هل تعرف من هو "أسد الريف" المغربي؟

الخميس 22 فبراير 2018 - 18:05 بتوقيت غرينتش
هل تعرف من هو "أسد الريف" المغربي؟

هو مجاهد مغربي لُقِّبَ بأسد الريف. قاد الثورة ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي، وأوقع بالإسبان هزيمة ساحقة في "معركة أنوال" في 22 تموز/يوليو م العام 1921.إنه محمّد بن عبد الكريم الخطابي. وهنا بعض من سيرته.

محمد علي فقيه

قائد مغربي أعلن وقاد الثورة ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي، وإبتكر طريقة جديدة في القتال حتى استحق لقب "أسد الريف". تعرفوا أكثر إلى محمد الخطابي.

هو مجاهد مغربي لُقِّبَ بأسد الريف. قاد الثورة ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي، وأوقع بالإسبان هزيمة ساحقة في "معركة أنوال" في 22 تموز/يوليو م العام 1921.إنه محمّد بن عبد الكريم الخطابي. وهنا بعض من سيرته,

ولِدَ الخطابي في العام 1882 في بلدة أجدير بالقرب من مدينة الحسيمة شمال المغرب. حفظ القرآن في سن مبكرة، ثم أكمل تعليمه في جامعة القرويين في فاس لدراسة العلوم الشرعية واللغوية. ثم من جامعة شلمنقة الإسبانية، التي درس فيها القانون الإسباني لمدة ثلاث سنوات، فإكتسب ثقافة مزدوجة؛ عربية إسلامية وغربية إسبانية، كما أتقن العربية والأمازيغية والإسبانية. عاد إلى مدينة مليلية وعمل معلّماً ثم قاضياً، ثم قاضياً للقضاة عام 1914، وبعد وفاة والده تولّى زعامة قبيلة بني ورياغل. وبعد إنطلاق حركة المقاومة الريفية ضد الإسبان ومقتل والده مسموماً، خلفه في قيادة الثوار عام 1920.

في العام 1906 إجتمعت أوروبا على تقسيم بلاد المغرب في مؤتمر "الجزيرة الخضراء"، وكانت واشنطن أيضاً شريكة في هذا المؤتمر في أول تدخّل سياسي خارجي لها، وسطع نجم الأمير بعد قرار التقسيم عندما قام بمساعدة والده في تجميع القبائل لمواجهة الدول التي قسّمت بلدهم وإحتلتها. ليردّ الإسبان على ذلك بإغتيال والده عبد الكريم الخطابي أولاً من ثم حبسه بعد ذلك.

بعد خُروجه من السجن، واصل الأمير محمّد الخطابي ما إستشهد عليه والده وعمل على تجميع القبائل من جديد ليكوّن جيشاً من ثلاثة آلاف مجاهد، مبتكراً فناً جديداً من فنون الحرب يُعرَف بـــ "حرب العصابات" والذي صار منهجاً قتالياً لكل ثوار العالم. من ضمنه قتال الأنفاق الذي أنهك إسبانيا وكلّفها خسائر كبيرة. وبدأ بمحاربة الإسبان، فخاض بجيشه معارك كثيرة أهمها "معركة أنوال" التي أصبحت تدرس كمعركة لينينغراد في الكليات العسكرية المعاصرة. وقد ألحق بالجيش الفرنسي والأسبان خسائر كثيرة.

إستطاعت "معركة أنوال" الذي إبتدعه الخطابي أن ينهك إسبانيا ويكلّفها خسائر كبيرة، فأجبرت ملك إسبانيا ألفونسو الثالث عشر لإرسال جيش مكوّن من 25 ألف جندي مُدجّجين بالعدّة والعتاد من طائرات ودبابات ومدافع لمواجهة 3000 جندي غير نظامي ببنادق بدائية. أسفرت المعركة باعتراف الإسبان عن خسارتهم حوالى 15 ألف قتيل بمن فيهم قائد الجيش الجنرال سيلفستري، الذي وعد حين زحف على الريف أنه سيهزم الخطابي ويشرب الشاي في منزله. كما تكبد الاسبان 570 أسيراً واستولى المغاربة على 130 موقعاً من المواقع التي إحتلها الإسبان، وحوالي 30 ألف بندقية، و129 مدفعَ ميدان، و392 مدفعاً رشاشاً.

ويقول الخطابي عن المعركة التي إستمرت خمسة أيام كاملة في 21 تموز/يوليو، إن "إسبانيا قدّمت لنا في أيام كل ما نحن بحاجة إليه من الذخائر لتأليف جيش قوي وتغذيته مدة أشهر".

نتائج "معركة أنوال" كانت أشبه بزلزال سياسي في إسبانيا، إذ يرى الكثير من المؤرّخين أن نتائجها كانت خلف التغيير الذي عرفه النظام السياسي الإسباني في انتقاله من الملكية إلى الجمهورية العسكرية، وما تلا ذلك من محطات شهدتها إسبانيا.

بعد "معركة أنوال"عمل الخطابي على توحيد  القبائل وأسّس جمهورية الريف، وعاصمتها "أجدير"، من دون التنكّر لسلطان المغرب، في 18 كانون الأول/سبتمبر 1921، وأوجد علماً وعملة "الريفان" وجمعية وطنية ودستوراً وحكومة وجيشاً. وهي أول جمهورية مستقلّة قامت في المغرب والعالمين العربي والإسلامي، وتمتعت بالسيادة الكاملة على أرضها لمدة خمس سنوات، في الوقت الذي كان فيه العالم الإسلامي محتلاً من شرقه إلى غربه.

بعد الانتصار "أصبح  الخطابي مضرب المثل في مقاومته للاستعمار الأوروبي. تهافت الصحفيون من أوروبا وأميركا لإجراء حوارات معه وتصدّر الخطابي واجهة مجلة «تايم» في العام 1925 بعدما كانت قد خصّصت عنه عشرات المقالات منذ صدورها في مارس 1923. كما أن الصحافي سكوت مورير جعل في مقالاته في «شيكاغو تريبين» من الخطابي شخصية شهيرة وسط الأميركيين، وقارن بين نضال الأميركيين للحصول على الاستقلال ورغبة الريفيين في التحرر والاستقلال.

إن الأساليب والطرق التي مارسها مُبتَكر حرب العصابات، ضد الاستعمارين الإسباني والفرنسي طيلة خمس سنوات(1921-1925) وخلّفت خسائر بمئات الآلاف من جنودهم ، جعل إسبانيا وفرنسا ودوائرهما العسكرية تدرس بعناية أسباب إنكسارهم الدائم أمام الخطابي فتحالفوا في خريف العام 1924.

إلا أن هذا التحالف لم ينقص من عزيمة الخطابي فألحق الهزيمة بالقوات الفرنسية في معركـة تازة في سنة 1925. فزحف الأمير الخطابي على المنطقة المحتلة من طرف الفرنسيين والتي كان يحكمها السلطان العلوي: "يوسف بن الحسن"، وحاصر فاس ب25 ألف جندي نظامي و50 ألف من رجال القبائل، وكبّد الفرنسيين في معركة واحدة ما يقارب من 6 آلاف رجل، وهدّد تهديداً حقيقياً الوجود الفرنسي كله.

كانت معركة "تازة" هي الفيصل في التحالف الفرنسي – الإسباني لينتقل من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التعاون ضد هذا الخطر الذي بات يهدّد الوجود الاستعماري ليس في المنطقة فقط، بل في المغرب والمغرب العربي، وخصوصاً بعد أن ظهرت الميول القومية التوحيدية لعبدالكريم الخطابي. وجنّد لذلك نصف مليون جندي إسباني وفرنسي، حيث كانت فرنسا أقوى دولة برية في العالم، والجيش الإسباني ثالث الجيوش الأوروبية. ولأن "القلعة تسقط من داخلها" كما تقول الحكمة . فـعملت فرنسا على إضعافه بإشـاعة أنه يطمع في عـرش مراكش، ونسَّقـت دعايتهـا مع الحكومة الإسبانيـة، كما ضمنت معاونة إيطاليـا وصَمْتَ بريطانيا، ومثل أي احتلال نجحوا في إحداث انقسام  في صفـوف القبائل  والمقاتلين، ولجأوا إلى شراء بعض الذِمَم الرخيصة لمن يدّعون بأنهم شيوخ، وتحالفوا مع بعض أتبـاع الطُرق الصوفية مع القوّة المُعادية لينشروا البِدَع والفِتَن بين الناس ويحرّضوهم على الأمير ويصدرون الفتاوي التي تحرّم القتال مع الخطابي وجمعوا الناس على قتاله.

وبعد أن يئست دول أوروبا من القوة التي لا تُقهَر للأمير محمّد، أنزل الإسبان جيوشهم يوم 8 أيلول/سبتمبر 1925 في ساحل الحسيمة شمال الريف، وزحف الفرنسيون من الجنوب، وجرت معارك عديدة، وتم دكّ الريف بآلاف الأطنان من القنابل الكيماوية السامّة وقنابل النابالم وغاز الخردل، التي تعود للحرب العالمية الأولى، فأبيدت مئات القرى، وأنهك السكان بعد سنوات من الحصار والمعارك، وخسر الخطابي 20 ألف جندي، وفي أيام من العام 1926 كانت الجيوش الفرنسية والإسبانية تسير مجتمعة تحت قيادة "بيتان" من جميع الجهات على قوات الأمير عبد الكريم، حين فاوضته وطلبت إليه التسليم، فأبى ذلك عليه دينه ووفائه، وفضّل الشهادة في ساحة المعركة، إلا أن مستشاريه نصحوه بالمساومة. فلجأوا إلى الصلح مع الخطابي بإعطاء المسلمين الضمانات الموثقة على سلامة كل المجاهدين، وإتاحة العيش الكريم لأهل المغرب بحرية واستقلال. إلا أنهم نقضوا عهودهم مع الخطابي وإضطر للاستسلام للفرنسيين كأسير حرب وقادوه أسيراً في 10 تشرين أول/أكتوبر 1926م إلى جزيرة "رينيون" في المحيط الهندي، شرقي مدغشقر. وتم حل جمهورية الريف عام 1926.

صحيح أن الاستعمارَين الفرنسي والإسباني هزما الخطابي إلا أن مدرسته العسكرية في حرب العصابات والأنفاق بقيت الأسلوب الأبلغ لكافات حركات التحرّر لتنتصر على محتليها. وفور وصول الثائر تشي غيفارا إلى القاهرة عام 1959 طلب مباشرة أن يزور الخطابي في منزله وفور مقابلته خاطبه قائلاً "أيها الأمير... لقد أتيت إلى القاهرة خصيصاً لكي أتعلّم منك".

قال عنه هوشي منه مؤسّس الجمهورية الفيتنامية الشمالية: لولا عبد الكريم لما استطعنا أن نهزم الفرنسيين في الهند الصينية. (لأنه مبتكر أسلوب حرب حفر الأنفاق والخنادق).

وكان لثورة الخطابي تأثير واضح على الشيخ عز الدين القسّام، خاصة بعد وصول خبر إنتصاراته على المستعمرين الإسبان (وبعد الصدى الكبير الذي خلّفته معركة أنوال التي وصل صداها إلى المشرق العربي، حيث قاد الشهيد القسّام تظاهرات التضامن مع الثورة وجمع لها الأموال والمساعدات). وكان لثورة الخطابي صدى في فلسطين وصل إلى كل رجال مقاومتها وإلى الشعر، يذكر مدير دائرة التنظيم الشعبي في منظمة التحرير الفلسطينية وأحد مؤسّسيها البارزين سعيد السبع الذي ساهم مع أحمد الشقيري وشفيق الحوت بصوغ اللاءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم 1967 أنه "بعد سنوات من وفاة الخطابي كانت مفاجأة كبيرة حين استمع لجواب الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، أثناء إستقباله لوفد فلسطيني في بيكين (1971)، حين سؤاله عن استراتيجية عملية ينصح بها الفلسطينيين الذين يخوضون ثورتهم التحريرية في ظروف قاسية، فأجاب: "رفاقي الأعزّاء، جئتم تريدون أن أحدّثكم عن حرب التحرير الشعبية، في حين أنه يوجد في تاريخكم القريب عبد الكريم الخطابي، الذي هو أحد المصادر الأساسية التي منها تعلّمت هذه الحرب".

أما في الشعر فقد صاغ الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان نشيد الثورة الريفية الشهير "في ثنايا العجاج" الذي إتخذه الخطابي نشيداً رسمياً للجمهورية الثورية:

في ثنايا العجاجْ والتحامِ السيوفْ

بينما الجوُّ داجْ والمنايا تطوف

يتهادى نسيــــمْ فيه أزكى سلامْ

نحو «عبد الكريمْ» الأميرِ الهمام

ريفُنا غابُنا نحن فيه الأسودْ

ريفُنا نحميه

****

كلُّنـــــــــــــا يُعجبُ بفتى المغربِ

كلُّنـــــــــــــا يُطَرَبُ لانتصار الأبي

أين جيشُ العِدا إن دعا للجهادْ؟

أصبحوا أعبُدا بالسيوف الحِداد

ريفُنا غابُنا نحن فيه الأسودْ

ريفُنا نحميه

****

طالما إستعبدوا وأذلّوا الرقابْ

أيها الأيِّدُ جاء يومُ الحساب

فليذوقوا الزُّعافْ بالظُّبا والأَسَلْ

ولْنُعَلِّ الهتافْ للأمير البطل

ريفُنا غابُنا نحن فيه الأسودْ

ريفُنا نحميه.

ثم بعد عشرين عاماً من النفي تمكّن جنود الملك فاروق من إنقاذ الأمير الخطابي من التحرّر من الأسر والنزول في مصر باقتراح من الدكتور عبد الجبار الجومرد (العراقي) الذي كان حينها مديراً للشؤون السياسية في جامعة الدول العربية في القاهرة، وسيصبح أول وزير خارجية بعد ثورة 1958 التي قادها عبد الكريم قاسم أثناء نقله على متن سفينة فرنسية لجأت إلى مصر ووقفت في قناة السويس عام 1947 لتتزوّد بالوقود كانت تقلّه من منفاه إلى منفىً آخر.

ولأن الخطابي رجل مقاومة، ويعتبر فلسطين قضية العرب والمسلمين . ففي يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 زاره الشيخ أمين الحسيني في منزله في القاهرة وطلب منه إعلان الجهاد لتحرير فلسطين باعتبار مكانته وتجربته، وهو ما قام به الأمير في خطاب شهير، مُرفِقاً قوله بإرسال كتائب من المتطوّعين العرب من المشرق والمغرب، يقود إحداها الضابط المقرّب منه خرّيج أكاديمية بغداد العراقية الهاشمي الطود، وهي الكتيبة 13 الشهيرة. وقد بلغ عدد المتطوّعين من المغرب العربي فقط، كما أكّد ذلك الأستاذ علال الفاسي، خمسة آلاف متطوّع، وصلت غالبيتهم إلى فلسطين بفعل نداء الزعيم الخطابي وقد بقي مفتي القدس الحسيني على علاقة وطيدة بالخطابي طيلة مُقامه في القاهرة، يأخذ برأيه ويستشيره في كل ما يتعلّق بفلسطين.

الخطابي لايعتبر تحرير فلسطين بالأمر المستحيل حيث يرى أن "في مقدور العالم العربي بمجرّد اجتماع كلمته وتوحيد فكرته وجمْع شمله أن يصعق إسرائيل".

وأذكر أن وزير حربية الرئيس عبد ناصر الخبير الاستراتيجي أمين هويدي أخبرني بأن الخطابي قال له "بأنه لا يبرّر لأيّ شعب محتلة أرضه ألا يقاوم فنحن – أضاف كنا نتسلّل إلى مراكز الاحتلال الإسباني العسكرية ولا نمتلك غير سلاح واحد هو السكين فنقتل منهم ونأسر أسلحة".

أمضى الأمير محمّد عبد الكريم الخطابي بقيّة عمره في مصر حتى دُفِن فيها عام 1963.

المصدر: الميادين