السيد جعفر مرتضى العاملي
الشريف الرضي هو ذلك الرجل العظيم ، الذي يمتلك الشخصية الفذة ، التي يعنو لها كل عظماء التاريخ الذين جاؤوا بعده بالإجلال والاكبار ، وكانت ولا تزال تستأثر منهم ، ومن كل مفكر ونيقد بأسمى آيات العظيم والتكريم ، نحيث يجدون فيها كل الخصائص الإنسانية النبيلة ، التي تملأ نفوسهم ، وتنبهر بها عقولهم ، وتعنو لها ضمائرهم ...
ولعل من يسبر ثنايا التاريخ لا يكاد يعثر على أي مغمز أو هنات في شخصية هذا الرجل العملاق على الإطلاق ، بل على العكس من ذلك تماما ... فإنك مهما قرأت عن حياة هذا الرجل ، فإنك لن تجد إلا آيات المدح والثناء ، والمزيد من الاعجاب والاطراء ، من محبيه ومناوئيه على حد سواء. إلا أننا ـ مع ذلك ـ لا نستطيع أن نولي هذا التاريخ كل الثقة، ولا أن نمنحه كل الطمأنينة ... فلعل ... وعسى ... وقد ... ولربما.
لما علينا إلا أن ندرس التاريخ ونصوصه دراسة مستوعبة وشاملة ، من شأنها أن تقضي على كل أمل بالعثور على المزيد مما له مساس بهذه الشخصية أو بتلك ، كما أن علينا أن نهتم بكل صغيرة وكبيرة ، وأن لا نعتبر هذا تافها ، وذاك ثمينا ، إلا بعد البحث والتمحيص والتدقيق والمعاناة ، فالتافه ما أثبت البحث تفاهته وكذبه وزوره ، والثمين ما استمد قيمته من صدقه ومن واقعيته ، وذلك هو ما يثبت أصالته وجدارته أيضا.
وبالنسبة للشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه كان الأمر من هذا القبيل، فرغم أن البحث المستقصى قد أثبت عظمته وجدارته، وأبان بما لا يقبل الشك عن نبله ،وعلمه ، وفضله ، وسمو نفسه ، وعن كرائم أخلاقه ، إلا أننا ـ مع ذلك ـ قد عثرنا أخيرا على نصين متميزين وغريبين في نفسهما مما إضطرنا لخوض غمار البحث من أجل إثارة الكوامن ، وتسليط الأضواء الكاشفة ، لينكشف زيف الزائف ، ويبطل خداع السراب.
الأكذوبة الأولى : الشريف الرضي كان زيديا؟!
قال إبن عنبة : "ووجدت في بعض الكتب أن الرضي كان زيدي المذهب ، وأنه كان يرى أنه أحق من قريش بالإمامة" (١)(عمدة الطالب : ٢١٠).
ولكن ذلك لا يصح ، فإنه كونه إماميا أشهر من النار على المنار ، ومن الشمس في رابعة النهار ، بل لقد كان على حد تعبير ابن تغري بردى: "كان عالي الهمة ، متدينا ، إلا أنه كان على مذهب القوم إماما للشيعة ، هو وأبوه وأخوه." ويكفي للتدليل على إماميته أنه قد ذكر الأئمة الاثني عشر في قصيدته المشهورة ، التي قالها وهو بالحائر الحسيني ، والتي مطلعها :
كربلا لا زلت كربلا وبلا ما لقي عندك آل المصطفى
إلى أن قال :
معشر منهم رسول الله والكاشف للكرب إذا الكرب عرا
صهره الباذل عنه نفسه وحسام الله في يوم الوغى
أول الناس إلى الداعي الذي لم يقدم غيره لما دعا
ثم سبطاه الشهيدان فذا بحسي السم وهذا بالظبا
وعلي وابنه الباقر والصادق القول ، وموسى والرضا
وعلي ، وأبوه وابنه والذي ينتظر القوم غدا
يا جبال المجد عزا وعلا وبدور الأرض نورا وسنا
وقد وجه إبن عنبة نسبة الزيدية إليه وقوله بأنه أحق من قريش بالإمامة بقوله : "وأظن : إنما نسب إلى ذلك لما في أشعاره من هذا ، كقوله يعني نفسه ـ :
هذا أمير المؤمنين محمد طابت أرومته وطاب المحتد
أو ما كفاك بأن أمك فاطم وأباك حيدرة وجدك أحمد
وأشعاره مشحونة بذلك. ومدح القادر بالله ، فقال في تلك القصيدة :
ما بيننا يوم الفخار تفاوت أبدا كلانا في المفاخر معرق
إلا الخلافة ميزتك فإنني أنا عاطل منها وأنت مطوق
فقال له القادر بالله : على رغم انفك الشريف (عمدة الطالب: ٢١٠ ؛ وروضات الجنات : ٥٤٨).أما الشيخ عبد الحسين الحلي ، فيرى: " إن تلك التهمة ـ الزيدية ـ قد ألصقت به من قبل آبائه لأمه ، لأن بني الناصر الكبير أبي محمد (الحسن الأطروش) صاحب الديلم ، لكن هذا قد ثبت لدى علماء الرجال من الإمامية وفي طليعتهم السيد الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه " شرح المسائل الناصرية" نزاهته ، ونزاهة جميع بنيه عن تلك العقيدة المخالفة لعقيدة أسلافهم .
سوى أن إصطلاح الكتاب أخيرا جرى على تسمية الثائر في وجه الخلافة زيديا ، ولمن كان بريئا من عقائد الزيدية ، يريدون أنه زيدي النزعة لا العقيدة. وربما تطرفوا ، فجعلوا لفظ : زيدي ، لقبا لكل من تحمس للثورة ، وطالب بحق زعم أنه أهله ، وإن لم يجرد سيفا ، ولم يحد قيد شعرة عن مذهب الإمامية في الإمامة ، ولا عن طريقة الجماعة. ولقد كان أبو حنيفة في نقل أبي الفرج الأصبهاني زيديا ، وكذا أحمد وسفيان الثوري ، وأضرابهم من معاصريهم. ومراده من زيديتهم : إنهم يرون أن الخلافة الزمنية جائرة ، وإن الخارج آمرا بالمعروف أحق بالاتباع والبيعة" ( مقدمة حقائق التأويل : ٧٥ ـ ٧٦).
وقال : "الذي يقال: إنه إمام الزيدية هو الملقب بالداعي إلى الحق ، وهو الحسن ابن زيد ... توفي بطبرستان سند ٢٥٠ هـ . وأما الحسن بن علي الملقب بالناصر للحق الكبير ، وهو الأطروش ، أحد أجداد الشريف لأمه والحسن أو الحسين بن علي ـ أو ابن أحمد ـ الملقب بالناصر الأصغر ، وهو والد أم الشريف فليسا من أئمة الزيدية. ومن زعم أن الناصر إمام الزيدية، فقد إشتبه عليه الداعي للحق بالناصر للحق ، ولا يبعد دعوى إتباعه أنه زيدي لكنه برئ عن تبعة اعتقادهم " (مقدمة حقائق التأويل: الهامش).
الأكذوبة الثانية : الشريف في مجالس المجون :
يقول الحصري :"شرب كوران المغني عند الشريف الرضي ، فإفتقد رداءه، وزعم أنه سرق ، فقال له الشريف : ويحك ، من تتهم منا؟ أما علمت أن النبيذ بساط يطوي ما عليه؟! قال : إنشروا هذا البساط حتى آخذ ردائي ، وإطووه إلى يوم القيامة." (زهر الآداب ٢ : ٤٩٦).
ونحن في مجال مناقشة هذا النص ، لا نريد أن نتوقف كثيرا عند:
ألف : إن الحصري لم يذكر سندا لهذا الرواية ، ولا أعرب عمن نقل هذه القصة عنه ، إذ قد يجوز لقائل أن يقول :" إن من الممكن أن يكون الحصري قد نقل ذلك عن ثقة ، لا يتعمد الكذب والوضع."
باء : ولا نريد أن نناقش في حرمة النبيذ، فنقول :" إن حرمته غير مسلمة لدى جميع الفقهاء. إذ إن الشريف رضوان الله تعالى عليه قد كان من طائفة الإمامية الذين يرون حرمة النبيذ كسائر أنواع الخمر."
جيم : "ولا بأن النص لم يتضمن مشاركة الشريف الرضي رحمهالله في الشرب. فإن مجرد كون مجلس الشراب في بيته وحضوره فيه كاف في إثبات الإدانة للسيد الشريف."
دال : ولا بأننا رغم بحثنا الجاد لم نعثر على ذكر لكوران المغني هذا الذي ورد إسمه على أنه بطل هذه الحادثة. إذ قد يمكن الجواب عن ذلك : بأن عدم ذكره في غير هذه الحادثة لا يدل على عدم وجوده.
لا ، لا نريد المناقشة بذلك ، ولا الاصرار عليه على أنه أو بعضه كاف في وهن هذه الرواية وعدم إعتبارها.
وإنما نريد أن نلقي نظرة سريعة على واقع وأخلاقيات الشريف الرضي ، لنرى إن كانت تنسجم مع إقامة مجالس كهذه أم لا؟
ولا نريد أن نتشبث فيما يذكره كل من ترجم الشريف من إبائه ، وعزة نفسه ، وطموحه إلى جلائل الأعمال وعظائمها ، وتحليه بمحاسن الأخلاق وكرائمها ، وترفعه عن كل مهين ، وتجنبه كل مشين ، ونحو ذلك. فلربما يقال : إن هذا كله لا يتنافى مع صدور ذلك منه ، فإن شرب النبيذ ، والحضور في مجالسه لم يكن عيبا ، ولا هو محل بالمروءة ، ولا مهينا للكرامة ، بعد أن كل الأعيان والأشراف ، وحتى الخلفاء يمارسون ذلك ، ولا يأبون عنه ، ولا يرون فيه أي محذور. وإنما نريد أن نشير إلى ما يلي :
أولا : إن الشريف كان منزها عن مثل هذه الأعمال ، لأنه كان ورعا متدينا ، ملتزما بالدين وقوانينه ، حيث يقولون عنه ، إنه :«كان صاحب ورع ، وعفة ، وعدل في الأقضية ، وهيبة في النفوس." (الغدير ٤ : ٢٠٤ ، عن الرفاعي في صحاح الأخبار : ٦١).
وأن "أمره في العلم ، والفضل ، والأدل ، والورع ، وعفة النفس وعلو الهمة ، والجلالة ، أشهر من أن يذكر."( الكنى والألقاب ٢ : ٢٧٢)
أنه كان "عالي الهمة متدينا ، إلا أنه كان على مذهب القوم إماما للشيعة ، هو وأبوه وأخوه." (النجوم الزاهرة : ٤ : ٢٤٠).وأنه : "الشاعر العالم الزاهد" (غاية الاختصار : ٧٧).
وأنه كان "فاضلا عالما ، ورعا عظيم الشأن" (جامع الرواة ٢ : ٩٩). وأن "فيه ورع ، وعفة وتقشف" (عمدة الطالب : ٢٠٧).
أما إبن الجوزي ، فيقول عنه :"كان عالما فاضلا ، وشاعر مترسلا ، عفيفا ، عالي الهمة ، متدينا" (المنتظم ج ٧ ص : ٢٧٩).
ويقول عنه ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي :"كان عفيفا ، شريف النفس ، عالي الهمة ، ملتزما بالدين وقوانينه." (شرح النهج ١ : ٣٣)
وأخيرا ، فقد قال عنه صاحب الروضات أنه :"كان في غاية الزهد والورع ، صاحب حالات ومقالات ، وكشف ، وكرامات." (روضات الجنات : ٥٥٠). ثم ذكر عنه قضية جرت بينه وبين أخيه السيد المرتضى وملخصها أنه إقتدى يوما بأخيه المرتضى في بعض صلواته ، فلما دخل في الركوع قطع الاقتداء به ، وقصد الإنفراد ، فسئل عن سبب ذلك فقال : إنه لما دخل في الركوع رأى أخاه الإمام يفكر في مسألة من مسائل الحيض ، وقلبه متوجه إليها وهو يغوص في بحر من الدم. وفي نص آخر أنه قال لأخيه بعد ما فرغ من الصلاة : لا أقتدي بك بعد هذا اليوم أبدا. فسأله عن سبب ذلك ، فأخبره.
فصدقه المرتضى وأنصف ، وإلتفت إلى أنه أرسل ذهنه في أثناء تلك الصلاة للتفكير في مسألة من مسائل الحيض كانت سألته عنها بعض النسوة في أثناء مجيئه إلى الصلاة (راجع في ذلك روضات الجنات : ٥٥٠)
ثانيا : إننا إذا رجعنا إلى شعر الشريف الرضي ، فإننا نلاحظ :
ألف : ما يقوله الشيخ عبد الحسين الحلي : "إننا نعتقد ... إنه لم يجالس الخلعاء والظرفاء ، الذين يستخفون بالنواميس في أيام شبيبته، وإنه لذلك لم يصرف شيئا من شعره في فنون المهازل والمجون ، فإن هذا يدلنا على أنه لم يعمل ما يعتذر عنه ، ولا يصانع أحدا سترا على نفسه ، ولذا نجده وهو بمرصد من أعدائه لا يحفل أن يجاهر بمثل قوله :
عف السرائر لم تلط بريبة يوما علي مغالقي وسجوقي
وقوله :
أنا المرء لا عرضي قريب من العدا ولا في للباغي علي مقال (مقدمة حقائق التأويل : ٥٠ ـ ٥١.)
باء : إننا نجده يقول عن نفسه :
وإني لمأمور على كل خلوة أمين الهوى ، والقلب ، والعين والفم
وغيري إلى الفحشاء إن عرضت له أشد من الذؤبان عدوا على الدم ) أعيان الشيعة ج ٩ ص ٢٢٠)
جيم : وحين يخبر عن نفسه رحمهالله بأنه قد طلق الدنيا ، حيث يقول :
مالي إلى الدنيا الغرورة حاجة فليخز ساحر كيدها النفاث
سكناتها محذورة وعهودها منقوضة وحبالها أنكاث
طلقتها ألفا لأحسم داءها وطلاق من عزم الطلاق ثلاث
نجد مهيار الديلمي يؤكد صحة هذا الطلاق وواقعيته حيث قال في مرثيته له :
أبكيك للدنيا التي طلقتها وقد اصطفتك شبابها وغرامها
ورميت غاربها بفتلة حبلها زهدا وقد القت إليك زمامها
دال : وقد قالوا عن شعر الشريف الرضي رضوان الله تعالى عليه الشيئ الكثير .وهذه بعض النماذج التي لا بد من ملاحظتها في هذا المجال :
١ ـ "ليس له شعر في الهجاء يشبه هجاء الشعراء الذين كانوا يهجون بقبيح القول والألفاظ الفاحشة ، فالشريف إن وجد في شعره ما يشبه الهجاء فهو بألفاظ نقية إلى آخره."
٢ ـ "ولم يكن يخرج من فم هذا الرجل النبيل حقيقة كلمة واحدة من الكلمات القبيحة التي يتلفظ بها العامة ، التي نجد مثلها عند إبراهيم الصابي صاحب ديوان الرسائل ، وعند الوزير المهلبي ، وعند الوزير ابن عباد.
وفيما يرتبط بغزل الشريف نجدهم يقولون : "لم يزل زلة واحدة ، ولم ينحرف به الطريق عن العفة ، والشرف ، والخلق الرفيع في هذا الباب." (أعيان الشيعة ٩ : ٢٢٣).
وكذلك قيل فيه: "... ولا يليق بنا أن نمدح الشريف الرضي بأن شعره خال من المجون الذي كان شائعا في ذلك العصر ، فهو أجل قدرا ، وأرفع شأنا من أن نمدحه بذلك. كما أن شعره خال من وصف الخمرة ، وإن وصفها كثير من الشعراء الذين لا يتعاطونها. ولكن الشريف لم يصفها إلا بسؤال من سأله ذلك على لسان بعض الناس ، فوصفها بعدة أبيات لم يصفها بغيرها." (أعيان الشيعة ٩ : ٢١٧).
وبعد كل ما تقدم ، نقول : إنه إذا كان السيد الشريف يتحاشى حتى عن إيراد الكلمات النابية حتى وهو في مقام الهجاء في شعره. وإذا كان يترسم طريق العفة والشرف والكرامة ، ولا يجيز لنفسه أن يصدر فيه شئ مما يتعاطاه الشعراء حتى أهل النبل والكرامة منهم ، وإذا كان يربأ بنفسه حتى عن وصف الخمرة ومجالس اللهو والغناء ، فإننا لا نستطيع أن نتصوره مشاركا في تلك المجالس أو ممعنا في تناول النبيذ الذي يعتقد حرمته تدينا ، وهو الرجل الزاهد الورع ، والنزيه الجليل ، الشريف النفس ، عالي الهمة ، ولا سيما وهو يعلم أن هذه المجالس ، وتلكم الأحوال لا تخلو من صدور شئ مما يتنافى مع الشرف والكرامة والسؤود. وهكذا ، فإننا نجد أنفسنا مضطرين لقبول قول بعض الباحثين أنه رحمهالله :"لم يجالس الخلفاء والظرفاء ، الذين يستخفون بالنواميس في أيام شبيبته." (حقائق التأويل ، مقدمة الشيخ عبد الحسين الحلي : ٥٠).
وثالثا : يقول المعتزلي الحنفي وغيره :
"حدثني فخار بن معد الموسوي ، قال: رأى المفيد في منامه، كأن فاطمة بنت النبي دخلت إليه وهو في مسجده بالكرخ ، ومعها ولداها الحسن والحسين (ع) صغيرين ، فسلمتهما إليه، وقالت: علمهما الفقه!
فإنتبه متعجبا ، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة دخلت إليه في المسجد فاطمة بنت الناصر ، وحولها جواريها ، وبين يديها إبناها محمد وعلي الرضي والمرتضى صغيرين ، فقام إليها وسلم ، فقالت : أيها الشيخ، هذان ولدان قد أحضرتهما إليك لتعلمهما الفقه، فبكى المفيد، وقص عليها المنام ،وتولى تعليمهما ، وفتح الله عليهما من العلوم ما إشتهر في الآفاق." (راجع شرح النهج للمعتزلي الحنفي ١ : ٤١ ، وأعيان الشيعة ٩ : ٢١٦).
إلا إن لنا على هذه الرواية ملاحظة ، وهي :
إن هذه الرواية تذكر :
ألف : إن الرضيين رحمهماالله كانا حينما جاءت بهما أمهما إلى المفيد صبيين صغيرين.
باء : إن أم الرضيين قد خاطبت المفيد رحمهالله بقولها : «أيها الشيخ».
مع أن المفيد قد توفي في سنة ٤١٣ عن ستة وسبعين عاما ، وقد كانت ولادة المرتضى رحمهالله في سنة ٣٥٥ وولادة الرضي رحمهالله في سنة ٣٥٩ هـ. ومعنى ذلك أن عمره رحمهالله كان حين ولادتهما ٢٠ و ٢٢ عاما ، فلو أنها أتت بهما إليه وعمرهما عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة لكان عمر المفيد آنئذ ما بين الثلاثين والخمس وثلاثين عاما فقد كان في عنفوان شبابه ، فلا يصح منها مخاطبته ب "أيها الشيخ."!! إلا أن الحقيقة هي أن المراد بالشيخ هو : شيخ التعليم ، وقد لقب الشيخ المفيد بالشيخ المفيد وهو في عنفوان شبابه ، وأما إحتمال أن تكون هذه الكلمة مقحمة من قبل الناقلين اجتهادا منهم ، فهو أيضا غير بعيد .
ومهما يكن من أمر ، فإننا نقطع بأن رواية كوران المغني لا أساس لها من الصحة ، ولعلها من وضع حساد السيد الشريف ، الذي لم يشف ما في صدورهم موت هذا الرجل الفذ ، حتى راحوا يحسدونه حتى على ما يرثيه به الشعراء ويعيبون عليهم رثاءهم له بما يعبر عن سموه وعظمته ، كما كان الحال بالنسبة لمهيار الديلمي ، الذي صمم على أن يكيدهم ويثير المزيد من كوامن حقدهم فراح يرثيه بقصيدة أخرى تظهر المزيد من فضائله وكراماته ، وتشيد بمآثره ، وجلائل كرائمه.
فرحم الله الشريف ، ورحم الله مهيارا.
المصدر: مجلة تراثنا/العدد الخامس