الشیخ محمد صنقور
عرض الشبهة :
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾(1).
1- ما هو المقصود من قوله: ﴿مَكَانًا عَلِيًّا﴾ هل هو السماء؟
2- إذا كان المقصود من ذلك السماء فهل يعني انَّ نبيَّ الله إدريس (ع) لم يمُت؟
الرد على الشبهة:
1- الأقوال في معنى قوله تعالى: ﴿مَكَانًا عَلِيًّا﴾
أولا: المكان المعنوي
قيل إنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾(2) هو انَّ الله تعالى رفع محلَّه ومرتبته بالرسالة(3)، فالرفعةُ بناءً على ذلك لم تكن حسيَّة بل كانت معنوية فهي من قبيل ما وصف الله تعالى نبيَّه محمدًا (ص) بقوله: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾(4).
ثانيا: المكان هو السماء الرابعة
وفي مقابل ذلك ورد في الروايات(5) من طرقنا انَّ اللهَ تعالى رفعَه إلى السماء الرابعة وقبضَ روحَه بينها وبين السماء الخامسة، والظاهر انَّ مثل هذه الروايات لا تُنافي المعنى المذكور للآية فإنَّ رفع إدريس للسماء وإراءته لشيءٍ من ملكوت السماوات ما هو إلا مظهَرٌ من مظاهر علوِّ شأنه وسموِّ مقامه الذي منحَه الله تعالى إيَّاه، فهو تعالى حين منحَه الدرجات العالية أهَّله للعروج إلى السماء الرابعة ثم قبضه إليه جلَّ وعلا.
ثالثا: أماكن أخرى
هذا وقد وردت روايات(6) عديدة في كتب العامَّة أفاد بعضُها انَّه دخل الجنة فإمتنع من الخروج منها وتعلَّق بشجرةٍ هناك، وكان قد ذاق طعم الموت ساعةً بعد انْ طلب ذلك من ملَك الموت، وقد أطلعه ملكُ الموت على النار، وورد في رواياتٍ انَّ ملكاً أخذه إلى مطلع الشمس وهناك قُبضت روحه، وورد في رواياتٍ(7) انَّه يتعبَّد في السماء الرابعة ويذهب تارةً يتنعَّم في الجنَّة، وثمة روايات(8) أخرى انَّه حيٌّ ومعاشه في السماء السادسة وكل هذه الروايات لا يصحُّ شيءٌ منها سنداً مضافاً إلى ما هي عليه من اضطراب في المضامين، وهي أقرب شيءٍ بالإسرائيليات التي اختلقها القصَّاصون من أهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام كيداً أو هي ممَّا اختلقه مَن تأثَّر بهم وأخذَ عنهم.
2- موت النبيِّ إدريس (عليه السلام):
لا محذور عقلاً في أنْ يظلَّ نبيُّ الله إدريس حيَّاً إلى يومنا هذا في السماء إلا انَّ ذلك لم يثبت بسندٍ معتبر بل لعلَّ موتَه بين السماء الرابعة والخامسة قابلٌ للإثبات.
الهوامش :
1-سورة مريم آية رقم 56-57.
2- سورة مريم آية رقم 57.
3- تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج6 ص429، التفسير الصافي- الفيض الكاشاني- ج3 ص285.
4- سورة الشرح آية رقم 4.
5- الكافي- الشيخ الكليني- ج3 ص257، تفسير القمي- علي بن إبراهيم القمي-ج2 ص51، تفسير مجمع البيان- الشيخ الطبرسي- ج6 ص429.
6- تفسير الثعلبي- الثعلبي- ج6 ص219، تفسير البغوي- البغوي- ج3 ص199، تفسير النسفي- النسفي- ج3 ص40، زاد المسير- ابن الجوزي- ج5 ص168، تفسير القرطبي- القرطبي- ج11 ص117، الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج4 ص274.
7- الدر المنثور- جلال الدين السيوطي- ج4 ص274، تفسير السمعاني- السمعاني-ج3 ص300، زاد المسير- ابن الجوزي- ج5 ص168.
8- تفسير العز بن عبد السلام- عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي- ج2 ص281، تفسير القرطبي- القرطبي- ج11 ص117.
المصدر : مركز الهدى للدراسات الإسلامية