مآثر الشرف.. في حياة خديجة عليها السلام

الجمعة 2 فبراير 2018 - 06:22 بتوقيت غرينتش
مآثر الشرف.. في حياة خديجة عليها السلام

كانت خديجة بنت خويلد بن أسد.. من المحسنات اللواتي ظهرت نجابتهن منذ عهد بعيد، فهي شريفة قريش والملقبة في الجاهلية بـ « الطاهرة »، والمعروفة بسيرتها الكريمة.

من هي خديجة ؟

قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }.

كانت خديجة بنت خويلد بن أسد.. من المحسنات اللواتي ظهرت نجابتهن منذ عهد بعيد، فهي شريفة قريش والملقبة في الجاهلية بـ « الطاهرة »، والمعروفة بسيرتها الكريمة، وفي بعض الآثار أن أهل الخير في الجاهلية هم أهل الخير في الإسلام. وخديجة رضوان الله عليها كانت في العهد الجاهلي على دين الحنيفية وعلى ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، فهي من الموحدات النجيبات، ومن السلالة التي ينحدر منها النبي صلى الله عليه وآله حيث يلتقيان في الجد الرابع: قصي بن كلاب.

وكان الله تعالى قد اختار هذه المرأة بعنايته الربانية؛ لتكون زوجة بارة مخلصة لخاتم الأنبياء وأشرف المرسلين وسيد الكائنات أجمعين: محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وآله الطيبين.. ثم لتكون أما حنونا عطوفا لسيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء البتول عليها أفضل الصلاة والسلام.. بعد ذلك لتكون جدة للأئمة الميامين من أولاد فاطمة بنت المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وإلى ذلك، كانت خديجة رضي الله عنها قد خدمت عليا أمير المؤمنين عليه السلام في بيتها يافعا وفتى وصبيا ناشئا، بعد ضم رسول الله صلى الله عليه وآله إياه ليعيشا معا، ولتكون ثالثتها خديجة الكبرى كما يصور ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته الغراء قائلا ـ في بيانه لما كان قبل المبعث الشريف:

ولقد كان ( أي النبي صلى الله عليه وآله ) يجاور في كل سنة بـ « حراء »، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير: رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما.

ويروي الشريف الرضي عن أبي يحيى بن عفيف، عن أبيه عن جده عفيف، قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبدالمطلب ـ وكان رجلا تاجرا ـ فأنا عنده حيث أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت.. إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم قام مستقبل القبلة، ثم لم ألبث إلا يسيرا حتى جاء غلام فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة.

فقلت: يا عباس، أمر عظيم! قال العباس: أمر عظيم، أتدري من هذا الشاب ؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبدالله، ابن أخي.. أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علي ابن أخي.. أتدري من هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد. إن ابن أخي هذا أخبرني أن ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا ـ والله ـ ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.

 

ظهير الرسالة والرسول

بعث النبي صلى الله عليه وآله بالرسالة الخاتمة، فحباه الله تبارك وتعالى بمصدقين مخلصين: علي بن أبي طالب عليه السلام ابن عمه، وخديجة بنت خويلد زوجته.. التي كانت أول من آمنت به من النساء، وكانت قبل ذلك تصدقه ولما يبعث بعد، لما ألقى الله جل وعلا في قلبها من نور المعرفة والإيمان والصفاء.

وقد أكد جملة من المؤرخين وأصحاب السير أن خديجة امتازت بتعظيمها النبي صلى الله عليه وآله، وتصديقها حديثه قبل البعثة وبعدها، وأنها أسلمت هي والإمام علي عليه السلام منذ اليوم الأول والساعات الأولى من تبليغ رسول الله صلى الله عليه وآله بمبعثه الشريف.

ولم تكتف خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها أن آمنت وأسلمت، بل نهضت إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله تدعم الإسلام وتساند رسول الله صلى الله عليه وآله.. وتقدم في ذلك أموالها الطائلة، حتى ذكر الزهري أنها أنفقت على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعين ألفا وأربعين ألفا ، بل بعثت من يعلن أنها وهبت لزوجها صلى الله عليه وآله نفسها وأموالها وعبيدها، وجميع ما تملكه بيمينها؛ إجلالا له وإعظاما لمقامه وشرفه.

هذا، وقد عاشت مع رسول الله صلى الله عليه وآله سنوات المحنة والقحط والحصار، لم تضعف عن مناصرته، وهي الصابرة المحتسبة بعد ما أصابها من قريش نصيب كبير من الإيذاء والهجران، وكانت من قبل ذلك سيدة نسائهم، والثرية في قومها. لكنها ضحت بما تملك لتشارك رسول الله صلى الله عليه وآله آلامه وأتراحه، وتؤازره في شدائده، حتى إذا كان حصار الشعب شعب أبي طالب، كانت خديجة تشتري الطعام والضروري من الحاجات بأضعاف أثمانها لتقدم ذلك للمسلمين الجياع.. فمرت سنوات الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته قريش على الرسالة والرسول والأنصار من المؤمنين بسلام.

لا عجب إذن!

أن تحتل خديجة رضوان الله عليها ذلك المقام السامي والمكان الرفيع في حياة الإسلام، وحياة النبي صلى الله عليه وآله.. الذي ظل يحفظ لها وفاءها وإخلاصها وإيمانها ومواقفها، ويشكر لها ولاءها ومواساتها إلى آخر عمره الشريف. تحدثنا عن ذلك بوضوح عائشة بنت أبي بكر ـ كما يروي عنها ابن عبدالبر وابن الأثير ـ قائلة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها. فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت له: هل كانت إلا عجوزا! فقد أبدلك الله خيرا منها.

قالت عائشة: فغضب حتى اهتز شعره من الغضب، ثم قال: لا والله، ما أبدلني الله خيرا منها.. آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء.

قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبدا.

• وقال صلى الله عليه وآله: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد.. وأفضلهن عالما فاطمة.

• وقال صلى الله عليه وآله: خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد.

• وقال صلى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.

• وروى من مصادر عديدة أن النبي صلى الله عليه وآله قال لها: يا خديجة! جبريل يقرئك السلام. وفي بعض الروايات قال جبرئيل عليه السلام: يا محمد! إقرأ على خديجة من ربها السلام. فقال النبي صلى الله عليه وآله لها: يا خديجة! هذا جبرئيل يقرئك السلام من ربك. فقالت: الله هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبرئيل السلام.

• وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة عليها السلام تلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وتدور حوله وتقول: أبه، أين أمي ؟ فنزل جبرئيل عليه السلام فقال له: ربك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب ( أي زبرجد مرصع ): كعابه ذهب، وعمده ياقوت أحمر.. بين آسية ومريم بنت عمران. فقالت فاطمة عليها السلام: إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام.

قالوا في خديجة

ممن ذكر خديجة عليها السلام فأثنى عليها:

• أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله عليها، فقالت للنبي صلى الله عليه وآله تصدقه فيما ذكر من فضائل خديجة: إنك لا تذكر من خديجة أمرا إلا وقد كانت كذلك، غير أنها مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك، وجمع بيننا وبينها في جنته.

• وقال ابن إسحاق:كانت خديجة وزيرة صدق في الإسلام. وقال: كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله بها من كرامته .

• وقال محمد بن أحمد الذهبي في بيان فضائلها: أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين في زمانها. مناقبها جمة، وهي ممن كمل من النساء.. وكانت عاقلة جليلة، دينة مصونة كريمة. وكان النبي صلى الله عليه وآله يثني عليها ويعظمها، بحيث أن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة كما غرت من خديجة.

ومن كرامتها على النبي صلى الله عليه وآله أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاء منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها امرأة قط إلى أن قضت نحبها، فوجد( أي حزن ) لفقدها، فإنها كانت نعم القربى.

• وقال الحافظ عبدالعزيز الجنابذي الحنبلي: كانت خديجة رضي الله عنها امرأة حازمة شريفة، وهي يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا. وكل قومها قد كان حريصا على تزويجها، فأبت وعرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وآله: يا ابن عم، إني رغبت فيك؛ لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك.

• وقال السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي في بيان مقام خديجة عليها السلام: صديقة هذه الأمة، وأولها إيمانا وتصديقا بكتابه، ومواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله ( من النساء ). انفردت به خمسا وعشرين سنة لم تشاركها فيه امرأة ثانية، ولو بقيت ما شاركتها فيه أخرى، وكانت شريكته في محنته طيلة أيامها معه.

• وقال الكاتب المسيحي الأستاذ سليمان كتاني: أعطت خديجة زوجها حبا، وهي لا ترى أنها تعطي بل تأخذ منه حبا.. فيه كل السعادة. وأعطته ثروة وهي لا ترى أنها تعطي، بل تأخذ منه هداية تفوق كل كنوز الأرض. وهو بدوره أعطاها حبا وتقديرا رفعاها إلى أعلى مرتبة ويقول: ما قام الإسلام إلا بسيف علي وثروة خديجة.

• وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: خديجة.. أولى أمهات المؤمنين، وأقرب زوجات النبي وأعزهن عليه حية وميتة. وقفت إلى جانبه سنوات الاضطهاد الأولى تؤازه وترعاه، وتهون عليه ما كان يلقى من قريش في سبيل رسالته.

الرحيل

ومن كرامات خديجة عليها السلام أنها بقيت إلى آخر عمرها وفية حتى حظيت بحسن العاقبة وبكاء النبي صلى الله عليه وآله عليها ودعائه لها وحزنه الشديد عليها.. حتى سمى العام الذي توفيت فيه هي وأبو طالب عليهما السلام بـ « عام الحزن ».

توفيت خديجة رضوان الله عليها في العاشر من شهر رمضان سنة عشر من المبعث الشريف، بعد خروج بني هاشم من الشعب بزمن قريب. وقد نزل رسول الله صلى الله عليه وآله في قبرها ليملأه سكينة وطمأنينة لها، ويزيح عنها وحشته وظلمته.

وكانت خديجة عليها السلام أن أنجبت لرسول الله صلى الله عليه وآله ولدين هما: القاسم والطاهر، توفيا في حياته صلى الله عليه وآله.. ثم كان لها كبير الشرف أن ولدت فاطمة الزهراء البتول عليها أفضل الصلاة والسلام سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين.

فسلام على أم المؤمنين، خديجة قرينة سيد الأنبياء والمرسلين، وأم سيدة نساء العالمين. سلام عليها بما آمنت برسول الله، وأيدت دين الله، وصبرت في جنب الله، وبذلت ما عندها في سبيل الله.

المصدر: موقع الحسنين