في العام 1970م تأسست الشركة اليمنية للصناعة والتجارة المحدودة وانتجت مولودها البكر بسكويت أبو ولد. يومها لم يكن على الجغرافيا الطبيعية أو الخارطة الأرضية شيئ إسمه الإمارات العربية المتحدة، التي بدورها إنتظرت عامين كاملين لتشهد ميلادها قبل العام 1972م بثمان وعشرين يوما. هذا الكيان اللقيط والمهجن من عدة إمارات لا يعرف جد مؤسسه الثالث، فيكتفي بعبارة “آل نهيان” بعد إسمه الثنائي العقيم. هذه هي أصولهم، وهذا هو تأريخهم. فبعد فشلهم الذريع وخيبتهم المدوية في تحقيق اي انتصارات على أرض اليمن العصية بصلابة رجالها وثبات نسائها وصمود أطفالها؛ لم تجد الامارات أي أرضية تستند عليها لصناعة تأريخ مزيف، فمدنها أصبحت حديثة البنيان والمعالم، وبراريها مسرح لعشب السطح ومرعى النوق والبعران. فلجأت في سلوك العاجز وفلسفة المتخبط المهزوم إلى سرقة أشجار اليمن النادرة، مثلها مثل سارق الأحذية من بيوت الله، يختار أغلاها وأثمنها، ويتوشح جلباب الناسك مصليا ركعتين مع جموع المصلين.
تخبط مهزوم
لم يستغرب اليمنيون من الحالة الرثة للعدوان التي جعلته متناقضا في توجهاته المريبة وأهدافه المزعومة، فهو يشن حرب إبادة أحرقت الأخضر واليابس في اليمن للعام الثالث على التوالي تحت ذريعة إعادة شرعية الفنادق، ويقوم بنهب ما تبقى من جمال في الطبيعة اليمنية، ناهيك عن المعادن والموارد والآثار الضاربة في عمق التأريخ اليمني الأصيل. اليوم يصحو أولئك المغرر بهم من مرتزقة الداخل والخارج، ويدركون أخيرا أن العدوان لم يكن سماء لـ الملائكة، ولا وحيا لـ الأنبياء، بل كان وكراً للشياطين، ومترساً للقتلة الأفاكين، وأن الصراع السعودي الإماراتي في جنوب اليمن ما هو إلا مسرحية متفق عليها ينتهي فصلها الأخير بإمتصاص خيرات الجنوب وطمس معالمه وآثاره، تماما كما فعلت الطائرات السعودية والإماراتية في كل زوايا الشمال اليمني، وقصفت بإفراط الحجر والبشر؛ حتى الموتى في مقابرهم لم يسلموا من جرعات القنابل وحمم الصواريخ.
المطامع الإماراتية صهيونية خالصة
دخلت الإمارات الحرب على اليمن بهدف السيطرة على الموانئ اليمنية في بحر العرب والبحر الأحمر، وبالتالي لا يهمها مصير شمال اليمن ولا جنوبه، ولا مآلات الحرب في البلد السعيد. لكن التنافس على السيطرة في البحر الأحمر مسألة شديدة الحساسية بالنسبة للسعودية منذ إنشائها، فهي ترى أنها المخول الوحيد في شبه الجزيرة العربية بإحتكار موضوع البحر الأحمر رغم أهميته الحيوية لباقي الدول الخليجية خصوصا ودول الإقليم عموما. ولا أحد ينسى مطامع رأس الأفعى الملك السعودي عبد العزيز في ميناء الحديدة ومحاولة ضمه لدولته المتهالكة في الثلاثينيات، لكنه فشل في ذلك وعاد يجر أذيال الخيبة والانكسار. اليوم ترى الرياض في أبو ظبي شريكا ثريا يحمل معها الأعباء المالية والسياسية لعدوانها على اليمن من جهة، وبوابة لإشباع طموح الإمارات العسكري والاستراتيجي بالسيطرة على الطريق البحري الناقل لنفط الخليج من مضيق هرمزمن جهة أخرى. وطوال العامين الماضيين إستطاعت الإمارات أن تجد لها موضع قدم في أرتيريا والصومال من خلال تفاهمات لبناء قواعد عسكرية وتحديث وإدارة بعض الموانئ، ناهيك عن التفاهمات العميقة والواضحة بين الإمارات والكيان الصهيوني بخصوص كل هذه القواعد والموانئ. لكنها بالمقابل جثمت بكل قوتها على جزيرة سقطرى اليمنية وعاثت فيها فسادا منقطع النظير في غفلة اليمنيين وإنشغالهم بالعدوان والحصار.
خسارة مدوية لـ بن سلمان
وبالعودة مجددا لما يجري في جنوب اليمن الذي يعده العدوان محررا، ونموذجا كافيا لسياسته في اليمن، نجد فشل الورقة السعودية في هذه المرحلة تحديدا والتي تعد فارقة ومصيرية، فسواء إمتلك المراهق السعودي رؤية مستقبلية لوضع بلاده في اليمن أم لا؛ فإنه سيدفع ثمن ذلك باهظا. فبقاء الأمور على ما هي عليه الآن يعني ديمومة الحرب اليمنية والإقتتال المفرط على التراب اليمني بين حثالة العدوان أنفسهم، وتدهور الحياة الإنسانية، والمزيد من الفشل لحكومة الرياض والفار هادي التي يرعاها بن سلمان، وبالمقابل سيكون هذا الوقت على حساب المزيد من الضربات الباليستية اليمنية على العمق السعودي، ليس هذا فحسب؛ فالتوغل الإماراتي في الجغرافيا اليمنية يأتي على حساب الكعكة السعودية، وهذا يؤكد قدوم حرب طاحنة بين أبو ظبي والرياض للإنفراد بالساحل اليمني الذي سيكون بكل تأكيد مقبرة للغزاة في ظل يقظة وجهوزيه رجال الرجال من جيش اليمن ولجانه الشعبية.
شراكة لمخطط أمريكي
منذ تأسيسها وحتى ثورات الربيع العربي؛ كانت الإمارات دولة ثريّة لا تترجم فائض ثروتها إلى نفوذ سياسي في محيطها العربي، وتكتفي فقط بإقامة علاقات سياسية تابعة للسعودية مع تذمّر وتوجس دائميْن، ترجمتهما إلى منافسة إماراتيّة محمومة للسعودية في التسلح والإنفاق العسكري. بينما وقفت السعودية ضد الثورات العربيّة بكل قوتها، ونتيجة لخبرتها التاريخيّة مع المدّ القومي في الخمسينيّات والستينيّات؛ فقد حاولت إقامة تحالف عربي رسمي يشاركها العداء للواقع الجديد، فأعلنت بحث منح العضوية للمغرب والأردن لمجلس التعاون الخليجي. وهذه الفكرة لها سابقة تاريخيّة؛ فقد حاول الملك سعود بن عبد العزيز إقامة تحالف مَلَكي مشابه في الخمسينيّات لمجابهة المد القومي، ولكنه فشل في مسعاه.اليوم ترى السعودية أن حاجتها تكمن فقط في شريكٍ ثريٍ يماثلها في الهيكل الاقتصادي وبنية السلطة وعلاقاتها السياسيّة، ويمكنه أن يتحمل معها أعباء قيادة مخطط إمريكي صهيوني يمتد “من المحيط إلى الخليج”، وهذا الشريك لم يكن سوى الإمارات.
فؤاد الجنيد/كاتب يمني
المصدر: المحويت.نت