هوية السيدة شاه زنان أم الإمام السجاد(ع)؟

الإثنين 22 يناير 2018 - 10:38 بتوقيت غرينتش
هوية السيدة شاه زنان أم الإمام السجاد(ع)؟

يشكل البعض في أنه كيف يمكن أن نوفق بين ما ورد في الزيارة :" أشهد أنك كنت نورا في الاصلاب الشامخة، والارحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ". و بين ما هو معروف أن مولانا الإمام السجاد(ع)كانت والدته الشريفة شاه زنان بنت كسرى تدين بغير دين التوحيد.

يشكل البعض في أنه كيف يمكن أن نوفق بين ما ورد في الزيارة :" أشهد أنك كنت نورا في الاصلاب الشامخة، والارحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ". و بين ما هو معروف أن مولانا الإمام السجاد(ع)كانت والدته الشريفة هي شاه زنان بنت كسرى ملك الفرس،موضحا – حسب قراءته- أن الفرس يدينون بالديانة المجوسية وأن ملوك كسرى يزوجون الإخوة لأخواتهم للحفاظ على عرقهم ؟ ثم يسألون كيف تكون أم الإمام المعصوم (ع) وهي كانت تدين بغير دين التوحيد، وذلك على عكس أمهات باقي الأئمة(ع) كان بعضهن من الإماء ولكنهم من أرحام طاهرة ؟

قبل أن نرد على هذه الإشكالية ، نريد أن نقىم للقارئ العزيز سيرة مختصرة عن حياة السيدة الجليلة شاه زنان أو شاه بانو:

فهي السيدة الجليلة شهربانوية بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها " شاه زنان " أي ملكة النساء، وقد سماها أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام " مريم ".

وفي الإرشاد، سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه شاه زنان بنت كسرى حين أسرت: " ما حفظت عن أبيكِ بعد وقعة الفيل؟"، قالت: "حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف حيلة "، فقال عليه السلام: " ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير".

وقد أُسرت السيدة شهربانو وجيئ بها إلى المدينة مع أخواتها من بنات يزدجرد وكن ثلاث حيث تزوجت الأولى عبدالله بن عمر، فأولدها سالم. والثانية لمحمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم، في حين كانت هي للإمام الحسين عليه السلام وقد أولدها الإمام علي بن الحسين.

وقد أُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فإختارت الإمام الحسين بن علي عليه السلام، فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت له خير أهل الأرض في زمانه ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد الإمام علي بن الحسين، فرغبوا فيهن.

إبن الخيرتين:

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: " لما أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر إليها عمر، غطت وجهها وقالت: " أف بيروج بادا روى هرمز "، فقال عمر:" أتشتمني هذه وهم بها " فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين وإحسبها بفيئه، فخيرها، فإختارت الإمام الحسين عليه السلام، فقال لها أمير المؤمنين:" ما إسمك؟ " فقالت: " جهان شاه "، فقال لها أمير المؤمنين: " بل شهربانويه "، ثم قال للإمام الحسين عليه السلام: " يا أبا عبدالله، لتلدن لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، وكان يقال للإمام علي بن الحسين، إبن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس.

الرسول صلى الله عليه وآله يخطبها في عالم الرؤيا..

ورد في بعض الأخبار أنها ـــ شاه زنان ـــ قامت ووضعت يدها على منكب الإمام الحسين عليه السلام، كأنها كانت تعرفه ورأته في منامها، كما حكت قصتها لأمير المؤمنين عليه السلام، فقالت: " رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا؛ كأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله؛ دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين عليه السلام، وخطبني له وزوجني أبي منه، فلما أصبحت، كان ذلك يؤثر في قلبي، وما كان لي خاطب غيرهذا، فلما كانت الليلة الثانية، رأيت السيدة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وقد أتتني وعرضت علي الإسلام وأسلمتُ "، ثم قالت:"إن الغلبة تكون للمسلمين، وأنكِ تصلين عن قريب إلى إبني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن أُخرجت إلى المدينة ".

المولود المبارك...

حملت السيدة شاه زنان عليها السلام بالإمام علي بن الحسين وكان مولده سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود في وصف الإمام علي بن الحسين عليه السلام فقال:

وإن غلاماً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم

عاش الإمام مع جده أمير المؤمنين سنتين، ومع عمه الإمام الحسن اثنتي عشر سنة، ومع أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة، وتوفي بالسم في المدينة المنورة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهدم الوهابيون قبره كباقي قبور أئمة البقيع.

احتراماً للأم...

ورد أنه قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: " إنك من أبر الناس، ولا تأكل مع أمك (يرى البعض أن أم الإمام توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته) في قصعة؟ وهي تريد ذلك؟ " فقال:" أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً "، فكان يغطي الغضارة بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل.

وفاتها...

قيل إن السيدة شهربانو ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين عليه السلام فكفلته بعض أُمهات ولد أبيه، فكان يحسن إليها كما يحسن إلى والدته، وكان الناس يسمونها أمه.

بعد هذه االومضات من حياة السيدة شهربانو و التي تؤكد على طهارتها و جلالها وعظمتها ، نعود الى موضوعنا الرئيس لنرد على الإشكالية التي طرحت، نقول:لا ريب أن الإمام الحسين (ع) إنما تزوج السيدة شاه زنان بعد إسلامها ، فهي حين حملت بالإمام السجاد (ع) كانت مسلمة.

وأما أنها كانت من أصل مجوسي فإن ذلك لا يخدش في مقامها الشامخ فإن صفية زوجة النبي (ص) كانت من أصل يهودي وكل زوجات النبي كان أباؤهم مشركين وكذلك أكثر الصحابة.

ووأما أن المجوس كانوا يجوزون الزواج من المحارم فإن ذلك لا يقتضي أن تكون والدة الإمام(ع) قد تولدت من زواج المحارم ، فليس معنى جواز الزواج من المحارم عندهم أن كل زيجاتهم كانت من قبيل الزواج بالمحارم ، فالسنة مثلا يجيزون الزواج من اليهودية والنصرانية ، ولكن ذلك لا يعني أن كل مولود من أبناء السنة تولد من مسيحية أو يهودية ، والشيعة يجوزون الزواج المنقطع لكن ذلك لا يعني أن كل شيعي قد تولد من هذا الزواج ، فالمجوس وإن كانوا يجوزون الزواج من المحارم لكن ذلك لا يعني أن كل زيجاتهم كانت بالمحارم بل ولا يقتضي ذلك أن غالب زيجاتهم كانت بالمحارم ، فلا ملازمة بين كون الرجل والمرأة من أصل مجوسي وبين كونه متولدا من زواج المحارم.

وعليه فنفس هذا النص المذكور في الزيارة الشريفة وكذلك الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت(ع) تدل على أن والدة الإمام السجاد(ع) لم تكن قد تولدت من زواج المحارم وإن كان آباؤها من المجوس بحسب النقل.

وأما دعوى أن ملوك كسرى يزوجون الإخوة لأخواتهم للحفاظ على عرقهم فهي دعوى جزافية لا دليل عليها ، على أن الحفاظ على العرق يمكن أن يتم بالزواج من ذوي العمومة كما هو المتعارف في القبائل العربية ، وعلى فرض أن عادتهم قد جرت على تزويج الإخوة من الأخوات فإن ذلك لا يعني أنهم لا يتزوجون بغير الأخوات مع الزواج بالأخوات. فتكون للرجل زوجاتٌ متعددة بعضهن من أخواته والبعض الآخر من غير محارمه.

إذن ليست هناك ملازمة بين كون السيدة شاه زنان من بنات ملوك كسرى وبين كونها قد تولدت من زواج المحارم .

والمتحصل أن النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) تثبت أن شاه زنان لم تكن قد تولدت من زواج المحارم ، وكونها من أصل مجوسي لو ثبت فإنه لا ينفي هذه الروايات كما اتضح ذلك مما ذكرناه.

المصدر: موقع إمام حسين ومركز الهدى للدراسات الاسلامية