سليمان بيضون
سورة التين هي السورة الخامسة والتسعون في ترتيب سور المصحف الشريف، نزلت بعد سورة «البروج». سمّيت بـ«التين» لابتدائها بعد البسملة بقوله تعالى: ﴿والتِّينِ والزّيتونِ﴾.
آياتها ثمان، وهي مكيّة، وفي الحديث النبويّ الشريف أنّ من قرأها حباه الله تعالى بالعافية واليقين ما دام في دار الدنيا.
ما يلي موجز في التعريف بهذه السورة المباركة اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين)، و(الميزان)، و(الأمثل).
وردت كلمة «التين» في هذا الموضع من القرآن الكريم فقط، بينما تكرّر ذكر كلمة«الزيتون» مرّات عدّة باللفظ، منها قوله تعالى: ﴿..والزّيتون والرّمّان مشتبِهًا وغير متشابِه..﴾ الأنعام:99. وقوله سبحانه: ﴿..زيتونةٍ لا شرقِيّةٍ ولا غربِيّةٍ يكاد زيتها يضِيء..﴾ النور:35.
وفي موضعٍ بـ«الإشارة»، حيث يقول عزّ وجلّ: ﴿وشجرةً تخرج مِن طورِ سيناء تنبت بِالدّهنِ وصِبغٍ لِلآكِلِين﴾ المؤمنون:20.
محتوى السورة وفضيلتها
تذكر السورة البعث والجزاء، وتسلك إليه من طريق خلق الإنسان في أحسن تقويم، ثمّ اختلافهم بالبقاء على الفطرة الأولى وخروجهم منها بالانحطاط إلى أسفل سافلين، ووجوب التمييز بين الطائفتين جزاءً باقتضاء الحكمة.
عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "من قرأها أعطاه الله خصلتين: العافية واليقين ما دام في دار الدنيا، فإذا مات أعطاه الله من الأجرِ بعددِ من قرأ هذه السورة؛ صيام يوم".
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنّه قال: «من قرأ ﴿والتِّينِ﴾ في فرائضِه ونوافلِه أعطِي من الجنّةِ حيث يرضى».
تفسير آيات من سورة التين
قوله تعالى: ﴿والتِّينِ والزّيتونِ * وطورِ سِينِين * وهذا البلدِ الأمِينِ﴾ الآيات:1-3.
عن الإمام الكاظم عليه السلام: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله تبارك وتعالى اختار من كلّ شيءٍ أربعة ".." واختار من البلدان أربعة، فقال تعالى: ﴿والتِّينِ والزّيتونِ * وطورِ سِينِين * وهذا البلدِ الأمِينِ﴾، فالتِّين المدينة، والزيتون بيت المقدس، وطور سِينين الكوفة، وهذا البلد مكّة.".
وروي عنه عليه السلام: "﴿والتِّينِ والزّيتونِ﴾: الحسن والحسين، ﴿وطورِ سِينِين﴾: عليّ بن أبي طالب، ﴿وهذا البلدِ الأمِينِ﴾: محمّدٌ صلّى الله عليه وآله وسلّم."
قوله تعالى: ﴿أليس اللّه بِأحكمِ الحاكِمِين﴾ الآية:8.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "..إذا قرأتم ﴿والتِّينِ﴾ فقولوا في آخرِها: ونحن على ذلك من الشّاهدين."
أقوال المفسرين:
(تفسير الميزان): قيل إنّ المراد بـ"التين والزيتون" الفاكهتان المعروفتان، أقسم الله بهما لما فيهما من الفوائد الجمّة والخواصّ النافعة.
وقيل: المراد بهما شجرتا التين والزيتون.
وقيل: المراد بـ"التين" الجبل الذي عليه دمشق، وبـ"الزيتون" الجبل الذي عليه بيت المقدس. ولعلّ إطلاق اسم الفاكهتين على الجبلين لكونهما منبتيهما، ولعلّ الأقسام بهما لكونهما مبعثي جمٍّ غفيرٍ من الأنبياء... وقيل غير ذلك.
والمراد بـ"طور سينين" الجبل الذي كلّم الله تعالى فيه موسى بن عمران عليه السلام، ويسمّى أيضاً طور سيناء.
والمراد بـ"هذا البلد الأمين" مكّة المشرفة، لأنّ الأمن مشرّعة للحرم، وهي فيه خاصّة، قال تعالى: ﴿أولم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمِنًا..﴾ العنكبوت:67، وفي الإشارة بـ«هذا» إلى البلد تثبيت التشريف عليه بالتشخيص. وتوصيفه بـ«الأمين» إمّا لكونه فعيلاً بمعنى الفاعل ويفيد معنى النسبة، والمعنى: ذي الأمن، وإمّا لكونه فعيلاً بمعنى المفعول، والمراد: البلد الذي يؤمن الناس فيه، أي لا يخاف فيه من غوائلهم.
(تفسير الأمثل): قوله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإِنسان فِي أحسنِ تقوِيمٍ﴾. «التقويم» هو تسوية الشيء بصورة مناسبة، ونظامٍ معتدل، وكيفية لائقة، وسعة مفهوم الآية يشير إلى أنّ الله سبحانه خلق الإنسان بشكلٍ متوازن لائق من كلّ الجهات؛ الجسميّة، والروحية، والعقلية، إذ جعل فيه ألوان الكفاءات، وأعدّه لتسلّق سلّم السموّ، وهو - وإن كان جِرماً صغيراً - وضع فيه العالم الأكبر، ومنحه من الكفاءات والطاقات ما جعله لائقاً لـ«وسام»: ﴿ولقد كرّمنا بنِي آدم..﴾ الإسراء:70. وهذا الإنسان هو الذي يقول فيه الله سبحانه بعد ذكر انتهاء خِلقته: ﴿..فتبارك اللّه أحسن الخالِقِين﴾ المؤمنون:14. وهذا الإنسان بكلّ ما فيه من امتيازات، يهبط حين ينحرف عن مسيرة الله عزّ وجلّ إلى «أسفل سافلين».
المصدر: موقع السرائر