الصحف والمجلات الورقية تحتضر، وهي ليست آخر ضحايا التكنولوجيا الحديثة كما قيل بل إنها أولها، فلا عاد التلفزيون والاخبار ذات قيمة للمشاهد، ولا حتى أي وسيلة تتطلب جهدا لتصفح الخبر عبرها. فقد شهدت الصحافة تحولا جذريا بقيادة التكنولوجيا والشبكة، لتأتي مواقع التواصل الاجتماعي وتطيح حتى المواقع الالكترونية، التي كانت تكافح في الآونة الأخيرة لتكون سلطة حقيقية تشبه سلطة "المرحومة" الصحافة الورقية، فهل يذبل "فيسبوك" و"واتساب" و"تويتر"، و"انستغرام" نجم الصحافة الى الابد؟
وسط الضغوط المعيشية التي يتعرض لها الفرد في مجتمعنا يكاد لا يجد وقتاً لمتابعة نشرة الاخبار عبر التلفزيون التي كانت في زمن ما مقدسة عند البعض. فبعدما أنهى المواطن جيل مطالعة الصحف إنقض على التلفاز، وبعده على المواقع الإلكترونية التي انتشرت بكثرة في الآونة الاخيرة لتنقل الاخبار على مختلف أنواعها، والتي كانت لها ايضا مصداقية عند الناس بإعتبارها وسيلة إعلامية، قبل أن تدمر مواقع التواصل مفهوم الصحافة هذا.
في أي لحظة أردت، وفي أي مكان من العالم يمكنك معرفة ما يحصل حولك عبر تصفحك مواقع التواصل الخاصة بك. ناهيك عن حسنات هذه الميزة ومدى حاجتنا اليها، فسيئاتها تحتاج الى حلول جذرية.
تروي رنا لـ"ليبانون ديبايت" تجربتها السيئة مع مواقع التواصل والاخبار عبرها، تقول "في احدى المرات وصلني عبر تطبيق "واتساب" صوراً تم ارسالها على "غروب" لحوادث السير، لأكتشف ان السيارة المتضررة في الحادث تعود لشقيقتي وقيل أن هناك قتيلة. ولا يمكنني إخباركم عن شعوري في هذه اللحظة وأنا اتأمل الدماء في الصورة، لتتصل شقيقتي في الدقيقة نفسها لتطمئننا أنها بخير وقد جرحت رجلها بالحادث".
هذا دليل بسيط يثبت أن مواقع التواصل لا يمكن الإعتماد على مصداقيتها، فلا شروط حول هذا الموضوع، وبالتالي لا يمكن ان تكون بديلا عن الصحافة. حتى إنها لا تحترم أي خصوصية، ولا إحترام لأصول وقواعد لتحديد ما يُنشر وما لا يُنشر.
يقول أحد الشباب "امي كانت تعاني من أمراض عصبية وأدى الدواء الذي تأخذه الى إصابتها بجلطة ووفاتها، فهل من المنطق ان يُكتب على فيسبوك أن أمي إنتحرت أو رحلت "over dose" لأنها مجنونة". ويضيف "لنفترض أن ما نُشر هو الحقيقة، على الرغم من أنه ليس كذلك، فهل من المنطق ان يُنشر هكذا خبر عبر مواقع التواصل ويتم التداول به من دون التأكد من صحته ناشرين صورة والدتي بعد الوفاة، أين حرمة الموت يا جماعة؟"
الصحافي أو الاعلامي الذي كان يبذل أقصى الجهود ليأتي بـ"Scoop"، اصبح لا قيمة لعمله. فعند اي حادث او خبر عاجل أو إشكال، ترى مواقع التواصل ضجت بالخبر وتفاصيله مع صور وفيديوهات وتفاصيل من قلب الحدث. فأصبح كل مواطن مراسل في عصرنا هذا، حتى مع إختلاق الأخبار والشائعات وفبركة الأحداث، فهو لا يمتثل لأي من شروط الصحافة. ما يعني أن هناك ضوابط كثيرة يحتاجها العالم الإفتراضي ومواقع التواصل، للتحول الى وسيلة إعلامية، وتأخذ مكان الصحافة وتطبيق هذه الضوابط أشبه بالمستحيل.
كريستل خليل / ليبانون ديبايت