ومضات من سيرة الفقيه الكبير الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني

الجمعة 22 ديسمبر 2017 - 17:02 بتوقيت غرينتش
ومضات من سيرة الفقيه الكبير الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني

كانت المكانة العلمية العظيمة لهذه الشخصية التاريخية سبباً لعدم اهتمام الكثيرين بالبعد العرفاني لديه، رغم أنه كان ممن قل نظيرهم في العرفان العملي ، وقد استفاد من ساحته الوجودية عدد قليل من طلابه ، ويمكننا أن نذكر من جملتهم آية الله محمد تقي البهجة والسيد محمد حسين الطباطبائي.

ولادته

إن أرض نخجوان وآذربيجان هي إحدى المناطق التي يقطنها المسلمون و التي خرجت العلماء على مر التاريخ و قد كانت عائلة الغروي نموذجاً بارزاً من هذه العائلات.

و الحكيم اللبيب والفقيه النقي الحاج الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني والذي كان يصف نفسه في أشعاره بالمفتقر- هو من هذه السلالة المعروفة والمشهورة أيضاً و هو ابن الحاج محمد حسن بن علي أكبر بن آغا بابا بن آغا كوجك بن الحاج محمد إسماعيل بن الحاج محمد حاتم نخجواني الأصفهاني (الكمباني)، من عائلة متدينة عريقة في مدينة الكاظمية المقدسة، كان المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني المشهور بالكمباني الإبن الوحيد لأسرته .
ولد قدس سره في الكاظمية في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة 1296هـ. وقد كان والده الحاج محمد حسن والذي كان تاجراً خلوقاً ومحسناً يبذل جهده في تربية ولده، وقد كان سبب تسميته لولده بـ (محمد حسين) أنه قد ولد في شهر الملحمة الحسينية المستمرة محرم الحرام.حتى يبقى دائماً عاشقاً لركب سيد الشهداء ويستفيد من الحضور القوي في هذا الشهر ليتعلم الحرية والشجاعة. إن عائلة المحقق الغروي كانت من العائلات المتدينة التي قطنت تلك المنطقة جيلاً بعد جيل وحازت دائماً على منزلة عالية بين الناس.
ذكر هذه النكتة لا يخلو من اللطف أنه كيف جاء الشيخ محمد حسين الاصفهاني إلى الكاظمين. هذه الحادثة ترتبط باتفاقية (تركمانجاي) حيث بموجب هذه الاتفاقية وهذا القرار المشؤوم تم اقتطاع جزء من إيران الذي كان يشمل القوقاز و نخجوان و قسم من أذربيجان فهاجر المسلمون كل إلى ناحية و بالمحصلة فقد هجرت عائلة نخجواني (أجداد آية الله الغروي) مساكنها وقصدت برفقة الحاج محمد اسماعيل نخجواني (جد آية الله الغروي) إلى مدينة تبريز. ولكن لم تكن الأوضاع تساعدهم هناك فهاجروا بعد مدة إلى أصفهان وبقوا فيها عدة سنين ولذا اشتهرت عائلتهم بالأصفهان. ولكن أيضا لم تكن اصفهان مكاناً مناسباً للعيش لهم ،فقصد والد آية الله الغروي الأصفهاني طريق الكاظمين واتخذها موطناً له ولأولاده.

الحاج محمد حسن والد آية الله الغروي الأصفهاني لم يعد هناك ذاك الشخص الغريب. فاليوم وبعد محنة التشرد صار في الكاظمين. والآن الجميع يحترمون صاحب الخير والكفوء الحاج محمد حسن. و بغض النظر عن هذا ، فإنه كان بين الناس والتجار الكبار في العراق مشهوراً بأنه رجل صالح ومصلح بين الناس. وكذلك كان تاجراً صاحب اسم و وجيهاً في الحوزة العلمية الكبيرة في النجف الأشرف يومها. و كان الجميع ينادونه بـ(معين التجار)تعظيماً لشأنه.

ذكاؤه في الطفولة                                   

يقول العلامة المظفر في حق أستاذه العلامة الشيخ الغروي الأصفهاني: " لقد كان ذا استعداد ذاتي للرقي والرفعة ،و قد استفاد من هذه التوفيقات بشكل جيد، و كشف عن نبوغه الفطري في طفولته، و في الوقت الذي ما يزال فيه طفلاً يافعاً ، كان خطه جميلاً جداً، و كون الخط الجميل كان يعد من الحِرف الظريفة والجميلة، فقد حظي هذا الطفل على شهرة بين أهل الذوق والعلم.”

و قد أدرك والده هذا الاستعداد لدى ولده ،فهيأ له كل وسائل التحصيل و الرقي حتى ينمي له هذه القدرات و هذا الاستعداد.

إشتهاره بالكمباني لم يكن لائقا به

هذا الخطأ نشأ من أن والده الحاج محمد حسن الأصفهاني- المعروف بمعين التجار- تولى مسؤولية السكة الحديدية بين بغداد والكاظمية، و هو أول من أسس هذا العمل النافع. و من هنا ولهذا السبب فقط سمي الديوان الشعري لابنه بديوان الكمباني، و كذلك عرف هذا الحكيم الإلهي باسم آية الله الكمباني.وكما ينقل أنه لم يكن راضيا عن هذا اللقب بل كان يبدي انزعاجه من سماع هذه الكلمة الغريبة.

بداية تحصيله للعلوم الدينية

و قد ظهرت عليه بوادر الرغبة الشديدة في تعلم العلوم الدينية منذ نعومة أظافره، و لكنه واجه رفضا من قبل الأب الذي كان يزاول مهنة التجارة ،و كان يرتضي لإبنه العمل في التجارة أيضا ليكون عونا له في أعماله .
ونقل أنه اتفق للأب والابن أن تشرفا بزيارة حرم الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، و هناك دعا الابن ربه ملتجئا للإمام الكاظم عليه السلام أن يلين قلب أبيه ويكسبه رضاه للذهاب لطلب العلم، فاستجيب دعاؤه وحصل على موافقة الأب في نفس الحرم الشريف ، فأخذ بتعلم العلوم الدينية بجد و مثابرة حتى أتقن أسس مقدمات العلوم، و تهيأ للدخول إلى حوزة النجف الأشرف الكبيرة .[1]و منذ ذلك اليوم بدأ حياته العلميه و كان والده مسروراً منه، وسلك طريق النجف الأشرف بقلب مطمئن.

في طلب العلم

كان الشيخ محمد حسين في العقد الثاني من عمره حينما دخل مدينة النجف الأشرف (سنة 1314-1315 ق)،و لم يقض وقتاً في إكمال دروس مرحلة المقدمات،درساً بعد الآخر، حتى التحق مباشرة بدرس الكبار من أساتذة الحوزة في ذلك الوقت.و كان أساتذته في مرحلة السطوح و بحث الخارج، وكما ذكروا بالترتيب في كتب التراجم هم:

1-الشيخ حسن تويسركاني (المتوفى 1320 ق): فقد سلك الشيخ محمد حسين الغروي تبعا لأستاذه قبل الجميع سلم الرقي والسمو المعنوي، وتعلم منه السعي والتقوى ،وعندما بلغ الربيع الرابع والعشرين، تلقى نبأ رحيل أستاذه التويسركاني.

2-آية الله السيد محمد الطباطبائي الفشاركي: (1353-1316 ق) لم يتمكن المحقق الغروي من الإستفادة من فيض أستاذه المبجل والخلوق أكثر من سنتين. وقد سكن آية الله الفشاركي في سامراء حتى سنة (1312 ق)

3-الحاج آغا رضا الهمداني (1250-1322 ق) إن حضور الشيخ الغروي عند آية الله الهمداني -والمعروف بأثره الكبير، وهو كتاب (مصباح الفقيه) -لم يكن طويلاً ولما بلغ المحقق الغروي من عمره السادسة والعشرين ، فارق أستاذه الهمداني هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية.

4-آية الله الآخوند الخراساني (1255-1329 ق) :كان الشيخ محمد حسين شاباً لم يتجاوز العشرين من عمره عندما التحق بدرس الآخوند الخراساني، و ظل مواظباً على الحضور و بشكل منتظم إلى آخر عمر الآخوند الذي طال ثلاث عشرة سنة، و خلال هذه السنوات التي أغلبها كان حول شرحه على كفاية الأصول .فقد كان الشيخ الغروي طالباً من الطرا ز الأول عند الآخوند وطوال حياة الآخوند كان يجتنب التدريس بشكل مستقل احتراماً لاستاذه .وبعد رحيل أستاذه أصبح الشيخ محمد حسين عالماً ذا منزلة عظيمة وكان عمره ثلاثة و ثلاثون سنة ، و صار مكان أستاذه مدرساً مشهوراً على مستوى النجف الأشرف.

والغالب في درس المحقق الغروي عند هؤلاء الأربعة  هو درس الفقه والأصول، أما أساتذته في الحكمة والفلسفة فهم:

1-الحكيم محمد باقر الاصطهباناتي الشيرازي (المتوفى 1326 هـ.ق) الحكيم الاصطهباناتي بقي في النجف الأشرف حتى سنة 1319 ق فقط، ولم يحضر الشيخ الغروي عند هذا الاستاذ الحكيم أكثر من أربع إلى خمس سنوات.

2-الشيخ أحمد الشيرازي المتوفي (1322 ق) ،بالنظر إلى تاريخ وفاته يمكن القول أن المحقق الغروي إستفاد من هذا الاستاذ الحكيم كثيراً.ولكن العجيب أن أحداً من الذين كتبوا سيرة العلامة الغروي لم يأت على اسم هذا الحكيم.

زملاء المرحوم الغروي الأصفهاني

1-العارف الكبير المعاصر آية الله الميرزا جواد آغا الملكي التبريزي

2-الميرزا علي أصغر الملكي التبريزي

3-الميرزا حبيب الملكي التبريزي- و هو أخ الميرزا علي أصغر – واللذين هما أولاد عم الميرزا جواد آغا الملكي و آية الله الغروي، و قد كان له صحبة معهم جميعاً، ولكنه كان له أنس مع الميرزا علي الأصغر، وهو صاحب العارف الواصل الميرزا جواد آغا الملكي لفترة طويلة. فقد كانا من طلاب الحاج آغا رضا الهمداني، وحتى سنة 1320 ق أي في السنة التي رجع فيها الميرزا جواد آغا من النجف إلى إيران، يمضيان وقتهما معاً وبعد ذلك كانا يتواصلان عبر الرسائل ليطمئنا عن أحوال بعضهما.

4-الفقيه الأصولي الميرزا محمد حسين النائيني (1277-1355 ق) ،فقد جمعته مع الشيخ الغروي علاقة وثيقة جداً وكانا يعينان بعضهما في مواطن الشدة.

5-آية الله السيد أحمد الكربلائي الطهراني (1332 ق).

مشايخ آية الله الغروي
هناك الكثير من العلماء والمفكرين ممن أجازوا الرواية للعلامة الغروي و نذكر منهم على سبيل المثال:

1-المحدث الكبير الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي، جامع الكتاب الروائي الشيعي مستدرك الوسائل.

2-آية الله السيد حسن صدر الدين الموسوي المعروف بالصدر الكاظمي مؤلف كتاب تأسيس الشيعة و

3-الميرزا محمد باقر اصطهباناتي الشيرازي.

4-الشيخ أحمد الشيرازي المعروف بـ(شانه ساز).

5-شيخ الشريعة الأصفهاني.

آثار العلامة الغروي

تتميز مؤلفات نابغة النجف الأشرف آية الله محمد حسين الغروي الأصفهاني بالاستدلال والابتكار الذي تتضمنه ، مما يحكي عن عمق نظره ودقته وهذا ما جعله أحد أركان علم الأصول و صاحب الفكر العميق في الحكمة وعارفاً تقياً وزاهدا،راهبا في الليل وقد ذاع صيته ومؤلفاته البليغة تحكي لنا عن صفاته الحميدة و علمه العميق.

ينقل آية الله العظمى الشيخ البهجة قدس سره أن المرحوم آغا السيد علي نجف آبادي، كان شخصاً متديناً ومنصفاً وفي الوقت الذي أتى به إلى النجف كان يطالع الكتب الخطية للمرحوم آغا ضياء والمرحوم آغا الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره ،وكان يقول كنت أستفيد حتى من المواضع المشطوبة.

من بعض آثاره الخالدة في مختلف العلوم هي:

الف) علم الاصول:

1-الاجتهاد والتقليد والعدالة

2-الأصول على النهج الحديث

3- الطلب والإرادة عند الإمامية والمعتزلة والأشاعرة وهذه الكتب الثلاثة تمت طباعتها ضمن مجلد كبير تحت عنوان (بحوث في الأصول).

4- نهاية الدراية في شرح الكفاية في أربع مجلدات وقد ورد الكثير من التجليل والتعظيم لهذا الكتاب الذي يعد أكبر مؤلف للعلامة الغروي في علم الأصول ،وحقاً أن هذا الشرح يشتمل على نهاية الدراية وهو لا يقل عن كتاب الكفاية بل إنه أفضل منه.

5- حاشيه علي رساله القطع للشيخ الانصاري

6- عدة رسائل في مباحث الأصول المختلفة منها:

-رسالة في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه وصنفه وشخصه

-رسالة في أقسام الوضع والبحث عن المعنى الحرفي

- رسالة في علائم الحقيقة والمجاز

- رسالة في الحقيقة الشرعيه

- رسالة في الصحيح والأعم

- رسالة في اشتراك الألفاظ

- رسالة في الشرط المتأخر

-رسالة في موضوع العلم

- رسالة في إطلاق الأمر

- رسالتان في المشتق

- رسالة في الحروف

ب) علم الفقه:

1- كتاب الاجارة

2- صلاه الجماعة

3-صلاه المسافر؛ هذه الكتب الثلاثة تمت طباعتها حديثاً ضمن مجلد واحد باسم (بحوث في الفقه)

4- حاشية كتاب المكاسب، حاشية على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري وهو أشهر أثر فقهي للعلامة الغروي وقد تمت طباعته بعد سنتين من رحيله ضمن مجلدين من القطع الرحلي.

5-حاشية على كتاب الطهارة للشيخ الأعظم الأنصاري.

6-عدة رسائل فقهية منها:

-رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات

-رسالة في تحقيق الحق والحكم

7- ثلاث منظومات حول الاعتكاف والصوم وصلاة الجماعة

8- الوسيلة :توضيح المسائل باللغة العربية

9- ذخيرة العباد (توضيح المسائل)باللغة الفارسية

ج) الفلسفة والحكمة

1-تحفة الحكيم: وهي منظومة على طبق منظومة الحكيم السبزواري في الحكمة المتعالية، و قد حظيت باهتمام أهل الفن من الحكماء منذ اليوم الأول من نشرها وقام بعض الحكماء والمؤلفون بشرحها.

2-رسالة في إثبات المعاد الجسماني.

3-حاشية على الأسفار للملا صدرا.

4-مكاتبات في الفلسفة والعرفان (مجموعة من 14 رسالة ومكاتبة في الفلسفة والعرفان حول التوحيد ومراتب الذات وأسماء وصفات الله عز و جل) والتي تمت مبادلتها بين الحاج السيد أحمد الطهراني المعروف بالكربلائي والحاج الشيخ محمد حسين الأصفهاني حول بيتي شعر من أشعار العطار النيشابوري في كتاب منطق الطير.وهذا هو شعر العطار النشابوري:

دائما او پادشاه مطلق است در كمال عز خود مستغرق است

هو دائماً الملك المطلق ومستغرق في كمال عزه

او بسر نايد زخود آنجا كه اوست كى رسد عقل وجود آنجا كه اوست؟؟

نصف هذه المراسلات هي من الحكيم الغروي الأصفهاني والنصف الآخر من العارف المشهور السيد أحمد الكربلائي حيث تم تداول النقد والتحقيق فيما بينهم، وهذا الأثر الخالد هو حصيلة هذه المناظرات العلمية. ويجدر القول أن الشيخ محمد الإصفهاني قد درس شرح المنظومة أيضاً والحصيلة أنه تم تحرير قسمٍ منها . ويقول آية الله الشيخ البهجة في هذا السياق:كان المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني قد درس شرح المنظومة، وقد تم تقرير قسم منها من قبل أحد زملائي وعرفت من الخط أنه السيد الخوئي، ولكن كلما بحثت لم أعرف من هو الذي قرر البحث ، فقد كانت كل كلمة برهان بحد ذاتها و كنت أرغب بمعرفته لأنه كان يعلم بمنهجية.

د)بقية الآثار:
1-تفسير القرآن:هذا التفسير الذي كمل نصفه ظاهراً و لم يطبع لحد الآن.

2-الأنوار القدسية: مجموعة تسر الفؤاد من الشعر العربي لآية الله االغروي.

3-ديوان المفتقر :هذا الكتاب جمع فيه أشعار الحكيم الغروي باللغة الفارسية وسمي الديوان باسم لا يليق بشأنه وطبع عشرات المرات ونشر، وهذا الخطأ ناشئ من أن والد الشاعر الحكيم وعارف حوزة النجف الأشرف محمد حسن الأصفهاني المعروف بمعين التجار الكمباني أي متولي شركة الخط الحديدي بين بغداد والكاظمين والذي كان أول من أسس هذا العمل الخيري، فمن هنا ولهذا السبب فقط سمي ديوان شعر ابنه بديوان الكمباني وصار الحكيم الإلهي معروفاً بآية الله الكمباني . كما نقل أنه لم يكن يرض بهذا الإاسم وكان يبدي عدم إرتياحه من سماع هذه الكلمة.

4-ديوان الغزليات أو مجموعة عرفانيات.

أشعار آية الله الغروي:

تم طباعة دواوين شعره بالعربية والفارسية ،فالغروي الأصفهاني هو من جملة الشعراء الذين كتبوا قصائد مفجعة في مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.وكذلك هناك فصل حماسي من ديوان أشعار هذا الكبير خاص بالغزليات المهدوية ،وأيضاً له شعر معروف بكلمات رصينة تسكن القلب في مصيبة السيدة الزهراء سلام الله عليها والتي قليلا ما يتركها قراء العزاء في المجالس:

وما أصابها من المصاب * مفتاح بابه حديث الباب
إن حديث الباب ذو شجون * بما جنت به يد الخؤون

أيهجم العدا على بيت الهدى * ومهبط الوحي، ومنتدى الندى
أيضرم النار بباب دارها * وآية النور على منارها

وبابها باب نبي الرحمة * وباب أبواب نجاة الأمة
بل بابها باب العلي الأعلى * فثم وجه الله قد تجلى

ما اكتسبوا بالنار غير العار * ومن ورائه عذاب النار
ما أجهل القوم فإن النار لا * تطفئ نور الله جل وعلا

لكن كسر الضلع ليس ينجبر * إلا بصمصام عزيز مقتدر
إذ رض تلك الأضلع الزكية * رزية لا مثلها رزية

ومن نبوع الدم من ثدييها * يعرف عظم ما جرى عليها
وجاوزوا الحد بلطم الخد * شلت يد الطغيان والتعدي

فاحمرت العين، وعين المعرفة * تذرف بالدمع على تلك الصفة
ولا تزيل حمرة العين سوى * بيض السيوف يوم ينشر اللوا

وللسياط رنة صداها * في مسمع الدهر فما أشجاها
والأثر الباقي كمثل الدملج * في عضد الزهراء أقوى الحجج

ومن سواد متنها اسود الفضا * يا ساعد الله الإمام المرتضى
ووكز نعل السيف في جنبيها * أتى بكل ما أتى عليها

ولست أدري خبر المسمار * سل صدرها خزانة الأسرار
وفي جنين المجد ما يدمي الحشا * وهل لهم إخفاء أمر قد فشا

والباب والجدار والدماء * شهود صدق ما بها خفاء
لقد جنى الجاني على جنينها * فاندكت الجبال من حنينها

أهكذا يصنع بابنة النبي * حرصا على الملك فيا للعجب
أتمنع المكروبة المقروحة * عن البكا خوفا من الفضيحة

بالله ينبغي لها تبكي دما * ما دامت الأرض ودارت السما
لفقد عزها، أبيها السامي * ولاهتضامها وذل الحامي

أتستباح نحلة الصديقة * وإرثها من أشرف الخليقة
كيف يرد قولها بالزور * إذ هو رد آية التطهير

أيؤخذ الدين من الأعرابي * وينبذ المنصوص في الكتاب
فاستلبوا ما ملكت يداها * وارتكبوا الخزية منتهاها

يا ويلهم قد سألوها البينة * على خلاف السنة المبينة
وردهم شهادة الشهود * أكبر شاهد على المقصود

ولم يكن سد الثغور عرضا * بل سد بابها وباب المرتضى
صدوا عن الحق وسدوا بابه * كأنهم قد أمنوا عذابه

أبضعة الطهر العظيم قدرها * تدفن ليلا ويعفى قبرها
ما دفنت ليلا بستر وخفا * إلا لوجدها على أهل الجفا

ما سمع السامع فيما سمعا * مجهولة بالقدر والقبر معا
يا ويلهم من غضب الجبار * بظلمهم ريحانة المختار

من أقوال العلماء فيه

1ـ قال الشيخ محمد رضا المظفر(قدس سره): "كان من زمرة النوابغ القلائل الذين لا يضن الزمان بهم إلا في الفترات المتقطعة، ومن أولئك المجددين للمذهب، الذين يبعث الله تعالى واحداً منهم في كل قرن، ومن تلك الشخصيات اللامعة في تاريخ قرون علمي الفقه والأصول".

2ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهراني(قدس سره) في نقباء البشر: "ولما توفي شيخنا الخراساني برز بشكل خاص، فحف به جمع من الطلاب، واستقل بالتدريس في الفقه والأصول، وكان جامعاً متفنناً شارك ـ بالإضافة إلى ما ذكر ـ في الكلام والتفسير والحكمة والتأريخ والعرفان والأدب إلى ما هنالك من العلوم، وكان متضلعاً فيها.

وله في الأدب العربي أشواط بعيدة، وكان له القدح المعلى في النظم والنثر، امتاز ببراعة وسلاسة ودقة وانسجام، وأكثر نظمه أراجيز، بالجملة هو من نوابغ الدهر الذين امتازوا بالعبقرية وبالملكات والمؤهلات، وغرقوا في المواهب.

كان محترم الجانب، موقراً من قبل علماء عصره، مرموقاً في الجامعة النجفية، اشتغل بالتدريس في الفقه والأصول والعلوم العقلية زمناً طويلاً، كانت له قدم راسخة في الفقه وباع طويل في الأصول، وآثار في ذلك تدل على أنظاره العميقة وآرائه الناضجة".

3ـ قال السيد محمد حسين الطباطبائي(قدس سره): "إن الشيخ الإصفهاني كان عالماً جامعاً للعلم والعمل والتقوى والذوق، وكان يمتلك طبعاً رصيناً وكلاماً جميلاً."

منبر تدريسه

بعد رحيل استاذه المرحوم الآخوند كان نوره يشع بين زملائه كالشمس،و قد خرج الكثير من طلابه الذين كانوا يحضرون بحثه بين مرجع تقليد وفقيه وفيلسوف إلى مفسر ومحدث ومتفكر وكاتب وعارف و واعظ إلى حد أن تلامذته الذين اكتسبوا الشهرة كان عددهم بحدود مائة وخمسون شخصاً ممن كانوا يستفيضون من منبر درس العلامة الغروي، ومن جملة الكرامات العلمية لهذا العظيم أن تلامذته صاروا من بعده مراجع تقليد من الدرجة الأولى ، ومنهم:السيد محمد هادي الميلاني ، السيد أبو القاسم الخوئي ، الشيخ محمد تقي البهجة ؛إذ أن كل واحد منهم وصل لدرجة المرجعية المطلقة في وقته.أيضاً العلامة الطباطبائي أحد كبار مفسري الشيعة صاحب تفسير الميزان هو من تلامذة هذه الشخصية العلمية الكبيرة. ومن جملة تلامذته الذين يعدون من الشخصيات العلمية الكبيرة هم:

الشيخ محمدتقي البهجت الفومني الرشتي (1334 ق)
السيد محمد الحجة الكوه كمري (1310-1372 ق(
السيد حسين الطباطبايي البروجردي (1292-1380 ق(
السيد محمدهادي الميلاني (1313-1395 ق(
السيد ابوالقاسم الخويي (1317-1413 ق(
السيد عبدالاعلى السبزواري (1328-1414 ق(
الشيخ ابوالفضل الخوانساري ( 1334 ق(
السيد علي البهشتي البابلي (1324 ق(
الشيخ عبدالحسين الاميني (1320-1380 ق)
الحاج شيخ علي محمد البروجردي (1315-1395 ق(
العلامه السيد محمدحسين الطباطبايي (1321-1402 ق)

السيد محمدحسن الالهي الطباطبائي
الشيخ محمدعلي الاردوبادي (1312-1380 ق(
الشيخ محمدرضا المظفر (1322-1384 ق(
الشيخ محمدحسين المظفر (1312-1381 ق(
السيد محمدتقي آل بحرالعلوم (1318-1393 ق(
السيد نورالدين الميلاني الحائري (متولد 1336 ق(
السيد صدرالدين الشوشتري الجزايري (1313-1385 ق(
المحمدطاهر آل شيخ راضي (1322-1400 ق(
و قد كانت المكانة العلمية العظيمة لهذه الشخصية التاريخية سبباً لعدم اهتمام الكثيرين بالبعد العرفاني لديه، رغم أنه كان ممن قل نظيرهم في العرفان العملي ، وقد استفاد من ساحته الوجودية عدد قليل من طلابه ، ويمكننا أن نذكر من جملتهم آية الله محمد تقي البهجة والسيد محمد حسين الطباطبائي.

وفاته

تُوفّي(قدس سره) في الخامس من ذي الحجّة 1361ﻫ في النجف الأشرف، ودُفن بجوار مرقد الإمام علي(عليه السلام).

[1] هذه الرواية التاريخية نقلها الأستاذ السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي -قدس سره -عن الشيخ محمد الغروي ابن آية الله الغروي الذي ينقل عن أبيه :أن والده كان يتحدث كثيراً وبمناسبات مختلفة عن دور التوسل في مسار حياته، وكان يقول أنه مديون لألطاف سيدنا ومولانا الإمام موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه.

المصدر:شبكة السلوك و الشيعة