الأستاذ عبد السلام حجازي
في هـذا البـحث القـيم يتحدث الكاتب عن ظاهرة تجسد لأرواح في بيت الرسول صلي اللّه عليه و سلم كما يصف بعض حـوادث المجلوبات الروحية التي تمت في حضرة إبنته السيدة الجليلة فاطمة الزهراء رضي اللّه عـنها و يذكر لنا شيئا عـن رحـلاتها الأثيرية إلى عوالم الروح قبل إنتقالها إليها و مكانتها فيها بعد ذلك الانتقال.
البتول الحوراء الإنسية الطاهرة المطهرة السيدة فاطمة الزهراء نشأت و ترعرعت في بيت النبوة و أدبها والدها بالآداب الروحية العالية ، فدرجت في حـياتها مدارج الأنبياء و أجراها اللّه في المجرى الذي أجرى فيه مريم إبنة عمران.كانت رضي اللّه عنها عزوفة عن الدنيا، مقبلة على الآخرة خالصة مخلصة في عباداتها لربها ، فقويت روحها و إنفعلت لها الأكوان و صدق اللّه العـظيم حـيث يقول،{و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}و في الحديث القدسي :"عبدي أطعني تكن ربانيا تقول لشيئ كن فيكون."
على ذلك ، فلا عجب أن تـترقي مـواهبها الروحية و تقوى بدرجة عظيمة ، فالمواهب الروحية وراثية و قد ورثتها عن والدها الذي تعهدها بالصقل و التهذيب حتى سطعت شمسها و إنقشعت غياهب ظلمات النفس و تخلصت من كـل النـزعات المادية.كانت ولادتها عجبا و حياتها عجبا و مماتها عجبا و سنعرض في هذا المقال بعضا من الظواهر الروحية التي تمت في حضرتها ليتم الإيقان و يثبت البرهان في قلوب الذين آمنوا بـقوة الروح و خـلودها:
عـن المفضل بن عمر قال :"قـلت لأبـي عـبد اللّه جعفر الصادق بن محمد الباقر عليهما السلام كيف كانت ولادة السيدة فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها؟قال نعم . إن خديجة عليها السلام لما تزوج بـها رسـول اللّه صـلي اللّه عليه و سلم هجرتها نسوة مكة فكن لا يـدخلن إليـها و لا يسلمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة كانت تغتم و تحزن إذا ما خرج رسول اللّه، فـكانت تـسمع مـا يؤنسها و يزيل غمها و حزنها و قال لها الرسول يا خديجة هـذا جبريل يبشرني أنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة، و أن اللّه تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمـة و يـجعلهم خـلفاء في أرضه بعد إنقضاء وحيه.
فلم تزل خديجة علي ذلك في أنـسها بـها نفها و بجنينها مستبشرة ببشارة جبريل اياها إلي أن أدركها المخاض و حضرت ولادتها فوجهت إلي نساء قريش و بني هـاشم ليـلين مـنها ما تلي النساء من النساء فأرسلن اليها بأنك أغضبتنا و لم تقبلي قولنا و تـزوجت مـحمدا يـتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجيئك و لا نلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة لذلك.
و بينما هـي فـي ذلك إذ دخـل اليها أربع نسوة عليهن من النور ما لا يوصف و لهن من الجمال ما لا يعرف و كـأنهن مـن نساء بني هاشم ففزعت منهن.فقالت إحدا هن:لا تحزني يا خديجة فإنا رسـل ربـك اليـك و نحن أخواتك،أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه صـافوراء بـنت شعيب و في رواية و هذه كلثم أخت موسى، بعثنا اللّه اليك لنلي من أمرك مـا نـلي النـساء .ثم جلست واحدة عن يمينها و الثانية عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فـوضعت خـديجة فاطمة طاهرة مطهرة.
فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتي دخل بيوتات مـكة و لم يـبق فـي شرق الأرض و لا غربها موضع الا أشرق فيه ذلك النور و تباشرت الحور و بشر أهل السماء بعضهم بعضا ولادتها، و حـدث فـي السـماء نور زاهر ثم قلن لها:خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية مـيمونة بـورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها قدر عليها و شربت و كانت تنمو في كـل يـوم كما ينمو الصبي في الشهر، و في كل شهر كما ينمو الصبي فـي السـنة و ما أن عرف أبوها بولادتها حتي تولته الأريـحية و سـجد شـكر اللّه تعالى، و قد ألهم بأنهم سيكون مـنها سـلالته و عترته فكانت أحب ولده اليه و أقرهم لعينه و أسرهم لفؤاده.
درجت في بيت أبـيها يـحوطها برعايته و يتولاها بحدبه و رأفته ، يـفرش فـي نفسها أدب الديـن و يغذيها بـهدي النبوة و الرسالة فنشأت نشأة كريمة عـزوفة عـن الدنيا مقبلة على اللّه تعالي.
عن أبي سعيد الخدري قال:"جاء من القـيلولة عـلي عليه السلام ذات يوم فقال: يا فـاطمة هل عندك شيء تـغذينيه؟ قـالت لا و الذي أكرم أبي بالنبوة ما أصـبح عـندي شيئ أغذيكه و لا أكلنا بعد شيئا و لا كان لنا شيئ بعدك منذ يومين الا شيئ أؤثـرك بـه على بطني و على إبني هـذين.قـال يـا فاطمة ألا أعلمتيني حـتى أبـغيكم شيئا . قالت إني أسـتحي مـن اللّه أن أكلفك ما لا تقدر عليه. فخرج من عندها و اثقا باللّه تعالى حسن الظن به، فـإستقرض ديـنارا فبينما الدينار في يده أراد أن يـبتاع لهـم ما يـصلح لهـم إذ عـرض له المقداد في يـوم شديد الحر قد لوحته الشمس فوقه و آذته من تحته، فلما رآه علي أنكره و سأله:يا مـقداد مـا أزعجك من رحلك هذة الساعة ؟قـال يـا أبـا الحـسن خـل عني سبيلي و لا تـسألني عـما ورائي . فقال لها يا إبن أخي لا يحل لك أن تكتمني حالك.قال أما اذ أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة مـا أزعـجني مـن رحلي الا الجهد و لقد تركت أهلي يبكون جـوعا ، فـلما سـمعت بـكاء العـيال لم تـحملني الارض فخرجت مغموما راكبا رأسي فهذه حالي و قصتي . فهملت عينا علي بالبكاء حتى بلت دموعه لحيته. ثم قال أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني غير الذي أزعجك و لكـن معي دينار كنت قد إقترضته فهاك خذه فاني أؤ ثرك به على نفسي و دفع بالدينار اليه...
ثم رجع حتى دخل على النبي صلى اللّه عليه و سلم فصلى الظهر و العصر و المغرب فـلما قـضى النبي صلاة المغرب مر بعلي في الصف الأول فغمزه برجله ، فسار خلف النبي حتى لحقه عند باب المسجد. فقال له يا أبا الحسن هل عندك شيئ تعشنا به ، فأطرق علي لا يـحير جـوابا حياء من النبي صلى اللّه عليه و سلم و لقد عرف الحال الذي خرج عليها ، فقال له النبي إما أن تقول لا فننصرف عنك ، أو نعم فنجيئ معك. فقال له حبا و تـكريما يـا رسول اللّه اذهب بنا. و كأن اللّه سـبحانه و تـعالى قد أوحي إلى نبيه أن تعشى عندهم. فأخذ الرسول بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام في مصلاها و خلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كـلام النـبي خرجت من المصلى فـسلمت عـليه و كانت أعز الناس اليه فرد عليها السلام و مسح بيده على رأسها و قال :كيف أمسيت عشينا غفر اللّه لك.فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه. فلما نظر علي ذلك و شم ريحه رمى فاطمة بـبصره رمـيا شحيحا ، فقالت ما أشح
نظرك و أشده.سبحان اللّه هل أذنبت فيما بيني و بينك ما إستوجب به السخطة فقال: و أي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه اليوم . أليس عهدي بك اليوم و أنت تحلفين بـاللّه مـجتهدة ما طـعمت طعاما منذ يومين.فنظرت إلى السماء و قالت الهي يعلم ما في سمائه و يعلم ما في أرضه.اني لم أقـل الا حقا قال فأنى لك هذا الذي لم أر مثله و لم أشم مثل رائحته و لم آكل أطيب مـنه .فـوضع النـبي صلى اللّه عليه و سلم كفه المباركه بين كتفي علي ثم هزها و قال:يا علي هذا ثواب الدينار و هـذا مـن عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.
إستعبر النبي صلي اللّه عليه و سـلم بـاكيا و قـال الحمد للّه لم يخرجكما من الدنيا حتي يجريك يا علي في المجرى الذي أجرى فيه زكريا و يجريك يـا فاطمة في المجرى الذي أجرى فيه مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب وجـد عندها رزقا قال يـا مـريم أنى لك هذا.
و روى الزمخشري في الكشاف عن قصة زكريا و مريم عليهما السلام عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه جاع في زمن قحط ، فأهدت له فاطمة رغيفين و بضعة لحم آثرته بها ، فرجع بها إليـها و قال هلمي يا بنية و كشف عن الطبق فإذا هو مملوء خبزا و لحما فبهتت و علمت أنها نزلت من اللّه سبحانه و تعالى فقال لها أنى لك هذا ؟قالت هو من عند اللّه.إن اللّه يرزق من يـشاء بـغير حساب.فقال الحمد للّه الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل.
ثم جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و جميع أهل بيته رضي اللّه عنهم فأكلوا حتى شبعوا و بـقي الطـعام كما هو و أوسعت فاطمة على جيرانها.
و عن كتاب بشارة المصطفي لأبي جعفر الطبري عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري": أقبل شيخ من مهاجرة العرب ، ثيابه قد تهلهل و هو خلق و هـو لا يـكاد يتمالك ضعفا و كبرا فأقبل رسول اللّه(ص) يستجلبه الخير، فقال الشيخ يا نبي اللّه أنا جائع الكبد فأطعمني و عاري الجسد فاكسني و فقير فأرشني، فقال ما أجد لك شيئا و لكن الدال على الخير كـفاعله، إنـطلق إلى مـنزل من يحب اللّه و رسوله،و يـؤثر اللّه عـلى نـفسه. إنطلق إلى حجرة فاطمة و كان بيتها ملاصقا لبيت رسول اللّه الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه،يا بلال قم فقف به عـلى مـنزل فـاطمة.فإنطلق الأعرابي مع بلال فلما وقف على بـاب فـاطمة نادى بأعلى صوته السلام عليكم يا أهل بيت النبوة و مختلف الملائكة و مهبط جبريل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. فـقالت فـاطمة مـن أنت يا هذا قال شيخ من العرب أقبلت على أبـيك سيد البشر مهاجرا من شقة بعيدة و أنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك اللّه تعالى. و كـان لفـاطمة و عـلي رضي اللّه عنهما و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على تلك الحال ثلاث ليـال مـا طعموا فيها طعاما . و قد علم الرسول ذلك من شأنها ، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان يـنام عـليه الحـسن و الحسين فقالت خذ هذا أيها الطارق فعسى اللّه أن يتيح لك ما هو خـير مـنه. فـقال الأعرابي يا بنت محمد شكوت اليك الجوع فناولتني جلد كبش فماذا أنا صانع بـه مـع مـا أجد من سغب قال:فعمدت فاطمة رضي اللّه عنها لما سمعت هذا من قـوله إلى عقد كان في عنقها أهدتها اياه فاطمة بنت عمها حمزة بن المطلب عـنه فـننزعته مـن عنقها و دفعت به إلى الأعرابي و قالت خذه و بعه فعسى أن يعوضك به ما هو خير مـنه .
و عـاد الأعرابي إلى رسول اللّه فقال له الرسول أشبعت و إكتسيت قال : نعم يا رسول اللّه و اسـتغنيت بـأبي أنـت و أمي فقال(ص) فإجز فاطمة بصنيعها .فقال الأعرابي اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ، فـأمّن رسـول اللّه على دعائه و أقبل على أصحابه فقال أتاني الروح الأمين جبريل و قال أن اللّه عز و جـل و كـل بـها رعيلا من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها و عن يمينها و عن شمالها و هم مـعها فـي حـياتها و عنده برها بعد مماتها يكثرون الصلاة عليها.
و قال صلى اللّه عليه و سلم:لا تـزال فـاطمة بعدي محزونة باكية فتذكر إنقطاع الوحي عن بيتها مرة و تذكر قراءتي أخرى و تستوحش اذا جنها الليل لفـقدي و فـقد صوتي الذي كانت تستمع اليه اذا تهجدت بالقرآن و إن اللّه عز و جل ليؤنسها بملائكته فـتناديها بـمناداة مريم إبنة عمران يا فاطمة ان اللّه اصطفاك عـلى نـساء العـالمين، يا فاطمةأقنتي لربك و إسجدي و إركعي مـع الراكـعين.و لعبادتها كفاها اللّه عز و جل مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخر.
عن سلمان الفارسي قـال كـنت خارجا من منزلي ذات يـوم بـعد وفاة رسـول اللّهـ صـلي اللّه عليه و سلم اذ لقيني علي رضي اللّه عـنه، فـقال مرحبا يا سلمان سر الى منزل فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سـلم فـانها اليك مشتاقة و انها قد اتحفت بـتحفة من الجنة و تريد ان تـتحفك مـنها.فمضيت و طرقت الباب و إستأذنت فـأذن لي بـالدخول فاذا هي جالسة في صحن الحجرة عليها قطعة عباءة ،قالت إجلس فجلست، فـقالت كـنت بالامس جالسة في صحن الحـجرة شـديدة الغـم على النبي(ص)أبـكيه و أنـدبه و كنت رددت باب الحجرة بـيدي . فـإذا به قد إنفتح و دخل علي ثلاث حور لم أر كحسنهن و لا كنضارة وجوههن فنكرتهن و قلت مـن أنـتن؟ فقلن نحن حوريات من دار السلام ، بـعثنا اليـك رب العالمين نـقرئك السـلام و نـعز يك عن أبيك المـصطفي صلى اللّه عليه و سلم و نعين الي نفسي، ثم أهدين الي هدية من الجنة و قد خبأت لك مـنها فـأخرجت لي طبقا فيه ما يشبه الرطب أبـيض مـن الليـن و أبـرد مـن الثلج و أذكي رائحـة مـن المسك و دفعت الي خمسا و قالت لي كل هذا عند إفطارك.
فخرجت و أنا أريد المنزل فو اللّه ما مـررت بـملأ مـن الناس الا قالوا أتحمل المسك يا سلمان حـتى أتـيت المـنزل، فـلما كـان وقـت الإفطار أفطرت عليها فلم أجد لها نوي و لا عجما فبكرت الى منزل فاطمة رضي اللّه عنها و أخبرتها فتبسمت ضاحكة و قالت من أين يكون لها نوى وقد أكرمني اللّه بها من جـنته بدعوات علمنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم .فقلت حبيبتي علميني الدعوات : فقالت ان أردت أن تلقى اللّه عز و جل و هو عليك غير غضبان فواظب على هذا الدعاء و هو: بسم اللّه الرحمن الرحيم،بـسم اللّه النـور،بسم اللّه الذي يقول للشيء كن فيكون،بسم اللّه الذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور،بسم اللّه الذي خلق النور من النور،بسم اللّه الذي هو بالمعروف مذكور،بسم اللّه الذي أنزل النور على الطور بـقدر مـقدور في كتاب مسطور على نبي محبور."
عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق قال: لما قبض رسول اللّه ما ترك الا الثقلين كتاب اللّه عز و جل و عـترته أهـل بيته ، و كان قد أسر الى فـاطمه أنـها لاحقة به و أنها أول بيته لحوقا به.فقالت رضي اللّه عنها بينما أنا نائمة بعد وفاة أبي بأيام اذ رأيت كأن أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قـد أشـرف علي، فلما رأيته لم أمـلك نـفسي إن ناديت يا أبتاه إنقطع عنا خير السماء فبينما أنا كذلك اذ أتتني الملائكة صفوفا يقدمها ملكان حتى اخذا بي فصعدا بي الى السماء فرفعت رأسي الى السماء فاذا انا بقصور مشيدة و بـساتين و انـهار تضطرد قصرا بعد قصر و بستانا بعد بستان و اذا قد طلع علي من تلك القصور حور كأنهن الدمى مستبشرات يضحكن لي و يقلن مرحبا بمن خلقت لها الجنة و خلقنا نحن من اجل أبيها حـبيب اللّه صـلى اللّه عليه و سـلم.
و لم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني الى دار فيها قصور في كل قصر بيوت فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خـطر على قلب بشر و فيها من السندس و الإستبرق و على الاسرة الكثيرة ألحـفة مـن الحـرير و الديباج و ألوان شتى، و من أواني الذهب و الفضة ما يأخذ بالأبصار و فيها الموائد و عليها ألوان الطعام.و في تلك الجـنان نـهر مطرد أشد بياضا من اللبن و أحلى مذاقا من العسل و أطيب رائحة من السـمك الاذفـر، فـقلت لمن هذه الدار و ما هذه الانهار ؟فقالوا هذه الدار هي الفردوس الاعلى الذي ليس بعده جنة و هـي دار أبيك و من معه من النبيين صلوات اللّه عليه و عليهم و من أحب اللّه عز و جـل من الشهداء و الصديقين و هـذا هـو نهر الكوثر الذي وعد اللّه أباك صلى اللّه عليه و سلم أن يعطيه إياه، قلت فأين أبي قالوا الساعة يدخل عليك.
فبينما أنا كذلك إذ برزت لي قصور و فرش هي أحسن من تلك الفرش و إذا بفرش مـرتفعة على أسرة و إذا أبي جالس على تلك الفرش و معه جماعة فأخذني و ضمني و قبل ما بين عيني و قال مرحبا يا بنتي و أقعدني. هذا مسكنك و مسكن زوجك و ولديك و من أحبك و أحبهم فطيبي نفسا فـإنك قـادمة علي بعد أيام .قالت فطار قلبي و إشتد شوقي فإنتبهت مرعوبة.
قال أبو عبد اللّه جعفر الصادق قال امير المؤمنين علي رضي اللّه عنه لما إنتبهت من رقدتها صاحت بي فأتيتها و قلت مـا تـشتكين فاخبرتني برؤياها.
و لم تلبث رضي اللّه عنها أن صعدت روحها إلى بارئها في أعلى عليين في مقعد صدق مع أبيها صلى اللّه عليه و سلم.
المصدر : مجلة عالم الروح/العدد153