والآن وفي مثل هذه الأوضاع، تُثار الكثير من التساؤلات حول الدور الذي سيلعبه الأكراد في المستقبل السياسي للعراق و المناصب الحكومية التي سيحظون بها في العملية السياسية القادمة في العراق؟ فالأكراد العراقيون كان لهم دوراً مؤثراً منذ بدء تشكيل أول حكومة عراقية في عام 2005 وحتى أيامنا هذه، حيث كان منصب رئاسة الجمهورية من نصيبهم وكان لديهم أيضا العديد من الوزراء في الحكومة العراقية منذ بداية حقبة العراق الجديدة التي تلت سقوط الرئيس السابق “صدام حسين”.
وبعد استفتاء الاستقلال الذي اجري في إقليم كردستان في سبتمبر الماضي والذي انتهى بتخلي “برزاني” عن منصبه كزعيم لهذا الإقليم، اصبح من الصعب أن يتشارك الأكراد مع الأحزاب والحركات السياسية العراقية الأخرى لتشكيل الحكومة القادمة، حيث ترى الكثير من الأحزاب السياسية العراقية بأنه لا ينبغي أن يتولى الأكراد مناصب مهمة في الحكومة العراقية القادمة كما كانوا في السابق. وفي الوقت الحاضر ونظرا للأزمة الاقتصادية التي تعصف بهذا الإقليم الكردي ووجود الكثير من الاختلافات بين الأحزاب والحركات السياسية فيه، يتم التساؤل هنا حول كيف ستكون تركيبة القوى السياسية الكردية التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية العراقية في أيار / مايو 2018 وللإجابة على هذا السؤال، يمكننا هنا مناقشة وتحليل ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1 – مشاركة جميع التيارات والحركات السياسية في إطار تحالف وائتلاف موحد وشامل
السيناريو الأول المتعلق بنوع تركيبة القوى والتيارات السياسية الكردية التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية العراقية المقلبة، يتمثل في مشاركة جميع التيارات والقوى السياسية الكردية في إطار تحالف وائتلاف موحد وكبير يسمى “التحالف الكردستاني”. وهذا التحالف تشكل لأول مرة في عام 2005، حيث قامت جميع القوى والأحزاب السياسية الكردية بالتوحد والمشاركة في تشكيل البرلمان العراقي الذي كان يسمى المجلس الوطني للعراق ككتلة واحدة. والآن يرغب الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي برئاسة “مسعود بارزاني” الزعيم السابق لإقليم كردستان والتحالف الإسلامي الكردستاني بقيادة “صلاح الدين بهاء الدين” وجزءاً من الحزب الوطني بقيادة “كستر رسول علي”، بإقامة مثل هذه الشراكة بينهم. ولكن بالنظر إلى وجود خلافات واسعة بين الفصائل والقوى السياسية في أقليم كردستان ولا سيما المعارضة من قبل غالبية أعضاء حزب الاتحاد الوطني وأحزاب “غوران” والجماعات الإسلامية لهذه الشراكة، فإنه من المستحيل أن يتحقق هذا السيناريو وذلك لأن أحزاب المعارضة تعتقد أن قبول مثل هذا السيناريو، يعني قبول هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على كل الإقليم.
وقوف ائتلاف “السليمانية” في وجه ائتلاف “أربيل”
يمكن مناقشة السيناريو المحتمل الآخر على أساس التقسيم الجغرافي في الساحة السياسية لإقليم كرىستان العراق. فمنذ زمن طويل عانى هذا الإقليم الكردي من وجود الكثير من الخلافات والصراعات السياسية بين منطقتي “أربيل” و”السليمانية” وفي وقتنا الحاضر من الممكن أن تحدث مثل هذه الصرعات في الساحة السياسية الجديدة لهذا الإقليم. وهذا الأمر يمكن رؤيته بشكل واضح عندما سعت كلٍ من أحزاب “غوران” والجماعة الإسلامية والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة إلى تشكيل تحالف خاص بهم تحت مسمى “التحالف الوطني” للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في أقيلم كردستان.
ومن جهة اخرى ونظرا لوجود الكثير من الخلافات السياسية بين الأحزاب السياسية المتواجدة في منطقة “السليمانية”، ولا سيما وجود الكثير من الخلافات بين حزبي “الاتحاد الوطني” و”غوران فيرسانغ” في المجالات السياسية، فأنه من غير المحتمل أن يكون هناك تحالف بينهما ولذلك، يمكن القول إن هذا السيناريو لا يمكن أن يتحقق أو أن يُعمل به في منطقة “أربيل” الكردية.
تقسيم الفصائل والقوى السياسية الكردية بين محوري”العبادي” و”المالكي”
السيناريو الثالث المتعلق بنوع تركيبة القوى والتيارات السياسية الكردية التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية العراقية المقلبة، يتمثل في طبيعة موقف تلك القوى والتيارات الكردية من التحالف مع أحد القادة السياسيين “حيدر العبادي” و”نور المالكي” اللذان يسعيان للفوز بمنصب رئاسة الوزراء في الانتخابات التي ستعقد في عام 2018 ولهذا فأنه ينبغي على الأحزاب والقوى الكردية أن تختار الجانب الذي سوف تقف إلى جانبه وتتحد معه. ومن هنا يتضح لنا بأن جميع الأحزاب والقوى السياسية الكردية ستشارك بشكلٍ مستقل في الانتخابات المقبلة ومن الممكن أن تدعم هذه الأحزاب الكردية كلى هذین الزعيمين السياسيين. وتأكيدا على أن هذا السيناريو هو المرجح، يمكن الإشارة هنا إلى تلك الدعوة التي وجهتها قناة “روداوا” التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لـ”نوري المالكي” في منتصف ديسمبر / كانون الأول 2017 والتي تضمنت رسالة غير مباشرة لـ “حيدر العبادي” وغيره من الأحزاب السياسية الكردية، مفادها بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني سيشكل ائتلاف وتحالف مع “المالكي” وسوف يدعمه في الانتخابات المقبلة في حالة استمرت الضغوطات على الحزب. ومن جهة اخرى، شهدنا بداية هذا الأسبوع زيارة ممثلين عن العديد من الأحزاب السياسية الكردية، بما في ذلك الاتحاد الوطني الكردستاني تحت قيادة “بافيل طالباني” والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة والجيل الجديد، إلى بغداد للقاء “حيدر العبادي”، حيث اعرب “برغ أحمد صالح” بصراحة دعمهم لبقاء “حيدر العبادي” رئيساً للوزراء في العراق. بصفة عامة، يبدو أن هذا السيناريو أكثر واقعية من السيناريوهات السابقة وذلك بسبب تلك الحقائق الميدانية ومستوى المنافسة والصراعات السياسية بين الأحزاب السياسية في أقيلم كردستان العراق.
شفقنا
24-101