الشيخ المفيد...ثورة ضد الجمود
الشيخ المفيد من علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية، عاش في النصف الثاني من القرن الرابعالهجري وأوائلالقرن الخامس الهجري، إسمه الحقيقي هو محمّد بن محمد بن النعمان. كان تلميذالشيخ الصدوق، وأستاذ السيّدين المرتضى و الرضي وكذلك الشيخ الطوسي.
اشتُهرت قبل الشيخ المفيد ظاهرة التمسّك بظواهر الحديث، ولم يكن هناك رواج للإستفادة من العقل كعنصر في عملية الإستنباط بحيث تحول هذا إلى عائقٍ أمام تكامل العلوم وإزدهار العلماء. لذلك إنتفض الشيخ المفيد مقابل هذا الجوّ من الجمود الذي هيمن على الواقع آنذاك،فقام بتدوين أصول الفقه ليؤسس فقها جديداً وينطلق صوب إجتهادصار يمثل الطريق الوسط بين المنهجية الحديثيّة التي تبنّاها الشيخ الصدوق والمنهجية القياسية التي ذهب إليها إبن الجنيد في الفقه. دوّن الشيخ في البداية أصولاً في كتاب التذكرة بأصول الفقه لاستنباط الأحكام. وسار في هذا الخطّ كل من السيد المرتضى في كتابه الذريعة الشيخ الطوسي في كتاب عدّة الأصول معتمدين على ما إبتكره أستاذهما من منهج أصولي. يذكر أن الشيخ نفسه كان قدإستلهم هذه المنهجية من أستاذه إبن أبي عقيل العماني.
ويعتبر الشيخ المفيد المؤسس للفقه المقارن ، من خلال تأليفه الذي أطلق عليهعنوان الإعلام فيما إتفقت الإمامية عليه من أحكام ، وإكتمل هذا المشروع من خلالكتاب الإنتصار للسيد المرتضى ، والخلاف للشيخ الطوسي، وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلّي.ويعدّ الشيخ المفيد من أكبر العاملين على إحياء العلوم الإسلامية ومن المروجين الجادّين للثقافة الشيعية والناشرين للفقه الإمامي.
النسب و الولادة و الوفاة
هو محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير البغداديّ العكبري، كنيته أبو عبد الله، وإشتهر بالشيخ المفيد بعد أن عرف بـ إبن المعلم فيما سبق، فوالده كان معلماً في واسط. وقد ذكر أن أستاذه علي بن عيسى الرماني هو من أطلق عليه لقب المفيد فيما ذهب إبن شهر آشوب إلى القول بأنّ الإمام(ع) هو من أطلق عليه هذا اللقب.
ولد الشيخ المفيد في قرية سويقة إبن بصري التابعة التابعة لـ عكبرى شمال بغداد في اليوم الحادي عشر من ذي القعدة كما روى إبن النديم(ص197ـ ط اوروبا) سنة338 هـ. وذهب النجاشي إلى أنّ ولادته كانت سنة 336هـ . وتوفي ليلة الثالث . وتوفي ليلة الثالث من شهر رمضان ببغداد سنة 413، ، وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان الذي ضاق على الناس رغم سعته، ولم يُرَ يوم أكبر منه لشدة زحام الناس للصلاة عليه، ومن كثرة بكاء المؤالف والمخالف، (1) ودفن في داره سنين، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر(ع).(2)فاستناداً لهذين الرأيين يتردد عمره بين 75 و77 عاماً.(3)
روى [الشيخ الطوسي]: أن محمد بن محمد بن النعمان المفيد، يكنى أبا عبد الله، المعروف بإبن المعلم، من جملة متكلمي الإمامية، إنتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيها متقدما فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار(4).
وكتب ابن النديم تحت عنوان إبن المعلم: إبن المعلم أبو عبد الله في عصرنا، إنتهت رياسة متكلمي الإمامية إليه مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه دقيق الفطنة ماضي الخاطر شاهدته فرأيته بارعا وله من الكتب...(5)
وأضاف قائلاً: إبن المعلم أبو عبد الله في عصرنا إنتهت رئاسة متكلمي الشيعة اليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي الخاطر(6).
دوره في ازدهار الفقه والأصول والكلام
كتب الكرجي في تاريخ الفقهاء مايلي:
- لم يكن الفقه رائجاً عند علماء الشيعة قبل الشيخ المفيد كما هو اليوم بين الفقهاء. . فقد كانت الكتب الفقهية تنقل الأحاديث المروية عن الأئمة الأطهار (ع) كما هي، أي مع ذكر سلسلة السند، ولم يعمد الفقهاء إلى التصرّف في نصّ الحديث أبداً، فحتى عندما كانوا ينقلون الحديث كانوا ينقلون معه سلسلة سنده، وهي المنهجية المعروفة بالفقه المنصوص.
- لكن هذه المنهجية تكاملت قليلاً بعض الشيئ، وتمكن الفقيه من التصرّف و الإجتهادلحدّ ما ضمن إطار الأحاديث والإفتاء طبق مدلول ومضمون الأحاديث، فقد أُلّف كتاب الشرائع لإبن بابويه(والد الشيخ الصدوق) وكتابي المقنع والهداية للشيخ الصدوق على هذا المنوال. وشهدت تلك الفترة ظاهرة التمسك بظواهر الحديث. ولم يكن هناك رواج للإستفادة من عنصر العقل كعنصر من عناصر الإستنباط. بحيث أصبح هذا عائقاً أمام تكامل العلوم وازدهار العلماء. ومع بروز شخصية الشيخ المفيد، عمد إلى مواجهة هذا الجوّ من الجمود والذي هيمن على الساحة الفقهية آنذاك، فقام بتدوين أصول الفقه ليؤسس فقها جديداً وينطلق صوب اجتهاد صار يمثل الطريق الوسط بين المنهجية الحديثيّة التي تبنّاا الشيخ الصدوق والمنهجية القياسية التي ذهب إليها إبن الجنيد في الفقه.
- دوّن الشيخ في البداية أصولاً في كتاب التذكرة بأصول الفقه لاستنباط الأحكام. وسار في هذا الخطّ كل من السيد المرتضى في كتابه الذريعة و الشيخ الطوسي في كتاب عدّة الأصول على ما إبتكره أستاذهما من منهج أصولي. يذكر أن الشيخ كان قد إستلهم هذه المنهجية من أستاذه إبن أبي عقيل العماني وأعدّ الشيخ الطوسي مكانة كبيرة للعقل في منهجيته الإجتهاديّة وإعتبر أن العقل هو الطريق للوصول إلى مفاهيم الكتاب والسنّة. بل ذهب إلى القول أنّ أيّ حديث يخالف أحكام العقل يعتبر حديثاً مرفوضاً.
- وبنفس الصلابة التي وقف فيها الشيخ أمام نظرية التوقف على الحديث، وقف أيضاً موقفاً صلباً أمام الذين إعتبروا القياس ملاكاً للإستنباط، لذلك انتقد بشدة أستاذه إبن الجنيد لإتباعه هذه المنهجية الاستنباطية. وردّ عليها ببرهان ثاقب وألّف كتباً في النقض على تأليفات إبن الجنيد. ومن تلك المؤلفات كتاب نقض رسالة الجنيدي إلى أهل مصروالنقض على إبن الجنيد في اجتهاد الرأي. وكتب هو في المسائل السروية(7) ما يلي:
- فأما كتب أبي علي بن الجنيد ، فقد حشاها بأحكام عمل فيها على الظن، وإستعمل فيها مذهب المخالفين في القياس الرذل، فخلط بين المنقول عن الأئمة(ع) وبين ما قال برأيه، ولم يفرد أحد الصنفين من الآخر. ولو أفرد المنقول من الرأي لم يكن فيه حجة، لأنه لم يعتمد في النقل المتواتر من الأخبار، وإنما عول على الآحاد.
- لذلك عمد الشيخ المفيد إلى إبعاد الفقه المبنيّ على الحديث المحض وفي نفس الوقت رفض الفقه الذي إعتمد الرأي و القياس وإختار طريقاً ثالثاً في الاستنباط الفقهي. ولذلك جمع الشيخ بين الأخبار المتعارضة، وامتنع عن الأخذ بالأخبار العارية عن قرائن الصحّة. فدّون أصول الفقه وأسس عملياً لفقه جديد.
- عاش الشيخ المفيد في عصر كان يتواجد فيه علماء كبار من مذاهب الإسلامية مختلفة وذلك في مركز الحكومة الإسلامية بغداد، لذلك كانت تعقد هناك وبطبيعة الحال لقائات بحث وحوار علمي وتكون في الغالب بحضور الخلفاء. وكان الشيخ المفيد يحضر هذه المجالس ويناظر المخالفين ويجيب عن شبهاتهم بطريقة لا تبعث في النفوس الحقد أو الضغينة. ولمّا حضرت الشيخ المنيّة ووافاه الأجل حضر جنازته أهل بغداد أجمع - شيعة وسنة - وآلمهم نبأ وفاته.
- ونظراً للواقع الاجتماعي الذي كان يحكم المذاهب الإسلامية المختلفة في عصر الشيخ المفيد فقد كانت الآراء الفقهيّة والكلاميّة تطرح للملأ ومن ثم يُعمد إلى إيجاد مقارنة فيما بينها وكان صاحب كل رأي يقيم برهانه ودليله لإقناع الطرف الآخر. وقد لمع الشيخ المفيد في هذا المجال وذلك من خلال اعتماده على الأسس القويمة التي آمنت بها الطائفة الإمامية وألف كتاباً قيمّاً أطلق عليه الأعلام فيما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام وقد مثّل الكتاب المذكور والذي ألّفه هذا العالم النحرير الركيزة الأولى في هذا المجال. وحدثت بعده محاولات في مجال الفقه المقارن من قبيل كتاب الإنتصار للسيد المرتضىوكتاب الخلاف للشيخ الطوسي وتذكرة الفقهاء للعلامة، حيث ساهمت في تقوية هذا الجهد العلمي وإثرائه وتوسعته.
وكتب الشيخ المفيد في مقدمة كتابه الإعلام ما يلي:(8)فإني ممتثل ما رسمه من جمع ما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام الشرعية، على الآثار المجتمع عليها بينهم عن الأئمة المهدية من آل محمد ، مما اتفقت العامة على خلافهم فيه، من جملة ما طابقهم عليه جماعتهم، أو فريق منهم على حسب اختلافهم في ذلك، لاختلافهم في الآراء والمذاهب، ، لتضاف إلى كتاب أوائل المقالات في المذاهب المختارات، ، ويجتمع بهما للناظر فيهما علم خواص الأصول والفروع ، ويحصل له منهما ما لم يسبق أحد إلى ترتيبه على النظام في المعقول.
ويعدّ الشيخ المفيد أحد الشخصيات الكبيرة التي أحيت العلوم الإسلامية وروجت بشكل حثيث للثقافة الشيعية ونشرت الفقه الإماميّ.(9)
أساتذته
إتسم عصر الشيخ المفيد بكونه عصراً ازدهرت فيه العلوم ، ولذلك استطاع الشيخ أن ينهل من محضر أعاظم المحدثين والمتكلمين وفقهاء الفريقين. . وقد ذكر صاحب كتاب أعيان الشيعة 56 عالماً من العلماء الكبار الذين انتهل الشيخ من علومهم ومن أشهرهم(10):
1. الشيخ الصدوق (توفي 381 هـ)
2.ابن الجنيد الإسكافي(توفي 381 هـ)
3. ابن قولويه(توفي 369 هـ)
4.أبو غالب الزراري(توفي 368 هـ)
5.محمّد بن عمران المرزباني (توفي 384 هـ)
6. ابو عبد الله حسين بن علي جعل البصري(توفي 369 هـ)
7.علي بن عيسي الرّمانيتوفي 384 هـ).
تلامذته
حضر درس الشيخ المفيد جملة من الشخصيات الكبيرة ويمكن الإشارة هنا إلى بعض هؤلاء الأفاضل:(11)
1. الشريف المرتضى (توفي 436 هـ).
2. السيد الرضي(توفي 406 هـ.)
3.الشيخ الطوسي (توفي 460 هـ).
4.النجاشي (توفي 450 هـ).
5. سلار الديلمي(توفي 463 هـ).
6.أبو الفتح الكراجكي(توفي 449 هـ.)
7. أبو يعلى محمّد بن حسن الجعفري(توفي 463 هـ).
آثاره
ذكر النجاشي أحد تلامذة الشيخ المفيد عدد كبير من مؤلفات أستاذه:[12]ذكر له ما يقارب الـ175 مؤلفا نذكر منها :
1.الرسالة المقنعة.
2.الأركان في دعائم الدين.
3.كتاب الإيضاح في الإمامة.
4.كتاب الإفصاح في الإمامة.
5.كتاب الإرشاد.
6.كتاب العيون والمحاسن.
7.كتاب الفصول من العيون والمحاسن.
8.كتاب النقض على الجاحظ.
9.كتاب نقض المروانية.
10.كتاب نقض فضيلة المعتزلة.
11.كتاب المسائل الصاغانية.
12.كتاب مسائل النظم.
13.كتاب المسألة الكافئة في إبطال توبة الخاطئة.
14.كتاب النقض على ابن عباد في الإمامة.
15.كتاب النقض على علي بن عيسي الرماني.
16.كتاب النقض على أبي عبد الله البصري كتابه في المتعة.
17.كتاب الموجز.
18.كتاب مختصر المتعة.
19.كتاب مناسك الحج.
20.كتاب مناسك الحج المختصر.
21.كتاب المسائل العشرة في الغيبة.
22.كتاب مختصر في الغيبة.
23.كتاب مسألة في المسح على الرجلين.
الهوامش:
1.الطوسي، الرسائل العشر، ص25.
2.النجاشي، رجال النجاشي، ص 403-402.
3.آغا بزرك الطهراني، الذريعة، ص 186-187.
4.الطوسي، الفهرست، ص 238.
5.ابن النديم، الفهرست، ص 226.
6.إبن النديم، الفهرست، ص 247.
7.المفيد، المسائل السروية، ص 73.
8.المفيد، كتاب الإعلام، ص 15- 16.
9.الكرجي، تاريخ الفقه والفقهاء، ص 144-147.
10.الكرجي، تاريخ الفقه والفقهاء ، ص 143.
11.الكرجي، تاريخ فقه وفقها، ص 143
المصدر: ويكي شيعة