، ومنها ما هو ليس كذلك ، مع تفرق هذه الكتب ومشايخ الحديث في معظم امصار الاسلام ، ولما كان الكليني هو اول من تصدي لجمع احاديث اهل البيت عليهم السلام من عيونها ومصادرها وحفاظها الثقات ; لذا نراه قد استرخص من عمره - لاجل هذه المهمة - عشرين سنة ،(19) ولولا الكافي لكانت تلك المدة الطويلة حافلة في التصنيف والتالىف .

والحق ، انه لو لم يكن للكليني الا الكافي لكفاه فخرا وثوابا على مر العصور ، اذ خلد حسنة جارية له الى يوم النشور ، وعلى مثل هذا فليتنافس المتنافسون .

والكافي كتاب موسوعي ، ذكر فيه ما يحتاجه الفقيه والمحدث والمتكلم والمؤرخ وطالب العلم ، هذا مع تناوله دقائق فريدة لا توجد في غيره تتعلق بشؤون العقيدة ، وتهذيب السلوك ، ومكارم الاخلاق .

والكتاب - بحسب تصنيف مصنفه - يقع في ثلاثة اقسام وهي:

1- اصول الكافي:

حظي هذا القسم بعناية خاصة من لدن العلماء ، لم يحظ بها - عند الامامية - كتاب في بابه ، وذلك لاشتماله علي احاديث وابواب لم تذكر في غيره من كتب الحديث عندهم ، اذ تعرضت احاديث الاصول من الكافي لمختلف مباحث العقيدة ، كالتوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والامامة ، والمعاد يوم القيامة ، هذا مع كثرة الاحاديث الواردة في مجالات معرفية اخرى كالموت ، وحياة البرزخ ، والبعث ، والنشور ، والثواب ، والعقاب والجنة ، والنار ، والسراط ، والميزان ، والقضاء ، والقدر ، والجبر ، والتفويض ، والقدم ، والحدوث . مع بيان اهمية العقل ، والعلم وفضائله ، وقبح الجهل ورذائله ، ودرجات الايمان والكفر ، واهمية الدعاء في حياة المسلم ، وما للقرآن الكريم من فضل عظيم ، وآداب العقيدة ، الى غيرها من الامور الاخرى التي اهتمت بدراستها كتب الكلام ، والفلسفة ، والعقائد .

وقد رتب الكليني رحمه الله احاديث الاصول من الكافي في ثمانية كتب ، وهي: كتاب العقل والجهل ، وكتاب فضل العلم ، وكتاب التوحيد ، وكتاب الحجة ، وكتاب الايمان والكفر ، وكتاب الدعاء ، وكتاب فضل القرآن الكريم ، وكتاب العشرة .

2- فروع الكافي:

صنف الكليني ( رحمه الله تعالى) احاديث الفروع على اساس تعلقها بمعرفة الاحكام الفرعية الشرعية التي تبحث عادة بكتب الفقه الاسلامي ، لذا نرى من الضرورة التعرض الى بيان هيكلها العام في فقه الشيعة الامامية ، فنقول: تقسم الاحكام الفرعية عند فقهاء الشيعة الامامية علي قسمين وهما: (العبادات والمعاملات) .

هذا وقد بوب الاحاديث في هذه الكتب تبويبا دقيقا ، اضاف مسحة جمالیة على لكتاب ، يستطيع الباحث تلمسها باستخراج اي حديث شاء من الفروع بسهولة ويسر .

فلا غرابة اذن في ان يشهد معلم الامة ، ومن منحته بغداد كرسي كلامها فيقول عن الكافي: انه من "اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة " (20) .

3-روضة الكافي:

اختار الكليني قدس سره لهذا القسم من الكافي اسم (الروضة) ; لاشتماله على امور كثيرة يصعب تصنيفها في كتب وابواب .

فقد تعرض فيه الى كثير من الاحاديث المفسرة لكتاب الله ، مع بيان زهد النبي صلي الله عليه و آله وسلم، وسيرته العطرة، واقواله الكريمة، مع شي ء من قصص بعض الانبياء عليهم السلام; لاخذ العبرة منها ، زيادة على خطب الائمة عليهم السلام ، ورسائلهم ، وحكمهم ، ومواعظهم ، مع نتف من الاحداث التاريخية المهمة ، وسير بعض الصحابة ، وكيفية اسلامهم ، مع الكثير من اخبار الصالحين ، وآداب المتادبين ، ولم ينس فيه رواية ما يتعلق بحقوق المسلمين فيما بينهم ، وما جبلت عليه القلوب ، ومخالطة الناس ، واصنافهم ، وامراضهم وعلاجها ، كما حشد في الروضة الكثير من احاديث الاخلاق ، وآداب المسلم ، مع روايته لما يتعلق بآيات الله تعالى الناطقة على وجوده ; كالمطر ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، حتى يبدو للباحث ان هذا الجزء الحافل بمختلف الاخبار ، ونفائس الاعلاق ، من عقائد ، وتفسير ، واخلاق ، وقصص ، وتاريخ ، وجغرافيا ، وفلك وطب ونحوها وقد جاء اسما على مسماه ; فهو كالروضة الندية حقا فيها من كل الورود والرياحين «بيد انها لا تخلو من اشواك - قليلة - وعلي الخبير المنقب ان يتحاشاها" (21) .

علي ان الكليني رحمه الله قد التزم في الكافي التزاما عجيبا في رواية النص المنقول عن اهل البيت عليهم السلام ، فهو لا يتصرف ابدا في لفظ الحديث ، ولا ينقله بالمعني بتاتا لفرط امانته في الرواية ، هذا مع كونه فقيها مجددا قريب العصر من مصدر رواياته .

وكتابه الكافي «رزق فضيلة الشهرة ، والذكر الجميل ، وانتشار الصيت ، فلا يبرح اهل الفقه ممدودي الطرف الىه ، شاخصي البصر نحوه ، ولا يزال حملة الحديث عاكفين على استيضاح غرته ، والاستصباح بانواره ; وهو مدد آثار النبوة ، ووعاة علم آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، وحماة شريعة اهل البيت عليهم السلام ، ونقلة اخبار الشيعة ، ما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا الىه ; وهو جدير ان يعتمد عليه في استخراج الاحكام ، خليق ان يتوارث ، حقيق ان يتوفر علي تدارسه ، جدير ان يعني بما تضمن من محاسن الاخبار ، وجواهر الكلام ، وطرائف الحكم " (22) .

ومن دلائل شهرته: انه طبع اكثر من عشرين طبعة ، ولا زالت المكتبة الاسلامية العلمية تحتفظ بجهود عمالقة التشيع بهذا الفن بخصوص ما بذلوه من جهد وعناء حول نص الكافي ، من تحقيق ، وشرح ، وتعليق ، وتهميش ، وتحشية ، وبيان كنوز احاديثه ، ودراسة رجاله ، وترتيب اسانيده ، وتمييز مشتركاته ، واختصاره ، وترجمته ، وفهرسة مطالبه بما يناهز واحدا وثمانين كتابا فيما احصيناه . (23)

وهم مع كل هذه الجهود ، لم يقل احد منهم بوجوب الاعتقاد والعمل بما بين دفتيه ، او الاقرار بصدور كل ما فيه عن الائمة عليهم السلام جزما ، ما خلا المحدث الاسترابادي فقط الذي رام ان يجعل كل احاديثه قطعية الصدور بقرائن لا تنهض على ذلك ، باعتراف المحدث النوري (24) وكلاهما من الاخباريين .

كما ان الكليني قدس سره لم يقل: ان كل ما اخرجته في هذا الكتاب صحيحا ; ولم يصرح احد من اعلام الشيعة بان الكليني رحمه الله لم يخرج الحديث الا عن الثقة ، عن مثله في سائر الطبقات ، بل غاية ما يستفاد من كلامهم قدس سرهم ، هو ان اخباره مستخرجة من الاصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها ; اذ كانت مشهورة معلومة النسبة الى مؤلفيها الثقات .

واما عن اعراض الفقهاء عن بعض مرويات الكافي فلا يدل علي عدم صحتها عندهم ، ولا ينافي جلالة الكافي بين كتبهم ، اذ رب صحيح لم يعمل به لمخالفته المشهور ، كما ان اعراض الفقيه عن خبر لا يدل على ضعفه عنده ، فضلا عن غيره ، اذ قد يكون وجه الاعراض لدليل آخر ، وعلة اخرى لا ربط لها بالضعف المظنون .

هذا مع اختلاف مصطلح الصحيح بين قدماء الشيعة وبين متاخريهم على ما هو معروف ومشهور .

ومن مميزات الكافي ما قاله في الوافي من ان الكليني "ملتزم في الكافي ان يذكر في كل حديث - الا نادرا - جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام ، وقد يحذف صدر السند ، ولعله لنقله عن اصل المروي عنه من غير واسطة ، او لحوالته علد ما ذكره قريبا ، وهذا في حكم المذكور" . (25)

اقول: لا تناف بين النقل المباشر عن اصل المروي ، وبين الاحالة علد ما ذكر قريبا ، لحاجة النقل المباشر - ما لم تكن معاصرة مع صاحب الاصل - الى اتصال الرواية بالاصل ، بل الاختصار السندي في تلك الحالات انما هو للاشعار بالنقل المباشر عن الاصل ، مع وضوح الطريق الىه ، لا لمجرد الاختصار كما اشتبه بذلك البعض ، فظن ان القائلين بالنقل المباشر عن اصل المروي ، انما هو قول بالارسال والانقطاع ! ! وفي المقام نكات لا يسع المقام لتفصيلها .

ومن مميزاته الاخرى كما نبه عليه بعض المحققين: وضع الاحاديث المخرجة الموضوعة على الابواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح ، ولذلك احاديث اواخر الابواب لا تخلو من اجمال وخفاء (26) .

ونكتفي بهذا القدر عن الكافي ، ونعود لشخص مؤلفه فنقول:

ثناء العلماء عليه:

ارتقى الشيخ الكليني رضى الله تعالى عنه ، مكانا مرموقا ومنزلة عظيمة بين علماء الاسلام ، فحمدت سيرته ، وسار ذكره ، وعظم صيته عندهم ، وطارت شهرته الىهم ، فكان فقيها مجددا ، وعالما متضلعا ، ومحدثا ثقة ، ومتكلما بارعا ، وعقائديا فذا ، عبقري التتبع ، بصيرا ، ناقدا ، واسع المعرفة ، مفرط النباهة ، حاد الذكاء ، اجتمعت في شخصه - مع العلم الغزير - صفات المسلم المؤمن الحقة ، من ورع ، وزهد ، وتقوى ، وعبادة ، كل هذا مع صفاء السريرة ، ونفاذ البصيرة ، يزينها الولاء التام لعترة خير الانام ; ولهذا كان علما من اعلام اهل بيت النبوة ومعدن الوحي ومهبط الرسالة ، فاق اقرانه في كثير من العلوم ، اذ له القدم الراسخ في الفقه والحديث والكلام ، حتى صار مفزعا للعلماء ، وموردا عذبا للمحدثين والفقهاء الذين ما فتئوا يذكرونه بكل جميل .

وفي ما يلي بيان بعض آيات الثناء والذكر الجميل ، اما حصرها ابتداء من عصره والى الىوم فهو من المتعذر علينا بهذا البحث ; اذ لا نكاد نجد كتابا رجالىا او حديثيا مع كثير من كتب الاجازات والفقه والاصول والكلام خالىة من الاجلال والتعظيم لشخصية الكليني الفذة ، هذا فضلا عن كلمات كبار العلماء من اهل السنة بهذا الشان ، مع اعتراف بعض المستشرقين بفضل الكليني وكتابه الكافي:

الثناء على الكليني ببعض كتب الشيعة:

قال النجاشي (ت/450ه): «محمد بن يعقوب بن اسحاق ابو جعفر الكليني - وكان خاله علان الكليني الرازي - شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم . صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني – يسمى الكافي - في عشرين سنة " (27) .

وقال الشيخ الطوسي (ت/460ه) في الرجال: "جليل القدر ، عالم بالاخبار ، وله مصنفات ، يشتمل عليها الكتاب المعروف بالكافي " (28) .

وقال في الفهرست: "ثقة ، عارف بالاخبار ، له كتب ، منها كتاب الكافي ، يشتمل على ثلاثين كتابا"(29) .

وقال السيد ابن طاووس الحلي (ت/664ه): «الشيخ المتفق على ثقته وامانته ، محمد بن يعقوب الكليني ، تغمده الله - جل جلاله - برحمته "(30)

وعده المحقق الحلي (ت/676ه) من اكابر العلماء ، واجلاء الرواة في كتابه «المعتبر» الذي ذكر فيه اسماء اعاظم الطائفة من الرواة العلماء ، وادرج اسم الكليني معهم . (31)

وترجم له العلامة الحلي (ت/726) واثنى عليه بعبائر النجاشي والشيخ الطوسي (32) .

واثنى عليه ابن داود الحلي (ت/740) بما مر من اقوال عن النجاشي والشيخ الطوسي ايضا . (33)

وعده الشهيد الثاني (ت/966ه) على راس من اشتهروا بالعدالة بين اهل النقل وغيرهم من اهل العلم ، مؤكدا على انهم ليسوا بحاجة الى التشخيص على تزكية ، ولا تنبيه على عدالة ; لما اشتهر - في كل عصر - من ثقتهم ، وضبطهم ، وورعهم ، زيادة على عدالتهم . (34)

وهكذا الحال مع جميع اساطين الرجال الذين جاءوا بعد عصر الشهيد الثاني والى الآن ، فقد اجمعوا برمتهم على كلمة واحدة الا وهي كون الكليني من اعلام هذه الامة ، منهم : الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت/1111ه) ، ومهدي بحر العلوم (ت/1212ه ، و الشيخ عبدالنبي الكاظمي (ت/1256ه) ،و الكنتوري (ت/1286ه)، وفي روضات الجنات للخوانساري (ت/1313ه)، و الشيخ عباس القمي (ت/1359ه.

 الى كثير من اقوال العلماء المبينة لمكانة الشيخ الكليني في نفوسهم نذكر منهم: الشيخ عناية الله القهبائي (ت/1016ه) (35) ، والشيخ البهائي (ت/1031 ه) (36) ، والسيد مصطفي التفريشي (ت/1044ه) (37) ، والشيخ الطريحي (ت /1085 ه)(38( ، والمقدس الاردبيلي (ت/1100ه) (39) والشيخ محمد بن اسماعيل المشهور بابي علي الحائري من اعلام القرن الثالث الهجري (40) ، والسيد محسن الاعرجي الكاظمي (ت/1227ه) ، و(41)الشيخ النراقي (ت/1319ه) (42) ، والمحدث النوري (ت/1320ه) (43)، والشيخ المامقاني (ت / 1351ه) (44)، والسيد حسن بن هادي الصدر (ت/1354ه) (45) ، والسيد محسن الامين (ت/1371ه) (46)

هذا ، ولكل من المحقق العلامة المرحوم السيد محمد صادق بحر العلوم (47)والمحقق العلامة المرحوم الشيخ علي اكبر الغفاري والشيخ النجفي المعاصر عبدالحسين المظفر (48)، واستاذنا العلامة الدكتور حسين علي محفوظ ترجمة ضافية للكليني قدس سره فيها المزيد من اقوال العلماء القدامي والمتاخرين. (49)

ولكاتب هذه السطور كتابان مطبوعان حول ثقة الاسلام وكتابه الكافي حاولنا فيهما دراسة شخصية الكليني وابعادها العلمية ، مع دراسة ما قيل حول الكافي وبشكل مفصل (50).ولا يفوتنا ان نشير الى ما كتبه العلامة المحقق السيد عبدالعزيز الطباطبائي في كتابه الغدير في التراث الاسلامي من ترجمة مختصرة مهمة للشيخ الكليني . (51)

الثناء عليه بكتب اهل السنة: