*حمدي فراج
بعد ظهور "شاهد ملك" في قضية فساد جديدة بحق بنيامين نتنياهو، كتبت صحيفة "هآرتس" المعارضة له ان "صندوقه الاسود قد تصدع"، وإنه اليوم بمثابة "جثة سياسية"، وهو كلام يلامس تلابيب تطلعاتنا كفلسطينيين أعياهم هذا الزعيم بممارساته الوحشية القمعية بحق شعبنا من جهة، ومخططاته الناجحة التي تكاد تجهز على آخر ما تبقى وتشرذم من حقوقنا وما أعتدنا اطلاق تسمية "ثوابتنا" عليه خلال النصف قرن الاخيرة من مأساتنا، آخرها القدس التي اعلنها ترامب عاصمة موحدة أبدية لاسرائيل، سبقها بالطبع إجهاض حق عودة اللاجئين، هذا الاجهاض الذي تم في ليل بدون قمر وعلى السكت كما يقال، وما بينهما – القدس وحق عودة اللاجئين – الاستيطان الذي ظل يقضم أرض الضفة الغربية حتى كادت تصبح بدون أرض.
تصدع صندوق نتنياهو الاسود، تعبير سلبي يعني تبعثر حقائق سقوط الطائرة، الامر الذي يتطلب من المحققين وقتا أطول وجهدا أعرض في معرفة الأسباب الحقيقية التي سبقت سقوطها، فالرجل، عدا عن أنه سجل سبقا تاريخيا في رئاسة حكومة إسرائيل اللاتاريخية لأربع دورات، نجح داخليا في تعزيز الفكر الصهيوني اليميني ممثلا في احزاب اقرب الى الفاشية منها الى الدينية التي تتغنى بها، وحجّم "اليسار" تحجيما يكاد يبقيه مجرد ديكور في موزييك خارطة الديمقراطية والتنوع. أما خارجيا، فإن نجاحه لم يقتصر على إبقاء علاقات دبلوماسية كاملة مع دولتين عربيتين رغم "الربيع" الذي إجتاحهما ومعهما بقية العالم العربي، بل إنه اليوم يفاخر بانضمام دول وازنة اخرى والدخول معها في احلاف جديدة ضد الخطر الشيعي، الذي كان أواسط القرن الماضي الخطر الشيوعي.
الجثة السياسية، كما تحب هآرتس أن تطلق عليه، جراء قضايا الفساد بحقه، هي قضايا فارغة اذا ما قيست بقضايا الفساد المعهودة في عالمنا العربي ومن ضمنها الفلسطيني، سيجار كوبي وكونياك فرنسي وساعة يد من بيرلسكوني لزوجته سارة، أين تأتي هذه من فساد الاسمنت المصري الذي باعته مصر لنا بسعر مخفض لمساعدتنا في اعادة بناء منازلنا فبعناه لإسرائيل لبناء جدارها العنصري، والبنزين الذي يغش بقرار، أين تأتي من هدايا بحجم قلائد مرصعة وطائرات ويخوت بالملايين وصفقة الغاز المصري الى إسرائيل والغاز الاسرائيلي الى مصر وقصر لويس الثالث عشر الذي قيل أن ثمنه ناهز ثلاثمائة مليار. فإذا كان نتنياهو قد أصبح جثة سياسية من وجهة نظر خصومه السياسيين، ويطالبون بإستقالته وحل الكنيست وإجراء إنتخابات مبكرة، فإن الامر عندنا يتطلب ما هو أبعد من دفن جثثنا التي إنتشرت رائحتها وأفسدت علينا بهاء الحياة العربية، الى حرقها، دون ان تنعم بقراءة الفاتحة.
*كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: شبكة الإنترنت للإعلام العربي