الدكتور الشيخ محمد حجازي
المرأة جوهرة ثمينة، استودع الله تعالى فيها خير البشر ، وجعلها الموضع الأمثل لتكاثر الناس وتناسلهم . ولذا، قال الإمام الصادق(ع) : "أكثر الخير في النساء" . لأنَّ خيرها يساهم في بناء الحياة الإنسانية المستقيمة، وتكون بذلك على درجة واحدة مع الرجل من جهة إنسانية الإنسان . وإنَّ أهم شيئ يبرز الصورة الإنسانية للمرأة هو إحتجابها وسترُ محاسِنها ومفاتِنها عمّن لا يحلُّ لهم النظر إليها.
وكانت هذه المسألة من أولى مسائل التشريع الإسلامي الحنيف لأجل حفظ النظام الإنساني العام، ولأنَّ تبعات ترك الحجاب والآثار السلبية المترتبة على ذلك في غاية الخطورة ، فلم يطرحها الدين الإسلامي على أنَّها مسألة شخصية فحسب ، إنَّما اهتمَّ بها اهتماماً بليغاً وطرحها بعنوانها الإجتماعي، لأجل الحدّ من عواقب الفساد الإجتماعي الذي ينجم عن ذلك، أعاذنا الله من سوء العاقبة .
ومن تلك الإهتمامات ما جاء به القرآن الكريم حيث قال:
1-{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ"}(1)
أي يقربن الجلبابالثوب إلى أبدانهنَّ، ويسترْنَ جميع بدنهنَّ فإنَّ ذلك أقرب لأن يعرفن من أهل الصلاح والعفاف فلا يؤذين من قِبَلِ أهل الفسوق والفجور .
2- وقال تعالى :{ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْإِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الأرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَبِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(2) . فالإستثناء في هذه الآية مما يمكن لإظهاره هو الوجه والكفين(3)فقط . الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء أي لم يميّزوا بين العورة وغيرها .
ولذا ورد عن الإمام الرضا(ع) : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو إبن سبع سنين ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم .
فقرة وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ كل ما يثير الرجال .
3- {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى}(4)
وأما أخبار السُنَّة الشريفة وروايات أهل البيت(ع) التي دلّت على حرمة إظهار غير الوجه والكفين عديدة نذكر منها:"عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفراً(ع) وقد سُئِل عمّا تظهر المرأة من زينتها؟ قال : الوجه والكفين"(5) . فالجائز للمرأة هو إظهار الوجه والكفين من جسدها فقط. "وعن الإمام الكاظم(ع)سئل عن الرجل ما يصلح أن ينظر عليه من المرأة التي لا تحلّ له ؟ قال : الوجه والكفين"(6).
هذا مضافاً إلى إجماع علماء الإسلام على وجوب الحجاب، إذ لم يختلفوا في عصر من العصور على هذا الواجب، اللهم إلا في مسألة ستر الوجه والكفين، فهل يجب سترهم أم لا؟ هذا ما هو مناقش في محله. وبناءً على هذه الأسس الإسلامية الواضحة نجد أنَّ الإسلام أوجب الحجاب على المرأة لعِللٍ متعددة، فبعضها ذو جانب نفسي، والآخر إجتماعي، فالجانب النفسي يحدُّ من إثارة المجتمع، ويحفظه من الوقوع في المعاصي، وكذلك يحفظ حدود الناس، بحيث يصان المجتمع بهذه الطريقة أثر من غيرها .
ومن الجهة الإجتماعية ، يظهر الجانب الإجتماعي والإنساني في المرأة كشخصية لها دورها الريادي في الوسط الإجتماعي، ويرفع من مكانتها ويظهر خيرها كما أشرنا في بداية الأمر . هذه هي تعاليم الإسلام، وهذا هو منطق القرآن الذي نتلوه صباحاً ومساءً، وهذا هو منهج آل محمد(ص) وهذه هي حضارتنا التي نتمسك بها لأجل أن تكون لنا وقاءً من فتنة الدنيا ونار الآخرة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ}(7)
الهوامش:
[1] الأحزاب 59 .
[2] النور : 31 .
[3] رأي السيد الخوئي(رحمه الله) على الأحوط وجوباً تغطية الوجه والكفين .
[4] الأحزاب : 33.
[5] قرب الإسناد ، ص40 .
[6] قرب الإسناد .المصدر السابق.
[7] التحريم:6.
موقع الشيخ محمد حجازي