وبحسب التقارير واللقاءات التي أجريت مع عدد من الذين تم الإتجار بهم، فإن العصابات تبيعهم للمزارعين والرعاة الذين بدورهم يجبرونهم على العمل في المزارع والحقول والقيام بأعمال الرعي بدون تقاضي أي أجر على ذلك.
وشكك الليبيون، من جانبهم، في تقرير الـ"سي أن أن" وقللوا من شأن الحادثة بدعوى أنها حدث عرضي لا يمثل نظرة الليبيين تجاه الأفارقة السود مشيرين إلى أن الليبيين أنفسهم يتعرضون للاختطاف من قبل نفس العصابات التي تطلب فدية من أهاليهم مقابل إطلاق سراحهم. كما حمل الليبيون الأمم المتحدة والغرب المسؤولية عن الفوضى التي تغرق فيها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس الراحل معمر القذافي في عام 2011.
وبغض النظر عن الوضع الأمني المتدهور في البلاد وتفشي حالات القتل والخطف والإرهاب، إلا أن ظاهرة استعباد البشر والمتاجرة بهم في ليبيا انحصرت فقط بالسود دون غيرهم من المهاجرين، الأمر الذي يعني أن هناك عاملا مهما تم إغفاله وهو التمييز العنصري ضد الأفارقة السود في ليبيا.
إن السؤال الجوهري الذي لم تتطرق له وسائل الإعلام العربية خاصة هو: لماذا اقتصر الاستعباد على السود فقط دون غيرهم؟ ولا تحتاج الإجابة على هذا السؤال كبير عناء، فقد ارتبطت العبودية تاريخيا بأصحاب البشرة السوداء، فالليبيون كغيرهم من الشعوب العربية يصفون أصحاب البشرة السوداء بالعبيد أو الخدم أو غيرها من التسميات التي يقصد منها الحط من شأن الإنسان الأسود.
وقضية العنصرية ضد السود في العالم العربي من القضايا الحساسة والمسكوت عنها فلا تناقش في الإعلام إلا نادرا على الرغم من أهميتها. والسبب في اعتقادي وراء التحسس من تناول قضية العنصرية ضد السود يعود إلى تجذر هذا الواقع من مئات السنين بحيث أضحى من الأمور المقبولة اجتماعيا ليس فقط من قبل السلطات والمجتمع بل حتى من السود أنفسهم الذين اعتادوا التعرض لمواقف عنصرية وفشلت محاولاتهم الخجولة في لفت انتباه السلطات لاتخاذ تدابير وإجراءات أو سن قوانين للحد من العنصرية تجاههم.
وفي الوقت الذي أدانت فيه دول أوروبية وأفريقية ومنظمات دولية حادثة بيع الشبان الأفارقة بأشد العبارات وطالبت بفتح تحقيق وإدراج القضية في جدول أعمال القمة الأفريقية القادمة وفي الوقت الذي تظاهر فيه آلاف الأشخاص في عدة مدن أوروبية وتفاعل مع الحادثة مشاهير كرة القدم كالفرنسي بول بوغبا والكاميروني صامويل ايتو والعاجي دروجبا، لم يحظ الموضوع باهتمام المسؤولين العرب ولا الشارع العربي.
وليت الأمر توقف عند تجاهل القضية من قبل المسؤوليين العرب بل وصل إلى حد التقليل من أهمية استعباد البشر وتحميل الغرب المسؤولية عن ما حدث في ليبيا كما جاء في تصريح للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز. المثير للدهشة في تصريح ولد عبد العزيز الذي يرى في مساعدة الغرب للشعب الليبي في إسقاط نظام القذافي وما تلا ذلك من حالة فوضى هو ما أدى إلى أو ساهم في تنامي ظاهرة الإتجار بالبشر، هو أن نفس الظاهرة منتشرة في بلاده التي لم يتدخل الغرب لإسقاط النظام فيها.
وبحسب موقع "موريتانيا المعلومة" فقد استنكر ولد عبد العزيز مطالب منظمات حقوقية موريتانية بإنهاء الرق في البلاد وشكك في دوافع نشطاء حقوقيين مناهضين للاستعباد، قائلا: "لماذا يكثر الحديث عن هذه المسألة إلى هذا الحد؟ لماذا الذين يطرحونها اليوم لم يفعلوا ذلك منذ 15 سنة؟ لأنهم لم يعودوا في السلطة، استاؤوا وصاروا يثيرون مسألة العبودية."
شخصيا، أتعرض باستمرار لإساءات عنصرية في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة عندما أتطرق لقضايا وأحداث تتعلق بالمملكة العربية السعودية وقد لاحظت في مرات عديدة أن العنصريين يتمنون لو أن الملك فيصل لم يلغ العمل بنظام الرق.
مثل هذه التصريحات تؤكد أن فكرة استعباد السود والنظر إليهم بدونية أمور لم توجدها حالة التدهور الأمني في ليبيا، وأن المجتمعات العربية بحاجة إلى الاعتراف بالمشكلة ومن ثم معالجتها من خلال دعم وتعزيز وجود السود في مختلف المجالات وتشجيعهم واستهجان الألفاظ والعبارات والتصرفات العنصرية حتى يتم القضاء على العنصرية أو على الأقل حتى يصل المجتمع إلى مرحلة يصبح فيها العنصريون أقلية منبوذة.
إن الواقع المؤسف هو أن المجتمعات العربية تعامل السود بعنصرية وتنظر إليهم بدونية حتى في الدول التي تعتبر أكثر انفتاحا كلبنان مثلا. في برنامج "أحمر بالخط العريض" الذي تبثه قناة "أل بي سي" ويقدمه الإعلامي مالك مكتبي، تحدثت اللبنانية عائشة المتزوجة بشاب من دولة غانا عن المضايقات التي يتعرضان لها باستمرار ونظرات الازدراء والتعليقات الساخرة عليهما أينما ذهبوا.
قالت عائشة في معرض وصفها لحال العنصريين الذين ينتقدون زواجها من محمد الغاني: "إذا بتفكر فيها بطريقة إيجابية ستعرف أنهم عاجزون عن القيام بما قمنا به. أنا أشعر بأن ما قمت به أمر طبيعي جدا بل وأقل من طبيعي ... ما قمت به ليس عملا خاطئا. إن من العيب أن تكونوا عنصريين".
صدقت عائشة، فالعنصريون يعوضون إحساسهم بالنقص باحتقار الآخرين والتقليل من شأنهم. وصدق مكتبي أيضا، فإن عرض مثل هذه الحالات وتسليط الضوء على المضايقات التي يتعرض لها السود سوف يساهم في زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع الأمر وبالتالي سيؤدي إلى انحسار ظاهرة العنصرية ضد السود.
بقلم منصور الحاج/ الحرة
22