محفوظ ولد أعزيز
إن المتتبع لما يجري اليوم في وطننا العربي من أحداث يخيل إليه أنه أمام فيلم من الخيال، تم تركيب حلقاته بطريقة لا تخضع للمنطق العلمي ، أقحم فيه اللاعبون و المشاهدون بطريقة درامية مشوشة للذهن و مخلة بتوازن المشاهد، العقلي و النفسي، اختلطت فيه الأدوار و المشاهد بطريقة لا تخلو من منطق عابث، مستهزئ بمنظومة القيم و الثوابت التي بنى عليها الإنسان تصوره للخاص و المشترك عبر مسيرته الكونية الطويلة.
إن للعقل دوره المحوري في توجيه ميكانيزمات الحياة و في الحكم على كل الظواهر سلبا أو إيجابا. و المتتبع اليوم لما يجري في وطننا العربي بطريقة فاحصة و متأنية ، يجد أن هناك انقلابا دمويا ينفذ على المشترك بطريقة غرائزية تخرج الإنسان من منظومته الحضارية و تدفعه بأسلوب غرائزي نحو تهديم المشترك دونما رادع و لا وازع. و كلمة السر الوحيدة الدافعة نحو الهدم و الدوس على ما كنا جميعا و مازلنا نعتقد أنه ثابت و مقدس العيش المشترك، هي كلمة (الحرية).
فهل كانت الحرية في يوم من الأيام حرية غير واعية ؟ .. حرية عبثية ؟ .. غرائزية، تدمر و لا تبني ؟ .. حرية يمتطيها أعداء الحرية، الذين استباحوا أرضنا و نهبوا خيراتنا واستباحوا أوطاننا و هودوا مقدساتنا و أرهبوا إنساننا و سفهوا معتقداتنا و تفهوا تراثنا و تكبروا و تجبروا و داسوا على أحلامنا ، فعن أية حرية يتحدث هؤلاء ؟
إنها حرية دمر و احرق و اسلب و انهب و اقتل فأنت حر !؟
ألم تكن الحرية هي تلك الأنشودة الجميلة التي تغنى بها شعراؤنا و استشهد في سبيلها مناضلونا و حوصرت على طريقها أوطاننا و أريقت في سبيلها دماؤنا؟
إن الحرية أغلى و أثمن و أنبل من أن يمتطي صهوتها جلادونا و منتهكو حرمات أوطاننا و موزعو الموت المجاني على نسائنا و أطفالنا و شيوخنا في فلسطين و العراق و لبنان و أفغانستان و باكستان .
أهانت علينا نفوسنا إلى حد تقليد الصحوات في العراق و كرازايات أفغانستان، أم نسينا شلال دمائنا الذي أراقه هؤلاء المجرمون على مذبح حريتنا منهم و من نظرتهم العنصرية الحاقدة على أوطاننا و على منظومتنا القيمية.
هل يسمح لنا دعاة الحرية هؤلاء بحرية نسائنا المقيمات في بلدانهم ، في ممارسة حريتهن الشخصية في أبسط حق من حقوق الإنسيان : إنه حق ارتداء الحجاب.؟
و مع ذلك فلعملائهم في أوطاننا كامل الحرية في حمل السلاح و إراقة دمائنا و تدمير العيش المشترك داخل منظومتنا الاجتماعية. و إذا وقف المجتمعات في وجوههم و تصدت الدول لجرائمهم ، عندها و عندها فقط يتذكر هؤلاء حقوق الإنسان و تتحرك منظماتهم و تملأ الدنيا عويلا و تطبيلا و ينتبه الغرب و أمريكا و من ورائهم الصهيونية أن هناك إنسان تجب حمايته !؟
أليس في هذا أكبر إهانة لنا و تتفيه و تسفيه لعقولنا ؟ ألم يكن إنساننا الذي أبيد في العراق بآلة دمار هؤلاء ، إنسان؟
ألم يكن إنساننا الذي أبيد في فلسطين عموما و في غزة على وجه الخصوص ، إنسان؟
ألم يكن إنساننا الذي أبيد في صبرا و شاتيلا و قانا الأولى و قانا الثانية إنسان ؟
ألم يكن إنساننا في غوانتانامو و بلمارش و أبو غريب و العشرات من السجون السرية المتنقلة في الجو و البحر ، إنسان؟
ألم يكن إنساننا الذي يمزق في أفغانستان و باكستان و ليبيا بالصواريخ الموجهة، إنسان ؟
علينا إذن أن ننتبه ، إنه عدوان جديد من نوع آخر على عقولنا و تدمير ممنهج لمنظومتنا الذهنية و استباحة فاضحة لقيمنا الأخلاقية و تزييف مكشوف لقيم الحرية ."
أصحيح يا حرية، يا رفيقة دربنا الأزلية : إننا رفاق دربك في مواجهة البربرية .. إننا جنودك في مواجهة الصهيونية العنصرية .. إننا أشقاؤك في الذود عن الضحية .. إننا و أنت نرسف في قيود صعاليك الهمجية .. إننا و أنت يا حرية سنظل واقفين أمام الظلم و الاضطهاد و العبودية .. إننا يا حرية يا قوية بقوة الحق في فلسطين و العراق و لبنان و أفغانستان ، صامدون من زمان في وجه آلة الطغيان الصهيو ـ أمريكية، فليدعوا ما شاءوا و ليرفعوا ما شاءوا من شعارات و ليزيفوا ما شاءوا من حقائق فستظلين أنت يا حرية في الصفوف الأمامية للتصدي لهجماتهم الهتليرية و ستظلين أنت كما عهدناك أول المنادين بسقوط منظومتهم الهمجية.
تقدمي يا حرية ، يا معبودتنا الأبدية، لا تخافي من تزييف هؤلاء و من تشويههم لصورتك النقية. سيندحرون بقوة الحق إلى جانبك و ستتحرر من أدرانهم البشرية يا أختنا يا حرية. إنهم أفاكون، سفاحون، مصاصون لدماء البشرية. انهضي يا حرية و لا تقبلي أبدا بالهوان الذي يسومك به هؤلاء فقد عهدناك دائما أمام جبروتهم قوية. انهضي يا أختنا يا حرية لقد استباح هؤلاء الصعاليك أجمل ما في البشرية : استباحوا الإخاء الإنساني استباحوا التسامح و السكينة استباحوا الود و الفضيلة استباحوا كل القيم النبيلة و أنت يا حرية في هذا المشروع مشروع تمزيق الإنسان و الأوطان . كنت أنت أول ضحية. انهضي يا حرية فنحن نعاهدك يا معبودة الشجعان، أننا لن نستكين و لن ننخدع بهذا الطوفان الذي يهيج الغرائز في الإنسان .. نعاهدك أننا سنحرر منهم الأوطان و أجمل ما في الإنسان: عقل الإنسان. و سنحرر الأديان مما ألحقوه بها من أدران ليعود الإنسان كما كان أخ الإنسان في الزمان و المكان، فأنت يا حرية أجمل معشوق خلقه الله للإنسان، فاصرخي أمام جلاديك الصهاينة و الأمريكان و قولي لهم بملء فيك و بلسان الأحرار الشجعان، أنك لن تلعبي في هذه المسرحية المخزية دور الشيطان.
الموقع : elwihdawi.com