هذا ما قالوه عن كرامات الشيخ بهجت (قده)

الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 - 17:42 بتوقيت غرينتش
هذا ما قالوه عن كرامات الشيخ بهجت (قده)

"من جملة الأشخاص الذين كانوا يروون أن لسماحة الشيخ البهجة كمالات رفيعة، هو الشيخ عباس القوجاني خليفة المرحوم السيد القاضي في المسائل الأخلاقية والعرفانية، والذي كان يقيم في النجف الأشرف. كان الشيخ عباس يقول: عندما كان الشيخ البهجة شاباً ولم يبلغ العشرين من عمره بعد (كما أذكر أنه استخدم تعبيراً آخر وهو أنه لم تنبت لحيته بعد)...

من آثار تعلق الشيخ بهجت بساحة القدس وتمسكه بالعروة الوثقى والحبل الوثيق المتصل بين السماء والأرض واقتدائه الحقيقي بالمنهج القويم لأهل البيت (عليهم السلام)، منحه الله سبحانه ما يمنح لأوليائه المخلصين له في التوحيد والمطيعين له في السر والعلانية، وهذه الكرامة هي إحدى ما وهب الله سبحانه لعبده الشيخ محمد تقي البهجة (البالغ مناه)، حيث ينقل الشيخ جواد الكربلائي(قدس سره):

"كنا في جلسةٍ خاصةٍ مع المرحوم آية الله الشيخ عباس القوچاني الذي كان من تلامذة آية الله الحاج ميرزا علي القاضي ووصيه(1)، وبعد التعريف والتمجيد الكثير بسماحة الشيخ البهجة قال لي: في سفري إلى إيران لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام)، تشرفت بزيارة سماحة الشيخ البهجة وفي جلسةٍ خاصة وبعد إصراري الشديد طلبت من سماحته أن يُحدثني عن أحواله الشخصية وألطاف الباري تعالى عليه، وبعض مكاشفاته، فحدثني تقريباً عن عشرين أمراً مهماً ولطفٍ إلهي خاص وهبها الله تعالى له، وأخذ عهداً مني بأن لاأطلع أحداً عليها لكني أخبرت بعض الأصدقاء عن واحدةٍ منها.

[يقول الشيخ الكربلائي:] وأصررت على آية الله الشيخ عباس القوچاني (قدس سره) أن يخبرني عن هذا المورد الواحد. فقال لي. قال سماحة الشيخ البهجة: إذا أردت، أستطيع أن أرى أي شيءٍ وراء ظهري".(2)

وينقل آية الله النجفي (قدس سره) والذي كان أحد طلبة السيد القاضي (قدس سره):

"إنه كلما كان يتأخر الأُستاذ السيد القاضي(قدس سره) عن الحضور إلى الدرس كان الطلبة ينقلون ما ينزل عليهم من مواهب إلهية نتيجة ما يقومون به من تهذيب للنفس، وفي أحد الأيام جاء دور سماحة الشيخ محمد تقي البهجة، ولكنه لم يتكلم عن المواهب الإلهية والكرامات التي تحصل معه، وإنما بدأ يتكلم عن أحوال الأستاذ وما يقوم به في نفس تلك اللحظات، فقال: لقد دخل السيد الآن إلى النهر، بدأ السيد الآن بالغسل، انتهى السيد من الغسل، خرج السيد من النهر، لبس السيد ملابسه، السيد الآن في طريقه إلى هنا، أوقفه الآن أحد السادة وصار يسأله سؤالاً، السيد الآن توجه إلى هنا، وصل السيد الآن خلف الباب. يقول آية الله النجفي: في نفس تلك اللحظة دخل سماحة السيد القاضي(قدس سره) ونظر للشيخ البهجة وابتسم وقال له: "لقد زرعت اليوم وردة!"(3)

وقد غمره السيد القاضي حقاً بلطفه وعنايته، وعلى الرغم من أنه كان في عنفوان شبابه فقد استطاع أن يطوي مراحل مهمة في السير والسلوك، مما جعل الآخرين يغبطونه على ذلك وصار محط إعجاب واهتمام أستاذه القاضي حتى أصبحوا يلقبونه بالفاضل الجيلاني(4). ناهيك عن كسبه تجارب عرفانية من فحول أساتذته في هذا المجال(5)، وينقل آية الله الشيخ محمد الغروي صاحب كتاب الأمثال في نهج البلاغة، أنه شاهد العالم العارف السيد علياً القاضي في مسجد السهلة يأتم بتلميذه الشيخ البهجة الذي حاز مرتبة قل نظيرها في العبودية، كما وينقل أيضاً الشيخ آقا ضياء الآملي(6)نجل الشيخ محمد تقي الآملي(7) أنه قد رأى آية الله السيد القاضي مراراً وتكراراً وهو يقتدي بالشيخ البهجة، ومن لديه أدنى معرفة يعلم أن أمثال هؤلاء العظام لايعرفون للمجاملة شخصاً ولا يُعيرون لها وزناً في حياتهم فما يقومون به هو عين ما يريدون، أي أن اقتداء السيد القاضي بالشيخ البهجة في الصلاة كان لما يراه في صلاة هذا الشاب من العروج والانقطاع الكامل عما سوى الله، وهذا وسام شرف خاص بالشيخ البهجة دون غيره.

وأما الوسام الأكبر فهو ما ينقله أحد طلبة السيد القاضي (قدس سره) وأحد أبناء كبار العلماء في أصفهان أن السيد القاضي (قدس سره) كان يُرجع الآخرين إلى تلميذه الشيخ البهجة حيث كان يقول: من بعدي الشيخ ابراهيم السيستاني ـ الذي كان صهراً للسيد القاضي ـ ومن بعده هذا [أي الشيخ البهجة] وكان يضع يده على كتفه.(8)

ويقول آية الله الشيخ المصباح اليزدي:

"من جملة الأشخاص الذين كانوا يروون أن لسماحة الشيخ البهجة كمالات رفيعة، هو الشيخ عباس القوجاني خليفة المرحوم السيد القاضي في المسائل الأخلاقية والعرفانية، والذي كان يقيم في النجف الأشرف. كان الشيخ عباس يقول: عندما كان الشيخ البهجة شاباً ولم يبلغ العشرين من عمره بعد (كما أذكر أنه استخدم تعبيراً آخر وهو أنه لم تنبت لحيته بعد) كان قد وصل إلى مقاماتٍ عرفنا بها من خلال صداقتنا الحميمة معه، وكان قد أخذ عهداً منا أن لا نُخبر بها مادام حياً، كان قد وصل إلى هذه المقامات وعمره سبع عشرة أو ثماني عشرة سنة، ومن جملتها مسألة الموت الاختياري. هكذا شخصٌ وصل إلى هكذا درجة قبل أن يبلغ العشرين من عمره، فما بالك بعد هذا السير السلوكي العرفاني إلى أن وصل إلى الثمانين من عمره، وما هي الدرجة والمقرُبة من الله تعالى التي قد وصل إليها."(9)

وينقل نجل آية الله الشيخ عباس القوجاني أنه سمع من والده:

"كنت بمحضر السيد القاضي (قدس سره) حيث وصلت لسماحته رسالة من الشيخ البهجة، كان فيها -والتي كنت قد قرأتها بنفسي- كان الشيخ البهجة يسأل السيد القاضي: إذا كان الشخص قد أصبح في محضر الإمام الحجة  بخلع الروح ثلاثة أيام، فما هو حكم صلاته وصيامه؟ فقال السيد القاضي هذه المسألة مرتبطة بنفسه [أي هذه الحالة تصير لنفس الشيخ البهجة."(10)

ويقول آية الله الشيخ المصباح اليزدي: إن المرحوم السيد مصطفى الخميني ينقل عن والده آية الله السيد الخميني(قدس سره):"إن سماحة الشيخ البهجة يمتلك مقامات معنوية ممتازة جداً!".

ومن جملة المطالب التي ينقلها السيد مصطفى الخميني عن والده:

"إن الشيخ البهجة يمتلك الموت الاختياري، أي عنده هذه القدرة، بأنه يفصل روحه عن بدنه في الوقت الذي يشاء ـ وما يصطلح عليه بخلع الروح ـ ويرجعها مرة أُخرى."(11)

وقصة أُخرى في هذا السياق ينقلها آية الله الشيخ محمد الغروي(قدس سره) صاحب "الأمثال النبوية"(12) والذي كان أحد المجتهدين في النجف الأشرف وكان قد أدرك محضر كبار العلماء مثل آية الله السيد علي القاضي، وآية الله الشيخ محمد جواد الأنصاري الهمداني قدس الله سرهما:

"في سنة ١٣٦٠ هـ . ق اتفق جماعة والذين كانوا عبارة عن آية الله الشيخ محمد آقا الطهراني (قدس سره)، وآية الله السيد نصر الله المستنبط (قدس سره) الذي هو صهر آية الله السيد الخوئي(قدس سره)، وآية الله الميرزا علي الهمداني (قدس سره)، وآية الله السيد حسن الشالوي (قدس سره)، وآية الله العظمى البهجة (البالغ مناه)، وكاسب اسمه المشهدي حسن (رحمة الله عليه)، تحركنا مشياً من النجف بقصد زيارة كربلاء، في ذاك الوقت، كنا كلنا شباباً، ولم يكن آية الله العظمى الشيخ البهجة قد تزوج بعد، أقمنا صلاة المغرب والعشاء في مسجد السهلة، ومشينا باتجاه كربلاء. عند الفجر وصلنا لمنزل (منطقة المصلى) وأردنا أن نصلي الصبح هناك، اقتدينا جميعاً بحضرة آية الله العظمى الشيخ البهجة، في الصلاة تلا سماحته سورة القدر، كنت واقفاً في الصف الثاني، للحظة واحدة توجهت أن الشيخ في حالة تجرد الروح، وروحه صارت في الأمام تقرأ سورة القدر وجسم سماحته قد اقتدى بروحه، نحن رأينا هذه القضية من سماحته، وقد كان سماحته طول السفر ساكتاً تماماً ومشغولاً بالذكر."(13)

وينقل آية الله السيد أحمد الفهري(قدس سره):

"عندما سألت الشيخ البهجة عن بعض الأمور المستحبة فقال لي: في نفس هذا الوضع الذي أنا فيه، بعض الأوقات يصبح لدى بعض الحالات، بحيث إن كف النفس عنها إما غير ممكن أو صعب كثيراً، وبعد ذلك أستلقي في الفراش لمدة يومين أو ثلاثة أيام ولا أقدر على التحرك."(14)

ومن الكرامات التي تدل على صفاء الباطن وسمو الروح لدى سماحته أيضاً ما نقله المرحوم آية الله الحاج الشيخ عباس القوجاني وصي آية الله السيد القاضي(قدس سره):

"إن الحاج الشيخ محمد تقي البهجة كان يحضر في الفقه والأصول في درس المرحوم آية الله الحاج الشيخ محمد حسين الأصفهاني المعروف بالكمباني(قدس سره)، وعندما كان يرجع إلى حجرته في مدرسة المرحوم السيد وكان بعض الطلاب الذين يبقى لديهم إشكالات في الدرس يذهبون إلى حجرة سماحته ويرفعون إشكالاتهم. ومادام سماحته في الحجرة نائماً كانوا يسألونه وهو نائم، وسماحته يعطيهم الجواب الكافي والشافي كما لو كان مستيقظاً، وعندما كان يستيقظ من النوم ويتحدثون حول القضايا والأسئلة التي تم طرحها على سماحته في حالة النوم لم يكن على اطلاع أبداً وكان يقول: أصلاً ليس في ذهني، لا شيء في خاطري مما تقولون».

لا يخفى على اللبيب ما في هذه القصة من أُمور عجيبة: الأمر الأول: رجوع تلامذة الأُصولي الكبير الشيخ الأصفهاني(قدس سره) للشيخ البهجة(قدس سره) مما يدل على مدى علميته وأفضليته. الثاني: وهو أكثر عجباً من الأول أن سماحته كان يجيب عن الأسئلة وهو نائم، وأيضاً الأسئلة لم تكن بالأسئلة العادية بل كانت أسئلة أصولية ـ والتي عادةً ما تكون دقيقة وعميقة وبحاجة لوعي كامل من المجيب ـ ومع ذلك كان يجيبهم وهو نائم.

ولم يُنقل مثل هذه الكرامة لغير سماحته إلا لأستاذه آية الله الشيخ مرتضى الطالقاني(قدس سره) والذي كان أيضاً يجيب عن الأسئلة وهو نائم.

وهناك قصة أخرى ينقلها السيد الفهري نجل آية السيد أحمد الفهري (قدس سره) والذي هو صهر آية الله السيد دستغيب (قدس سره)، أنه سأل السيد دستغيب عن إحدى الذكريات له مع الشيخ البهجة، فقال لي آية الله سماحة السيد دستغيب(قدس سره):

"إن مقامات سماحة الشيخ البهجة هي أعلى من أن نتكلم حولها، لكن هناك قصة حصلت لي مع الشيخ البهجة أنقلها لكم، أحد الأيام وبعد درس المرحوم آية الله الشيخ محمد كاظم الشيرازي (قدس سره) الذي كان من أعاظم فقهاء النجف وكان مضرباً للمثل في الفقاهة والتدريس، قال الشيخ البهجة للشيخ الشيرازي: الليلة الماضية رأيت مناماً، اسمحوا لي أن أنقله لكم، فقال الأستاذ: المنام هو حول من؟فقال الشيخ البهجة: حول السيد دستغيب. فقال الشيخ الشيرازي: تفضلوا بالبيان.فقال الشيخ البهجة: رأيت في عالم الرؤيا أن السيد دستغيب ذهب من النجف إلى شيراز وكان دخوله إلى شيراز موجباً لتقوية الإسلام والتشيع إلى حد كبير، بحيث إن جميع أهل شيراز قد جاؤوا لاستقبال سماحته مع رايات «لا إله إلا الله» و«محمد رسول الله» و«علي ولي الله»، ولقد وجد السيد دستغيب تلك الموفقية الاستثنائية حيث إن جميع علماء شيراز قد أتوا واقتدوا في الصلاة خلفه، بالنهاية أصبح السيد دستغيب يضيئ للآخرين بحيث يستفيد الجميع من فيض وجوده. في هذا الموضع قال لي آية الله الشيخ محمد كاظم الشيرازي: يا سيد دستغيب، أنا أحكم عليك من اليوم بأن تحزم متاعك للسفر إلى شيراز، ويحرم عليك البقاء في النجف!!

وكان هذا في حال أنني قد ذهبت للنجف حتى أبقى بجوار أمير المؤمنين (عليه السلام) وما كان لدي نية للخروج من النجف وكنت قد أوصيت أنه متى ما رحلت عن الدنيا أن يدفونني بالنجف، ولم أفكر بأي عنوان أن أرجع إلى شيراز، ولكن لأن حكم الحاكم الشرعي كان نافذاً ولا سبيل لي غير قبول أمر سماحته، ذهبت للعيال وقلت لهم: تجهزوا لنرجع إلى إيران، عندما أتينا إلى إيران حصل مثل ما كان قد قاله الشيخ البهجة، يعني دخولنا كان مع استقبال حار من الناس، وعندما وردنا المسجد الجامع لنصلي صلاة الجماعة، عطل جميع أئمة الجماعة في شيراز جماعتهم وجاؤوا تعظيماً لنا وصلوا في ذاك المسجد بإمامتنا، على أية حال، بقينا في شيراز وأكملنا مسيرتنا التبليغية".(15)

ويضيف السيد الفهري:

"نعم! رؤيا الشيخ كان لها تلك الأهمية بحيث إن المرحوم آية الله الشيخ محمد كاظم الشيرازي ذاك الفقيه الجامع للشرائط، واستناداً إلى رؤيا الشيخ البهجة قد أصدر حكماً شرعياً. وبالنسبة للسيد دستغيب أيضاً حصل معه مثل ما رأى الشيخ البهجة في الرؤيا، إذ أنه ويوماً بعد يوم ازدادت عظمته في شيراز والمدن المجاورة".(16)

وكما هو معروف لدى أهل العلم أن الرؤيا ليست من الأمور التي يبتني عليها الحكم الشرعي، ومع ذلك نرى أن العالم الكبير آية الله الشيخ محمد كاظم الشيرازي(قدس سره) قد عمل برؤيا آية الله الشيخ البهجة(قدس سره) بل قد حكم على طبقها، وهذا ينم عن مدى أهمية الشيخ محمد تقي البهجة لدى هذا العالم الكبير الذائع الصيت وغيره من العلماء الكبار.

ومن المواهب النادرة والكرامات الزاهرة والتي تدل على ما لسماحته من المقامات الفاخرة والدرجات العالية، والتي ينقلها الأمين العام للعتبة الطاهرة لحرم السيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام) في طهران الشيخ محمدي الريشهري في كتابه زمزم عرفان:

"أقمنا مجلس عزاء تأبينياً بمناسبة رحيل آية الله البهجة إلى الملأ الأعلى وذلك يوم الأحد ١٣/٣/١٣٨٨ هـ . ش في الحرم المطهر للسيد عبد العظيم الحسني (عليه السلام)، المتحدث في ذلك المجلس كان هو الخطيب البارع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ ابراهيم القرني، حيث نقل في ضمن خطبته في المجلس عن والده المكرم آية الله الحاج الشيخ علي القرني(17) إحدى الوقائع التي كان هو بنفسه قد شهد هذه الكرامة العجيبة من آية الله البهجة والتي خلاصتها هي التالي:

في سنة ١٣٤٩ هـ . ش، كان أول الصباح في قم، وكنت ذاهباً مع والدي لزيارة حرم السيدة المعصومة سلام الله عليها، وبالقرب من مسجد محمدية في شارع إرم التقينا بآية الله البهجة، احتفى والدي به كثيراً وأراد أن يقبل يده، لكن الشيخ البهجة لم يسمح له، بعد المصافحة والمعانقة، أشار الشيخ البهجة أنه هل هذا ابنك؟ قال والدي: نعم، هو إبراهيم بن علي بن إبراهيم القرني! فقبلت أنا يد الشيخ البهجة ووجهه، فوضع سماحته يده تحت ذقني وقال ثلاث مرات: كن صالحاً! كن صالحاً! كن صالحاً! ما علمت هل كان كلامه إرشاداً أو دعاءً، حملت كلامه على الدعاء بأن أكون صالحاً إن شاء الله.

بعد أن ابتعد سماحته لخطوات، قال المرحوم والدي: هل عرفته؟ قلت: لا، هل كان بينكما معرفة؟ قال: نعم، إنه آية الله البهجة، لا ثاني له! بعدها دخلنا حرم السيدة المعصومة (عليها السلام)، بعد الجلوس في مسجد (بالاسر)، قلت لوالدي: تصرفه معكم كان تصرف المعارف؟ قال والدي: نعم، كنت أحضر في درسه في الكفاية أنا وآية الله السيد مهدي الروحاني في النجف الأشرف، معرفتنا بسماحته منذ ذاك الزمن. وتابع والدي قائلاً: كنت قد رأيت منه كرامة، لا أدري هل أنا مجاز بالتصريح بها أم لا؟ ولكن لأن سماحته أظهر لك محبته يدل على اعتنائه بك. سأنقل لك ماجرى حيث إذ لم أنقله لك سآخذه معي إلى القبر، ولكن بشرط أن لا تقوله لأحد ما دُمتُ أنا و آية الله الشيخ البهجة من الأحياء.

يتابع الخطيب الشيخ ابراهيم القرني: فمع أنه كان هناك مناسبات كثيرة هي فرصة لنقل هذه الحادثة الفريدة من نوعها لكن بسبب العهد الذي عاهدته مع والدي امتنعت عن نقلها حتى بعد وفاته، لكن بعد سماعي لنبأ رحيل آية الله البهجة، نقلتها لعيالي، وبعدها في المهدية في طهران وهذه المرة الثالثة التي أنقلها، الحادثة التي نقلها والدي هي هذه، في الوقت الذي كنت فيه مشغولاً ًبالدراسة في النجف جاء والدي الآخوند ملا إبراهيم إلى النجف الأشرف لأجل الزيارة بقي في النجف عدة أيام، بعدها ذهبنا إلى كربلاء معاً، إحدى الليالي كنت مشغولاً بالزيارة في حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، وفجأة تذكرت أني كنت قد عاهدت أن أذهب إلى مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء، ولحد ذاك الوقت كنت قد ذهبت اثنتين وثلاثين ليلة، فتأثرت لم لم أنتبه منذ الصباح إلى هذا الموضوع حتى أوفي بعهدي، والآن يتوجب علي أن أعيد هذا البرنامج من البداية.

كنت أفكر بهذا فرأيت آية الله الشيخ البهجة جالساً عند رأس ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، مشغولاً بالزيارة والعبادة. توجهت نحوه وسلمت. فقال لي: أيُها الشيخ القرني ماذا بك؟ بالك مشغول؟ تريد أن تذهب إلى مسجد السهلة؟ لم أتوجه أن سماحته من أين عرف أني أفكر بمسجد السهلة، قلت: نعم، وأوضحت له موضوع عهدي مع نفسي، فقال: اذهب وأوصل والدك للمدرسة وتعال، أنا أنتظرك هنا! كان والدي في الحرم أوصلته إلى المدرسة. هيأت العشاء وقلت لوالدي: أنت تناول العشاء واسترح، لأن أستاذي لديه عمل معي! رجعت مجدداً لحرم الإمام الحسين (عليه السلام)، ووصلت لمحضر الشيخ البهجة، فقال سماحته: تريد أن تذهب إلى مسجد السهلة؟ قلت: نعم، أحب ذلك كثيراً! فقال: قم وتعال معي! وأخذ يدي بيده، وخرجنا معاً من حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، وخرجنا من المدينة، فجأة رأينا أنفسنا خلف أسوار النجف الأشرف، ودخلنا إلى مسجد السهلة، وصليت صلاة تحية المسجد وصلاة الإمام صاحب الزمان (عج) بمعية سماحته المكرم. بعد ذلك قال آية الله البهجة: تريد أن تبقى في النجف أو أن ترجع إلى كربلاء؟ قلت: والدي في كربلاء وتركته في المدرسة، يجب أن أرجع إلى كربلاء! فقال: لا مانع! وأخذ يدي مجدداً، كانت يدي في يد ذاك الرجل العظيم حتى رأيت نفسي عند رأس الإمام الحسين (عليه السلام)، في نهاية هذه القضية يقول آية الله البهجة: لست راضياً بأن تبوح لأحد بما جرى ما دمتُ حياً!!(18).

أجل لقد نال درجات عالية، وبلغ مقامات سامية، وحاز قصب السبق في العبودية حتى منحه الله حلية أوليائه وتاج أحبائه وما ذلك على الله بعزيز، وليس بمستغرب أن يقول أستاذه العارف الكبير آية الله السيد علي القاضي(قدس سره) في حقه: «لقد أبدى الشيخ محمد تقي الجيلاني ترقيات منقطعة النظير(19).

ولم يكن المقصود في هذا المختصر ذكر جميع الكرامات المشهودة لسماحته وإنما هو غيض من فيض، كي يكون تنبيهاً للعباد وترغيباً لمن أراد السداد.

فعلى الرغم من نيله المرتبة العالية في البحث والدرس، فإن ذلك لم يحل بينه وبين نيله المقامات السامية في تهذيب النفس، وعلى الرغم من امتلاكه حالات معنوية مميزة ومكاشفات غيبية إلهية وكرامات بهية جلية، وبلوغه أقصى درجة في المراقبة وأعلى مرتبة في الصمت ولكن لم يكن ليمنعه ذلك عن إرشاد من يرى فيهم القابلية ولم يكن ليبخل بنصح الآخرين بل كان حريصاً على ذلك لمن يرى أنهم أهل لذلك.

وينقل آية الله السيد عبد الكريم الكشميري (قدس سره):

"كنت جالساً في أحد الأيام مع أصدقائي في حرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وبسبب تعبنا كنا نتبادل أطراف الحديث، وفجأة دخل آية الله العظمى الشيخ البهجة وانتظر حتى ابتعدت عنهم، وبعد أن ابتعدت عنهم لمسافة قصيرة اقترب مني وهمس في أذني كلمة واحدة وهي «ما للعب خلقنا"(20)فأشعل كلامُه تلك النار في كياني، حيث صرت بعدها متحيراً وتائهاً، وإثر الانقلاب الذي سببه كلامه في نفسي صرت أبحث عن الحقيقة، وفي اليوم التالي ذهبت إلى حجرته وطلبت منه الحل، فبين سماحته لي مطالب ومن بعدها وفقت للحضور في مجلس السيد القاضي الملآن بالفيوضات".(21)

كما ذكر سابقاً أن سماحة الشيخ البهجة (البالغ مناه) كان يحضر مدة تقريرات درس أستاذه آية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني(قدس سره) لدى آية الله السيد الخوئي (قدس سره) والذي كان أسبق من آية الله الشيخ البهجة(قدس سره) في الحضور عند أستاذهما، حيث ينقل آية الله الشيخ جواد الكربلائي: "في أحد الأيام كان كلام السيد الخوئي(قدس سره) حول استعمال اللفظ في أكثر من معنى(22) فقال السيد الخوئي: هذا الاستعمال الذي يستلزم لحاظين، آلياً واستقلالياً ، والجمع بين هذين اللحاظين في استعمال واحد محال!. فقال له الشيخ البهجة والذي كان وقتها في مقتبل العمر: يمكن للنفس الإنسانية أن تصل إلى مرتبة من القوة التي تتمكن من جمع هذين اللحاظين(23). وقد طرح الشيخ البهجة هذا المطلب للفت نظر السيد الخوئي بلزوم تحصيل المعارف الإلهية والاتصاف بصفات أولياء الله، وأن هناك معارف غير الفقه والأُصول يجب على المرء تحصيلها.

هنا قال السيد الخوئي: كان ما أوردته إشكالاً مهماً! ثم طلب من الشيخ البهجة بيان سبب طرح هذا المطلب، وبعد أن وضح الشيخ البهجة أموراً للسيد الخوئي سأله: إلى من وإلى أين نرجع؟ فذكر له الشيخ البهجة اسم آية الله السيد علي القاضي(قدس سره). لكن السيد الخوئي في أول الأمر كان يظهر الترديد والمخالفة، ولكن لأنه كان يرى أن عدم الذهاب إلى السيد القاضي موافق لهوى النفس، وبعد عدة مراسلات شفهية مع السيد القاضي بواسطة الشيخ البهجة، وليخالف هوى نفسه قرر الذهاب إلى السيد القاضي. وبعدها وبواسطة الشيخ البهجة عقدت جلسة بين آية الله السيد علي القاضي وآية الله السيد أبي القاسم الخوئي (قدس سرهما) لمدة ساعة ونصف في صحن حرم قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليه السلام). وبعدها أخذ بعض التوصيات من السيد القاضي وصار يعمل على وفقها، أول مرة لم يتوفق للعمل بالتوصية، فراجع السيد القاضي مرة أخرى، فكان من توصيات السيد القاضي له أن يقرأ سورة القدر ألف مرة في ليالي شهر رمضان. في إحدى الليالي يحصل له مشاهدة ويرى فيها أنه وصل إلى مقام المرجعية، ويرى جميع تفاصيل حياته إلى حين وفاته، حتى إنه قد رأى أنه يتم نعيه من مأذنة حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)."(24) (25)

وهكذا بدأ السيد الخوئي مسيرته في السير مع الشيخ البهجة واستمرت هذه المسيرة التي نتج عنها علاقة حميمة لم تنفك أواصرها حتى آخر حياة السيد الخوئي(قدس سره) .

وينقل نجل آية الله السيد جمال الكلبايكاني أنه سأل آية الله الشيخ عباس القوجاني عن الشيخ البهجة فأجابه:

"هل تعلم لم لم يكن الشيخ يرتقي سلم العروج درجة درجة، بل كان يحلق فيه طائراً؟ لأنه كان سالكاً قبل بلوغه وعيناه كانتا مفتوحتين، ورأى المعصية ولم يرتكبها، وبعد بلوغه أيضا لم يقترف المعصية".

نعم فقد كان مواظباً على طهارته وتنزهه عن المعصية قبل البلوغ وبقي محافظاً على ذلك إلى آخر لحظة من حياته.ويقول آية الله السيد أحمد الفهري (قدس سره) في معرض جوابه لما سُئل عن الخصائص الأخلاقية والعرفانية للشيخ البهجة(قدس سره) من قبيل التقوى والزهد وبساطة العيش والعبادة والتواضع والتوسل والنظم وكثرة ذكره وكتمانه لمقاماته حيث قال:

"بشكل مختصر، يمكن القول أن سماحته كان متميزاً ومشرقاً في كل الموارد التي ذكرت في السؤال، حتى سمعت من المرحوم آية الله الشيخ عباس القوجاني يقول: أنا احتمل أن الشيخ البهجة لم يكن يرتكب المعصية أبداً، لأن سماحته عندما دخل إلى حوزة المرحوم القاضي كان لا يزال مراهقاً ولم يكن قد بلغ سن التكليف، بعد هذا أيضاً كان مبرأً من كل نقص ومعصية بواسطة نيل مراتب العرفان وإدراك عظمة الله وحضوره.

[و يضيف السيد الفهري (قدس سره):] ويفهم هذا الموضوع أي عدم ارتكاب سماحته لأي نوع من أنواع المعصية، من خلال مواعظ ونصائح سماحته، لأن سماحته كان يتكئ على ترك المعصية كثيراً، وكان اعتقاده أن الشرط الأول لأي نوع للسير إلى الله هو ترك المعصية، وكان سماحته يرى ترك المعصية هو مبدأ لجميع الترقيات الروحية."(26)

وأيضاً ينقل الشيخ محمود القوجاني نجل آية الله الشيخ عباس القوجاني(قدس سره):

"قال لي آية الله السيد أحمد الفهري: إن سماحة الشيخ البهجة هو في مقام العصمة العملية، لأن سماحته منذ سن البلوغ، أدرك محضر آية الله السيد القاضي (قدس سره)، وهكذا شخص يتطهر قطعاً، وبشكل عملي لا يصدر منه معصية."

وهاتان الشهادتان هما من علمين من أعلام الدين بعدم ارتكاب سماحته للمعصية منذ عنفوان شبابه وحفاظه على طهارته وفطرته وبراءته من أنواع الذنوب.

وهكذا كانت الفترة التي أقام بها الشيخ محمد تقي في النجف الأشرف فرصة ذهبية لرقيه العلمي وتهذيب نفسه وترويضها، إلا أن شدة جديته في طلب العلم وهمته ومثابرته في تهذيب النفس كانت تؤدي به إلى أن يتعرض باستمرار لوعكات صحية حادة، حيث كانت تأخذ مأخذاً من جسمه النحيف وتضطره خلال فترة العلاج في كل مرة للسفر إلى سامراء والكاظمية وكربلاء المقدسة لتغيير الجو حتى إذا ما تماثل للشفاء عاد إلى النجف الأشرف مرة أُخرى، وأيضاً كان يسافر إلى هذه العتبات المقدسة خلال أيام العطل، فليلة الجمعة كان مواظباً فيها على الذهاب إلى كربلاء لزيارة حرم سيد الشهداء (عليه السلام).

وأما في العطلة الصيفية فلم يكن سماحته ليترك البحث والتدريس حيث ينقل السيد المرعشي الأهوازي:"لقد درست العلوم العقلية لدى سماحته في الكاظمين."

وأخيرا وبعد ستة عشر عاماً مرت بجوار روضتي أميرالمؤمنين وسيد الشهداء (عليهما السلام) ملؤها العمل الدؤوب والجهد الذي لا يعرف الكلل والملل في طريق طلب العلم والمعرفة والتتلمذ على يد الطراز الأول وأساطين العلم في الحوزة العلمية في النجف الاشرف وبعد سنين من التدريس والتحقيق يعزم سماحته على الرجوع إلى مسقط رأسه بصدر يفيض علماً وقلب مواج بالمعرفة ولكي يعالج مرضه الشديد الذي ألم به من كثرة العبادة وبذل الجهد. وكانت عودته في شوال سنة ١٣٦٤ للهجرة النبوية المشرفة على مهاجرها وآله آلاف التحية والثناء.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل"(27).
[1] ينقل آية الله الشيخ محمد الغروي (قدس سره) صاحب «الأمثال النبوية» أن السبب في تعيين السيد القاضي(قدس سره) للشيخ عباس القوچاني وصياً له، هو أن أحد الأشخاص الذي كان يتردد على السيد القاضي(قدس سره) وكان في كربلاء، أراد أن يدعي بأنه وصي السيد القاضي(قدس سره) في الأمور العرفانية، فأراد السيد القاضي(قدس سره) أن يغلق باب الوصاية على ذاك الشخص، حيث كان خواص طلبة السيد القاضي كالشيخ ابراهيم السيستاني و الشيخ البهجة قد غادروا إلى إيران. كما ينقل صاحب كتاب «طريقه مقربين» كلاماً ـ يؤيد نفس هذه القضية ـ عن الشيخ عباس القوجاني نفسه، و الذي كان قد قاله لآية الله حسن الصافي الأصفهاني (قدس سره).

[2] كتاب بهجت عارفان در حديث ديگران ص ٩٢.

[3] "لقد زرعت اليوم وردةً": عبارة مترجمة من اللغة الفارسية تقال لمن قام بعمل جيد و مثير لإعجاب الآخرين.

[4] جاء في قسم من رسالة السيد القاضي إلى المرحوم السيد الإلهي الطباطبائي ما نصه: «لقد أبدى الشيخ محمدتقي الجيلاني ترقيات استثنائية!".

[5] يقول (قدس سره) في معرض إشادته بالمقام المعنوي لأستاذه آية الله النائيني (قدس سره): «كنت أشارك في صلاة الجماعة التي كان يقيمها وذلك قبل بلوغي سن التكليف، فكنت أشاهد من حالاته ومقاماته أموراً لا يمكن الإفصاح بها!» و هي ما لم يشاهده إلا في الصلاة المعراجية التي كان يقيمها الحاج الشيخ أحمد سعيدي الفومني.

[6] كان يقول: «دعوني أنقل لكم قبل أن أموت، لقد رأيت بعيني السيد علياً القاضي يقتدي في صلاته بالشيخ البهجة!"

[7] آية الله الشيخ محمد تقي الآملي (قدس سره) الذي كان من تلامذة العالم العارف السيد علي القاضي (قدس سره).

[8] فريادگر توحيد، ص ١٢٣.

[9] فريادگر توحيد ص ٥٤.

[10] زمزم عرفان، ص ٢٤٣.

[11] فريادگر توحيد، ص ٥٣.

[12] والذي كان أحد العلماء المجهولي القدر و الذي كان لا يرغب بذكر اسمه، و هذه القصة التي سيتم نقلها عنه مذكورة في الكتب دون ذكر اسمه، لأنه كان لا يرضى بذلك مادام حياً و قد تم ذكر اسمه بعد انتقاله إلى جوار ربه.

[13] فريادگر توحيد، ص ١٩١.

[14] نكته های ناب، ص ٩٨.

[15] نكته هاي ناب، ص ١١٣.

[16] نكته هاي ناب، ص ١١٣.

[17] مؤلف كتاب منهاج الدموع، منهاج السرور، أسرار المعراج و ...

[18] زمزم عرفان، ص ١٤٤.

[19] جاء في قسم من رسالة السيد القاضي إلى آية الله السيد الإلهي الطباطبائي ما نصه: «آقاي شيخ محمد تقي گيلاني ترقيات فوق العاده نموده است». الهية، ص ١٨١.

[20] راجع: بحار الأنوار، ج ١٤، ١٨٥.

[21] فريادگر توحيد، ص ١٩٨.

[22] أحد المباحث الأصولية.

[23] ويقول آية الله السيد الفهري (قدس سره): «لقد سمعت هذه القضية بنفسي من آية الله السيد الخوئي (قدس سره)». نكته های ناب، ص ٩٦.

[24] لم يستمر سماحة السيد الخوئي في الحضور لدى سماحة السيد القاضي حيث إنه قال: «لا يمكنني الجمع بين الدرس و بين الحضور لدى السيد القاضي".

[25] فريادگر توحيد، ص ١١٨.

[26] نكته هاي ناب، ص ٩٦.

[27] بحار الأنوار، ج ٥٧، ص ٢١٣.

المصدر: albahjat.org