إن محاربة الاستكبار تعتبر من السمات المهمة للثورة الإسلامية التي بدأت منذ عام 1343 وبعد المصادقة على إعطاء الحصانة القضائية لأتباع أمريكا علنا على يد الإمام الخميني رحمه الله، وانه إلى جانب إبداء الاحتجاج الصريح على النظام البهلوي قام بالتنوير الواسع النطاق في هذا المجال، وحذر من التداعيات السلبية لهذا العمل على مختلف طبقات الناس. إن الإمام الخميني قدس سره قام بالنضال في هذا المجال ما يقارب عامين من عمره المليئ بالبركات وجعل النظام البهلوي عاجزا ومحتارا في أمره . على هذا قام المجرمون في تلك الآونة بنفيه إلى تركيا وبهذا قاموا بمواجهة هذا العمل الثوري للإمام الخميني قدس سره.
هذه القضية أصبحت منطلقا للنضال الشعبي في وجه الحكومة الملكية. إستمر منهج مناهضة الاستكبار على يد مؤسس الثورة الإسلامية وأصحابه بعد انتصار الثورة الإسلامية، إذ لم يحذف هذا الشعار في فترة حياة الإمام الخميني قدس سره ولم يفقد بريقه، بل تمت مصادرته إلى الدول الأخرى التي كانت تتعرض إلى ظلم الدول المستكبرة مثل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا. بعد انتصار الثورة الإسلامية وإخفاق أمريكا في استمرار النظام الملكي في الحكم، وسقوطه، كان الحكام في تلك الدولة ومن خلال خلق الأرضيات والقيام بمختلف الخطط ينوون انحراف الثوار والناس، حتى يضعوا بهذا عراقيل حقيقية في سبيل تكوين الحكومة الإسلامية التي كانت تحارب أهدافهم الاستكبارية، على هذا ومن خلال بناء العلاقة بمسئولي الحكومة المؤقتة كانوا يريدون تحقيق أهدافهم، وفي هذا المجال إحتج الإمام الخميني قدس سره على بناء العلاقات الاقتصادية مع أمريكا وقام الناس بدعمه.
إن المصادقة على قرار أممي ضد إيران عام 58 على يد أمريكا بذريعة تنفيذ الإعدامات الثورية التي طال رؤساء النظام الملكي وإيواء الولايات المتحدة محمد رضا بهلوي وأسرته، وفرت الأرضية لزيادة غضب الإمام الخميني قدس سره والشعب تجاه أمريكا. و أرسل مؤسس الثورة الإسلامية رسالة في 12 آبان إلى الجامعيين والطلاب وطلاب الحوزة العلمية، بان يوسعوا من نطاق النضال ضد أمريكا بكل ما لديهم من قوة.
وجاء في جانب من هذه الرسالة: لما أن أمريكا في انقلاب عام 1332 العسكري وبعد هروب الشاه من إيران، قامت بمساعدته في إستلام السلطة، على هذا كان لدى الشعب الإيراني الحق بان لا يثق في قضية إيواء أمريكا للشاه، ويعتبرها مؤامرة أخرى للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية.
وهكذا بدأت الشرارة الثانية الشعبية في محاربة الاستكبار على يد طلاب تابعين لخط الإمام وان السفارة الأمريكية التي كانت تعتبر عش التجسس على حد تعبير مؤسس الثورة الإسلامية ،أصبح تحت هيمنة الثوار . وبالرغم من تدمير الكثير من الوثائق على يد الأمريكيين، إلا أن هناك الكثير من الوثائق الموثوقة التي تبرهن على حياكتها للمؤامرات لاستهداف الثورة والشعب.
إن الرئيس الأمريكي وفي أول ردة فعل بعد الهيمنة على وكر التجسس، قام بفرض عقوبات إقتصادية على إيران ومصادرة أموال إيران الموجودة في البنوك الأمريكية والبنوك الأجنبية المستقرة في أمريكا، ثم قام بقطع العلاقات السياسية مع إيران، إنها كانت قرارات تعاني من العجلة والارتباك وكانوا يريدون التعويض عنها كل مرة.
لكن في الجانب الآخر ، رحب الإمام الخميني قدس سره بهذا العمل وقال: أيها الشعب الإيراني الشريف، تلقيت خبر قطع علاقة إيران وأمريكا ، ولو قام كارتر في عمره بعمل واحد يمكن القول بأنه يصب في مصلحة المظلوم ويقدم له الخير، فانه يتجلى في قطع العلاقات. إن علاقة الشعب الثائر للتخلص من مخلب الناهبين الدوليين يضر دائما الشعب المظلوم ويأتي لصالح الناهب. إننا نرحب بقطع العلاقات ذلك أن هذا الأمر يعتبر سببا في قطع أمل أمريكا عن إيران، إنني قلت كرارا ومرارا بان علاقتنا بأمثال أمريكا هي علاقة الشعب المظلوم مع ناهبي العالم.
وهكذا فإن شعار الموت لأمريكا الذي دخل في الخطاب السياسي الإيراني على يد طالب معارض لأمريكا عام 1332 وهو مهدي شريعت رضوي، تم إحياؤه مرة أخرى، وأن الحكومة والشعب الإيراني واحتجاجا على سياسات أمريكا العدائية وكرها لها ، أطلق مرة أخرى هذا الشعار وطالب بعدم تدخل أمريكا في القضايا ذات الصلة بإيران.
إن شعار الموت لأمريكا في الواقع يمثل تحذيرا وتوعية خالدة لبث الوعي في صفوف الشعوب الإسلامية في مواجهة مؤامرات الولايات المتحدة، على هذا فان استمرار هذا الشعار يتوقف على سمة محاربة الظلم عند الشعب الإيراني وفضح أمريكا عند الدول التي تعاني من الاستكبار العالمي ،وانه وبعد مرور 37 عاما من انتصار الثورة الإسلامية، مازال شاملا.
إن شعار الموت لأمريكا هو تعبير عن الحق وصرخة المظلوم ويفضح خبث الظالم ويبين ظلمه الواضح على الشعوب العالمية، على هذا فإن هذا الشعار يأتي في إطار مصالحنا القومية وحفاظا على اعتبارنا العقائدي والإنساني، وأننا نؤكد عليه .
هذا وان مواجهة الاستكبار في سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تبق في إطار الشعار، وكما قال الإمام قدس سره:" فمن واجبنا جميعا أن نواجه الشيطان الأكبر مواجهة كبرى، من خلال بذل المساعي العلمية والقيام بالأنشطة الاقتصادية وتقوية الجوانب العقائدية."
جدير بالذكر بأن الإمام رحمه الله كان يميز بين الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية في كل خطاباته الثورية وكان يقول: إننا لا ننظر بنظرة سيئة للشعوب الغربية بل ننظر إليهم بنظرة ودية، أن الدول التي تعاملت مع الشعب الإيراني تعاملا سيئا، ولا ننظر إليهم بنظرة جيدة.
على كل إننا ننتهج العدالة في التعامل مع الغرب ولا نتعامل بظلم مع أي شخص، إننا لدينا علاقات ودية مع الشعب الأمريكي ونبني علاقات مع الإدارة الأمريكية إذا ما كانت تصب في مصلحة الشعب الإيراني. بالرغم من المواقف الصريحة لمؤسس الثورة الإسلامية حول ترحيب إيراني بقطع العلاقات مع أمريكا وظروف استئناف تلك العلاقة في مختلف المجالات، كان هناك أشخاص في فترة ما من الثوار، كانوا يتحدثون عن عدم رضا الإمام من شعار الموت لأمريكا ورغبته في إقامة علاقات مع أمريكا المجرمة، وإن هذه القضية تعارض أسلوبه إذا ما قمنا بدراسة الأعمال الثورة للإمام رحمه الله.
فضلا عن هذا فان الإمام الخميني قدس سره قال فيما يتعلق بظروف الثورة الإسلامية لبناء العلاقة مع أمريكا ثانية:" إنهم يريدون إثارة الضجيج ثانية كي نبني علاقات مع أمريكا، إننا صامدون حتى نهاية الطريق ولا نبني علاقة مع أمريكا إلا إذا انتهجت الإنسانية سبيلا، وتركت ممارسة الظلم.
على هذا وكما نلاحظ فان سياسات وممارسات أمريكا تجاه إيران الإسلامية لم تتغير، بل إننا نشاهد في الظروف الحساسة الراهنة مثل الاتفاق النووي الذي يعتبر في يومنا هذا من أهم القضايا في البلاد، بأن أمريكا تضع العراقيل في طريق بلدنا وتستهدف مصالح بلدنا.
أخيرا إن كلام سماحة قائد الثورة حول محاربة الاستكبار يعتبر الكلام الأول لأيديولوجيتنا، على هذا لو قمنا بحذف شعار الموت لأمريكا من خطاب الثورة الإسلامية، تصبح الشعوب الإسلامية متشائمة تجاه ثورتنا الإسلامية، علينا في يومنا هذا والى جانب النضال الشامل ضد الاستكبار العالمي أن نبذل المساعي لتوجيه المظلومين والشعوب وتوعيتهم، ذلك أنها تعاني من هيمنة الدعاية الكبيرة التي يبثها الاستكبار العالمي ولا تعرف شيئا عن أضرار هذه السلطة.
المصدر: دار الولاية للثقافة والإعلام