ايمان الحبيشي**
منذ مدّة وضعتُ كتاب بعنوان “قوّة عقلك الباطن” للدكتور جوزيف ميرفي(1) على لائحة الكتب التي أود قراءتها وفق نصيحة من صديقة أخبرتني أن الكتاب يعطي دفعة من الايجابية التي نحتاجها في حياتنا.
وُفقت أخيرا لقراءة الكتاب ولم أنته بعد، على الرغم من أني بدأته منذ فترة كافية لانهاء كتابٍ يقع في 298 صفحة فقط.
ما جعلني أتوقف أو أتقطع أثناء قراءتي له، أنني وجدتُ أن الكتاب قد صيغ بطريقة اختلفت عما توقعته تماما، فصاحب الكتاب يدعو للتفاؤل والايجابية عبر “كلمات الدعاء للخالق” مؤكدا على قانون الجذب(2) الذي كنت قد سمعت عنه ولم أعطه أي اهتمام سابقا، وهو ما استوقفني لأعود لبعض كلمات الدعاء والدروس وآيات من القرآن قبل أن أكمل قراءته.
الفكرة الرئيسية التي يتحدث عنها الكاتب، هي أننا نمتلك عقلا ذا وجهين أو بعدين، هو العقل الواعي الذي نفكر به وندرك من خلاله أننا نفكر عبر عمليات التفكير المنطقية، والعقل الباطن الذي لا قدرة له على التفكير أو التصحيح أو الاقتناع، انما هو المخزن الذي تقع فيه كل قناعاتنا وأفكارنا واعتقاداتنا منذ الولادة حتى الممات.
يقول الدكتور ميرفي أن عقلنا الباطن يمتلك قدرات هائلة في تحويل اعتقاداتنا لحقيقة، فمن يعتقد أنه مريض رغم كل الفحوصات الطبية التي تؤكد خلوه من المرض، فقد يقع فريسة لاعتقاده أو فريسة لإيحاء الآخرين اليه بكونه مريض، حتى أنه قد يموت نتيجة هذا الاعتقاد! ذلك أن عقله الباطن يمد الجسد بما يعتقده العقل الواعي محولا إياه لحقيقة، وهو بالمناسبة سببا كافيا لنتوقف عن إسماع أطفالنا كم أنهم “أغبياء وغير نافعين وكسالى ومشاغبين وعنيدين وعصبيين” اذ أننا نساهم في اقناعهم باتصافهم بتلك الصفات ليتصرفوا بناء على ذلك الاعتقاد الخاطئ.
الأمر المثير أن الدكتور ميرفي يدعو لاستثمار قدرات العقل الباطن، في الاستشفاء والتمتع بالصحة والثراء والنجاح وراحة البال، وذلك عبر استراتيجيات معينة تساهم في “توجيه” العقل الباطن للاقتناع بما نريد أن يتحقق لا بما نعتقده، فمن أراد الثراء فعليه أن يقنع نفسه وعبر عقله الواعي بأنه سيكون ثريا بحول الله حتى تصل تلك الرسالة للعقل الباطن فيحولها لحقيقة!
لست بصدد مناقشة تلك الفكرة انما استعراضها وذلك للوصول بكم لأمر توصلت اليه من خلال هذا الكتاب قد يزيد درجة ايماننا بلطف الله ويرفع من درجة ثقتنا بكرمه.
إن ملخص دعوة الكاتب تقع في أن تثق بأن الله سيحقق آمالك ويستجيب دعاءك، وبمجرد أن تنام وتصحو على هذه الفكرة فان أمرا مذهلا سيسكن قلبك وعقلك وجسدك دافعا اياك للعمل والاجتهاد لتحقيق ما تتمنى متوكلا في ذلك على الله-هذا الأمر اختبرته شخصيا تأثرا بالكتاب الذي أوصلني للثقة بحقيقة أوردها لكم بين كلمات هذا المقال-، لقد ذهلت بينما أعود لكلمات الدعاء التي أوردها لنا نبي الله محمد وعترته صلى الله عليهم، يقول ميرفي أن عليك لتوجيه عقلك الباطن استخدام طريقة الأمر لتحدث نفسك: “أنا أترك الأمر الفلاني لرحمة الله وأنا واثقة أن الله سيستجيب لدعائي” ولو عدنا لأحد أدعية الامام السجاد عليه السلام لوجدناها كما أغلب أبيات الدعاء تشتمل على تلك الصيغة حتى وأنت تحدث رب الكون -وحاشى أن نأمر الله- اذ يقول في دعاء الأمن مثلا “افتح لي يارب باب الفرج بطولك، واكسر عني سلطان الهم بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت، وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا” كما يؤكد الدكتور ميرفي على أهمية ان تكون ذا قلبا شاكرا اذ أن القلب الشاكر يكون قريبا من النعم وقد قال الله “وان شكرتم لأزيدنكم” وأغلب أدعيتنا تبدأ بشكر الله والتحبب اليه قبل الولوج للطلب منه وسؤاله كما في مناجاة الشاكرين “الهي أذهلني عن اقامة شكرك تتابع طولك، وأعجزني عن احصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك…. “.
لقد وجدت أن الفكرة الرئيسية التي يتحدث عنها هذا الكتاب انما هي تقع في “حسن الظن بالله” وان لم يستخدم ذات المصطلحات والكلمات التي نعرفها في وصف هذه الحالة، فمتى ما وثقت أن عقلك سيمدك بعون الله بما يحقق امنياتك في حل مشكلاتك أو في شفاء أمراضك أو في الغنى عن الحاجة للآخرين ماديا ومعنويا، فستتحقق تلك الأمنيات بقدر ثقتك وقد وجدت ذلك ماثلا في كلمات الله ونبيه وأهل بيته اذ يقول الامام الرضا (ع) : “ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺎ ﻋﻨﺪ ﻇﻦ ﻋﺒﺪﻱ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻲ، ﺇﻥ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﺨﻴﺮﺍ، ﻭﺇﻥ ﺷﺮﺍ ﻓﺸﺮﺍ” وهو ذات الأمر الذي يدعو اليه الرسول صلى الله عليه وآله في قوله: “ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ، ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻇﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﻇﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻴﺪﻩ اﻟﺨﻴﺮﺍﺕ، ﻳﺴﺘﺤﻴﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻗﺪ ﺃﺣﺴﻦ ﺑﻪ ﺍﻟﻈﻦ ﺛﻢ ﻳﺨﻠﻒ ﻇﻨﻪ ﻭﺭﺟﺎﺀﻩ، ﻓﺄﺣﺴﻨﻮﺍ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﻈﻦ ﻭﺍﺭﻏﺒﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ”
وعلى الطرف الآخر فمن أساء ظنه بالله فلا يلومن الا نفسه. يقول رب العزة في محكم كتابه: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) كما يقول في موضع آخر (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).
ان ما دعاني للكتابة تعليقا على هذا الكتاب، هو أني وجدت في كلماتي قبل آخرين غيري، أننا نسيئ الظن بالله، ونخشى من التفاؤل خوفا من خيبة الأمل، غير مدركين لفاعلية حسن الظن بالله والثقة بلطفه، حارمي أنفسنا من حلاوة التفاؤل والنظرة الايجابية، مستمتعين بروحية المهزوم المظلوم المغبون سيئ الحظ التي تتقمص أرواحنا لتطرد منها سعة البال وراحة النفس وصدق التوكل على الله.
هذا المقال ليس دعوة للتواكل والاكتفاء بالدعاء والتمني والأمل دونا عن السعي، لكنه دعوة للتفكر والثقة. ولا أدعي أن ربطي واسقاطي بين كلمات هذا الرجل وحقيقة الثقة بالله “حقيقة مطلقة” لكن أدري أن حسن الظن بالله هو الحقيقة الكاملة المفقودة في أرواحنا التائهة التي أعياها الحديث عن الظلم والغبن ..
ليس مهما أن تكون القوة المحركة للأمل بداخلنا، قوة معروفة ولها اسم محدد ونعرف دهاليزها، قد تكون قوة عقلنا الباطن أو لتكن قوة الثقة بالله، النتيجة ان من أعلق يديه بذيل كرم الله ما خاب.
لنثق بالله ونحسن الظن به .. انه غفور رحيم مجيب الدعوات ..
(1)الدكتور جوزيف ميرفي: ولد في العشرين من مايو 1898م بايرلندا ثم انتقل للعيش في امريكا حيث درس الصيدلة لكنه ونتيجة شغفه بعلم الاديان فقد ترك عمله كصيدلي وتحول للسفر للاطلاع على مختلف الديانات، أكد على اهمية فهم قوة العقل الباطن ومبادئ الحياة القائمة على الاعتقاد بوجود إله واحد “التوحيد” وقد كتب اكثر من ثلاثين كتاب المذكور أعلاه هو أحدها وأحد اكثر الكتب مبيعا على مدى سنوات طوال
(2) قانون الجذب : ينص قانون الجذب الفكري على أن مجريات حياتنا اليومية أو ما توصلنا إليه إلى الآن هو ناتج لأفكارنا في الماضي وأن أفكارنا الحالية هي التي تصنع مستقبلنا، بالأحرى يقول القانون أن قوة أفكار المرء لها خاصية جذب كبيرة جدا فكلما فكرت في أشياء أو مواقف سلبية اجتذبتها إليك وكلما فكرت أو حلمت أو تمنيت وتخيلت كل شيء جميل وجيد ورائع تريد أن تصبح عليه أو تقتنيه في حياتك فإن قوة هذا الأفكار الصادرة من العقل البشري تجتذب إليها كل ما يتمناه المرء (موسوعة ويكيبيديا).
**كاتبة و ناشطة حقوقية بحرينية
المصدر: موقع إرتقاء